العدسة: محمد العربي

على مدار ثلاثة أيام عقد رئيس الانقلاب بمصر عبد الفتاح السيسي عدة لقاءات مع مسئولين روس انتهت بلقاء جمعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبهذه الزيارة فإن السيسي يسجل رقما جديدا في عدد زياراته لروسيا، التي بلغت 5 زيارات من انقلابه في 3 يوليو 2013، وكانت بدايتها في فبراير 2014، قبل أن يتولى رئاسة الجمهورية ، كما زار موسكو مرتين عام 2015 ومرتين في 2014 منهم واحدة فور توليه منصب الرئاسة، وقد التقى بوتين ما يقرب من 10 مرات في مناسبات مختلفة.

وفي المقابل زار بوتين القاهرة مرتين، كانت الثانية في ديسمبر 2017 أكثرهم قسوة وسخرية حيث لم تستغرق سوى 4 ساعات، وكانت بهدف محدد وهو توقيع بوتين على عقد إنشاء محطة الضبعة النووية.

من جانبه تعامل الإعلام الروسي والمصري مع الزيارة بحفاوة كبيرة، ولكن المصريين اعتبروها بمثابة فتح جديد في العلاقات الروسية المصرية، متحدثين عن مكاسب عديدة للزيارة، دون أن يقدموا أرقاما أو تفاصيلا محددة عاد بها السيسي من موسكو.

وهم التبادل التجاري

وتشير تقارير لمختصين في الشئون الاقتصادية أن الزيارة التي قام بها السيسي كانت في صالح موسكو التي تواصل حلب الموازنة المصرية لأهداف لا يعلمها سوى رئيس الانقلاب نفسه، والذي كان سببا في زيادة نشاط مصانع الأسلحة الروسية بصفقات عقدها لصالح الجيش المصري.

وكشف نقيب الصحفيين المصري الأسبق والمتخصص في الشئون الاقتصادية ممدوح الولي في دراسة كتبها حول الزيارة الأخيرة بأن العلاقات المصرية الروسية تصب في صالح الأخيرة، وأن الحديث عن زيادة التبادل التجاري بين البلدين والذي وصل لـ 6.7 مليار دولار، هو تبادل تجاري من طرف واحد وهو الجانب المصري الذي لم تتجاوز صادراته لروسيا سوى 5.5 مليون دولار، بما يعني أن 6.1 مليار دولار تصب في صالح الخزانة الروسية.

وتشير الدراسة إلى أن العلاقات التجارية المصرية الروسية تحقق فائضا كبيرا لصالح روسيا خلال السنوات العشر الأخيرة، حتى بلغت نسبة تغطية قيمة الصادرات المصرية، إلى قيمة الواردات من روسيا 8 % في العام الماضي حسب البيانات الروسية. فعندما يذكر المسؤولون الروس أن التجارة بين البلدين قد زادت إلى 6 مليارات و700 مليون دولار بالعام الماضي، فهم لا يذكرون أن صادرات مصر لها تصل 505 ملايين دولار فقط، بينما بلغت قيمة وارداتها من روسيا 6 مليارات و300 مليون دولار، وهكذا حققت روسيا فائضا بلغ 5 مليارات و700 مليون دولار ليمثل الفائض السادس من حيث القيمة، بين الدول التي تصدر إليها روسيا.

وتؤكد الدراسة أيضا أن الزيارات المتعددة ما بين قيادات البلدين، وزيارات الوفود الروسية لمصر لم تفلح على الإطلاق في تحسين نسبة تغطية الصادرات المصرية للواردات المصرية منها، بل إنها انخفضت من نسبة 21 % التي بلغتها عام 2011، ليتوالى انخفاضها بالسنوات التالية حتى بلغت 8 % في العام الماضي. رغم زيارة 80 وفدا روسيا من رجال الأعمال لمصر العام الماضي، مقابل 54 زيارة لرجال أعمال روس لمصر العام الأسبق، كما بلغت زيارات رجال الأعمال الروس لمصر في النصف الأول من العام الحالي 28 زيارة، ومع ذلك بلغت قيمة الصادرات المصرية 402 مليون دولار مقابل مليارين و800 مليون دولار واردات بالنصف الأول من العام الحالي.

