“أنا بقول الكلام ده عشان أنا شايف لا مؤاخذة في كلام كده، لا.. احذروا .. اللي حصل من 7 أو تمن سنين مش هايتكرر تاني، واللي مانجحش ساعتها مش هينجح دلوقتي، إنتم باين عليكم ما تعرفونيش صحيح.. أنا مش راجل سياسي…”.
بتلك الكلمات الغاضبة، وكلمات أشد غضبا وجه السيسي خطابا مثيرا للشعب المصري خلال افتتاحه أحد حقول الغاز بمحافظة “بورسعيد“، حيث بدا على الرجل الانفعال والتوتر والاستياء في آن واحد، الأمر الذي أثار جدلا وتساؤلات النشطاء والسياسيين ما الذي حدث حتى ينفعل السيسي بهذا الشكل، وما الذي يزعجه رغم سيطرته على جميع الأجهزة في مصر؟
تعبيرات السيسي الغاضبة، وتحذيره وبشكل واضح من مغبة وخطورة الثورة عليها، وتلميحه إلى احتمالية أن يستدعي مؤيديه لإعطائه تفويضا شعبيا جديدا، أوحى لكثير من المراقبين، أن الرجل يعلم شيئا ويخفيه، وهو ما جعل التخمينات تتزايد، حول قلق أسباب السيسي وانفعاله.
العدسة ومن خلال التقرير التالي تطرح كل الاحتمالات الممكنة التي ربما تكون السبب في انفعال الجنرال المسيطر عل كل مقاليد الدولة، وبالتالي فإنه يفترض أن يكون أكثر ثقة من ذلك.
عنان وشفيق وخالد علي
بحسب مراقبين فإن عملية الترشح للانتخابات الرئاسية الحالية كانت بمثابة ورقة التوت الأخيرة التي عرّت النظام بعد سقوطها، حيث خرج المشهد الانتخابي بغير الصورة التي كان يرسمها ويخطط لها تماما.
فالسيسي وفقا لـ“مراقبين” كان يرغب في أن يكون هناك أكثر من مرشح تكون فرصهم ضعيفة بالفوز ثم يسيطر هو على المشهد تماما.
لكن إعلان “الفريق أحمد شفيق” عزمه خوض الانتخابات الرئاسية، أربك حسابات السيسي، واضطر للدخول الخشن للحيلولة دون ترشحه، بعدما فشلت المحاولات الناعمة، فاستعان بأصدقائه من حكام الإمارات، وقاموا بترحيله إلى مصر وإخفائه قسريا عدة أيام ليظهر بعدها متراجعًا عن فكرة الترشح.
ما أن تخلص السيسي من كابوس شفيق، حتى ظهر له “شبح عنان العسكري” الذي قض مضجعه، إذ إن إعلان الفريق سامي عنان ترشحه للانتخابات الرئاسية لاقى صدًى واسعا في الشارع المصري، وكذلك بين القوى السياسية المختلفة، فقرر على إثر ذلك احتجاز “عنان” واعتقاله بحجة مخالفته القواعد واللوائح العسكرية.
انتهى السيسي من مشهد “شفيق وعنان” ففاجأه المرشح الرئاسي “خالد علي” بالانسحاب من الانتخابات، ليزيد السيسي ارتباكا وإنزعاجا، ويقضي على آخر أمل للسيسي أن تظهر الانتخابات بشكل تنافسي، ومن ثم قررت السلطة الزج بمرشح يقوم بدور “الكومبارس” في تلك المعركة الهزلية وفقا لمراقبين، وهو المرشح “موسى مططفى – رئيس حزب غد الثورة“.
المعركة الانتخابية التي اشتعلت قبل أن تبدأ، أزعجت السيسي، ووضعته في موقف بالغ الحرج، سواء على المستوى الداخلي أو المستوى الخارجي، وبالتالي بدا الرجل وكانه متوترا ومنزعجا من منافسيه ومهددا إياهم بالتصدي لهم حال محاولتهم الخروج عليه أو تحالفهم ضده.
تحالف القوى المدنية
لم تتوقف الأمور عند هذا الحد، حيث إن التحالف الذي شهدته مصر خلال الأسابيع القليلة الماضية بين عدد من أطراف القوى “المدنية” عقب مشهد الانسحابات من الانتخابات الرئاسية والتضييق على المرشحين، أزعج السيسي أيضا وجعله يتذكر ويخشى من تكرار المشهد الذي حدث قبل ثورة يناير، حين تحالفت عدد من القوى السياسية ضد مبارك في ثورة يناير.
وكانت 5 شخصيات سياسية مصرية بارزة، قد أصدرت الأحد الماضي 28 يناير ، بياناً مشتركاً، دعوا فيه إلى وقف الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في مارس المقبل، معتبرين أنها فقدت شرعيتها.
وحمل البيان أسماء كل من المرشحين السابقين للرئاسة، عبدالمنعم أبو الفتوح، ومحمد أنور السادات، والمرشحين السابقين لمنصب نائب رئيس الجمهورية، حازم حسني، وهشام جنينة، بالإضافة إلى عصام حجي المستشار الأسبق لرئاسة الجمهورية.
وطالب البيان بوقف الانتخابات واعتبارها فقدت الحد الأدنى من شرعيتها، ووقف أعمال الهيئة الوطنية للانتخابات وحل مجلسها، لأنه تستر على تدخل أمني وإداري في الانتخابات المفترضة، وكذلك دعوة الشعب المصري إلى مقاطعة الانتخابات، كما أدان الموقعون على البيان الممارسات الأمنية والإدارية التي اتخذها ما وصفوه بـ“النظام الحالي“.
البيان أزعج السيسي والنظام المصري بصورة كبيرة، للحد الذي سارع فيه عدد من المحامين القريبين من السلطة برفع قضايا على الموقعين على البيان يتهمونهم بمحاولة قلب النظام.
أيضا فإن البيان ذكر الشارع المصري والنظام بحملة التوقيعات التي جرت قبيل أسابيع من ثورة يناير، والتي كانت تمهيدا للإطاحة بنظام مبارك، وهو الأمر الذي استدعى السيسي أن يتحدث أن ما جرى لا يمكن تكراره أبدا.
محاولة انقلاب على السيسي
التخوف الأول لدى السيسي وفقا لمراقبين، هو من حدوث عملية انقلاب عسكري عليه خصوصا وأن مؤشرات عدة تؤكد أن الأيام الماضية شهدت بالفعل محاولة انقلاب عسكري على السيسي يدعمها أطراف داخل الدولة وداخل أجهزة مخابراتية.
لم يتحدث أحد بالضبط عمن يحاول قيادة انقلاب على “السيسي” غير أن مراقبين ربطوا بين ترشح الفريق “سامي عنان – رئيس الأركان السابق” لانتخابات الرئاسة، وبيانه القوي الذي وجه فيه انتقادات حادة للسيسي، وبين إقالة رئيس المخابرات العامة خالد فوزي، قبل إعلان “عنان” بأيام، وبين التسريبات التي أذاعتها قناة مكملين الفضائية.
تصريحات السيسي تزامن معها أخبار تفسيرات لإعلاميين مقربين من السلطة تؤكد أن هناك محاولة انقلاب كانت تجرى ضد ” عبد الفتاح السيسي“.
الإعلامي أحمد موسى لمقرب من “السيسي” قال إنّ تهديدات السيسي التي أطلقها أمس الأربعاء تأتي بعد حصوله على معلومات أكيدة بوجود خطط واضحة للانقلاب على الدولة، مضيفا في برنامج “على مسؤوليتي” الذي يقدمه على فضائية “صدى البلد” أن السيسي لديه حقيقة ما يحدث من اتصالات خارجية و“تربيطات” داخلية للانقلاب.
وقال موسي إن ما جرى الأيام الماضية يتطلب تحقيقات من النيابة العامة في دعوات الانقلاب على الدولة، لأنها دعوات واضحة، وليس هناك أحد فوق القانون، مشيرا إلى أن السيسي لديه علم بما يحدث، والاتصالات القادمة من الخارج وارتباطاتها مع الداخل، ولذلك كانت رسالة التهديد واضحة للجميع.
الإعلامي “وائل الإبراشي” أكد هو الآخر أن تلميحات وتصريحات السيسي تؤكد أن هناك شيئا ما كان يجري ضد السيسي ربما محاولة انقلاب وربما شيء آخر، ولذلك كان السيسي غاضبا إلى هذا الحد.
فيما أكد رئيس الهيئة البرلمانية لحزب المصريين الأحرار أيمن أبو العلا في بيان له أن تصريحات السيسي جاءت ردا على وجود تربص كبير بالدولة المصرية داخليا وخارجيا.
اعتقال 23 قيادة عسكرية
ومع تزايد الأحاديث عن محاولة انقلابية كانت تدبر ضد السيسي، نشر موقع “الخليج الجديد” تصريحات على لسان من وصفه بالمصدر عسكري المطلع، أكد فيها أنه تم اعتقال 23 قيادة عسكرية في الجيش المصري، من الموالين لرئيس الأركان الأسبق الفريق «سامي عنان»، المحتجز منذ الأسبوع الماضي، على خلفية إعلانه الترشح للانتخابات الرئاسية التي ستجرى في مارس.
المصدر أكد لـ«الخليج الجديد»، أن «جهاز المخابرات الحربية، أشرف على عملية الاعتقال في ذات اليوم الذي تم فيه اعتقال عنان، وتحويله للنيابة العسكرية بتهمة التزوير والتحريض ضد القوات المسلحة».
وتضم القيادات العسكرية المعتقلة، ضباطا من رتب رفيعة، بينهم 3 من قيادات المنطقة العسكرية الشمالية، بمحافظة الإسكندرية، شمالي البلاد.
ووفق المصدر، الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته، فقد «تم إيداع الضباط المعتقلين في أحد مقار الاحتجاز التابعة للجهاز، وإخضاعهم لتحقيقات بشأن دعمهم لحملة عنان الانتخابية».
وبحسب المصادر فإن «عنان» الذي استبعدته الهيئة الوطنية للانتخابات من الانتخابات الرئاسية المقبلة، يتعرض لضغوط لإجباره على تقديم بيان اعتذار، على طريقة الفريق «أحمد شفيق»، رئيس وزراء مصر الأسبق، الذي أعلن تراجعه، في وقت سابق، عن الترشح للانتخابات الرئاسية.
إن صحت رواية “المصدر” فإن ذلك يعني أن السيسي بات لأيام “أقرب المقربين له” في الجيش، ولذلك فإنه يوجه تصريحاته للجيش وليس للشعب، بأنه لن يتم الإطاحة به، كما فعل الجيش مع “مبارك في 2011″ وكما فعل هو مع “مرسي” في 2013.
وحتى يبعد عن نفسه الشبهات يحاول السيسي دائما إقران الجيش بشخصه، حيث أكد في أكثر من تصريح أمس أن الاقتراب من مصر سيكون مستحيلا وأن من يقترب لمصر يجب أن يقتله أولا ويقتل الجيش ثم يفعل ما يرد، وفقا لتصريحاته.
تصريحات هيرست
وكان موقع «ميدل إيست آي» كشف في وقت سابق، أن اجتماعا عقد في القاهرة، لبحث المرشح لخلافة «السيسي»، شارك فيه عدد من كبار ضباط الجيش، منهم بالإضافة إلى «عنان»، سلفه في منصب رئيس هيئة أركان الجيش الأسبق الفريق «مجدي حتاتة»، وكذلك «أسامة عسكر»، القائد السابق للجيش الثالث الميداني.
ووفق الصحفي البريطاني المخضرم، «ديفيد هيرست»، فإن «عنان وشفيق، كلاهما، أخرجا الانقسام داخل الجيش المصري من الخلف إلى الواجهة ومن الظل إلى النور».
وتابع «هيرست» تحت عنوان «بعد حملة السيسي للتخلص من منافسيه.. هل يأمن الضباط مكره؟»، قائلا: «لا يوجد الآن سوى السيسي بما لديه من نفوذ المخابرات الحربية وبما خلفه من قائمة طويلة ومتنامية من ضحاياه، بما في ذلك بعض كبار المتنفذين من ضباط الجيش السابقين».
وخلال فعاليات مؤتمر «حكاية وطن»، قبل نحو أسبوعين، هدد «السيسي» بإفشال أي محاولة للوصول إلى سدة الحكم، قائلا: «اللي هيقرب من الفاسدين من الكرسي ده يحذر مني»، وهو ما اعتبر رسالة تهديد لـ«عنان» ورفاقه، باتت حقيقة على أرض الواقع.
اضف تعليقا