كما توضح الدراسة أن صادرات مصر لروسيا تنحصر في البطاطس والبرتقال والموالح والبصل، بينما تتركز الواردات من روسيا في وسائل النقل والقمح ومنتجات المعادن والأخشاب والزيوت، كما تشير البيانات المصرية أن روسيا احتلت المركز التاسع عشر بين الدول التي صدرت لها مصر العام الماضي، ولذلك لا يرد ذكر روسيا في تقارير البنك المركزي المصري الخاص بالاستثمار الأجنبي بمصر، حيث لا يزيد رأس مال أموال الروسية بمصر عن 149 مليون دولار، موزعة على 363 مشروعا معظمها في السياحة والخدمات.

أين السياحة يا سيسي؟

وتساءل محللون اقتصاديون عن مصير السياحة الروسية لمصر، خاصة وأن التقارير الصحفية المختلفة التي استبقت الزيارة كانت تؤكد أن السيسي ذاهب لموسكو من أجل إعادة السياحة الروسية مرة أخرى، إلا أن الزيارة انتهت دون تحديد جدول زمني لعودة السياحة الروسية أو حتى وجود أي أمل في هذا الملف الهام الذي يترجم تحسن العلاقات المصرية الروسية بشكل حقيقي وليس برتوكولي.

وتمثل السياحة الروسية أهمية لمصر خلال الفترة من 2006 إلي 2015، مما جعل روسيا تحتل مقدمة الدول الوافدة لمصر، وقد بلغ ما أنفقه 9.3 مليون سائح روسي زاروا مصر في التسع أشهر الأولى من عام 2015، ما يزيد عن 5.1 مليار دولار، والتي تراجعت لنفس الفترة من عام 2016 إلى 1.8 مليار دولار نتيجة انخفاض عدد السياح الروس إلى 5.3 مليون سائح بعد حادث الطائرة الشهير في أكتوبر 2015.

ورغم أن الإعلام المصري وصل بطموحه من الزيارة إلى الحد بأن السيسي سوف يعود من موسكو وفي يديه أول أفواج السياحة الروسية، إلا أن سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسي كان واضحا حول هذا الموضوع عندما أكد في مقال نشرته جريدة الأهرام المصرية، قبل الزيارة بيومين، أنهم مهتمون بتوسيع العلاقات في المجالات الثقافية والإنسانية، والاتصالات بين الشعبين المصري والروسي، وأن قرار استئناف حركة الطيران المباشر بين عاصمتي البلدين يمكن أن يساعد على تنفيذ هذه الأهداف، مؤكدا على أهمية مواصلة الجهود المشتركة التي تستهدف دعم أمن مواطني البلدين بما في ذلك من هم على متن الطائرات، وهو ما يسمح عن يقين بالارتقاء إلى مستويات جديدة من التعاون في مجال السياحة.

ويشير محللون أن هذه العبارات الدبلوماسية من وزير الخارجية الروسي تؤكد أن موسكو مازالت متحفظة على عودة سائحيها للقاهرة، وأن الإجراءات الأمنية مازالت بحاجة لمزيد من الجهد ومزيد من الإجراءات قبل تنفيذ قرار عودة السياحة الروسية مرة أخرى.

أما السيسي فقد أعلن عقب لقائه ببوتين أنه بحث مع الرئيس الروسي سبل استئناف السياحة الروسية للمنتجعات المصرية، وإعادة إطلاق الرحلات المباشرة بين مدن البلدين، إلا أنه لم يعلن في المقابل ما هو قرار الرئيس الروسي حول المباحثات، وهو ما يفرغ الزيارة من أهم ملف يصب في الصالح المصري.

لماذا يرحبون بالسيسي؟

أجاب على هذا السؤال دراسة موسعة لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أكد فيها أن روسيا وسعت من علاقاتها بمصر بعد الإنقلاب العسكري الذي نفذه السيسي، لعدة أمور أهمها أن بوتين يبحث عن موطئ قدم في الشرق الأوسط بعد غياب استمر عدة سنوات نتيجة تحول مصر بعد حرب 1973 للمربع الأمريكي ثم انهيار الاتحاد السوفيتي، بالإضافة للشعور بالريبة الذي كان ينتاب بوتين من تولي الدكتور محمد مرسي الحكم بمصر في يونيو 2012، ورغم أن بوتين كان يبحث عن توطيد العلاقة بمرسي أثناء حكم الأخير، إلا أنه وجد في السيسي فرصة أكبر فكلاهما عسكري وكلاهما كان رجلا أمنيا، أما الأهم فلأن السيسي كان يواجه برفض دولي نتيجة الانقلاب، وبالتالي كان يحتاج للدعم وحتى يحصل عليه فلابد أن يقدم مزيدا من التنازلات لمن يقدم له هذا الدعم، وهو ما استغله بوتين بشكل جيد، وحصل من السيسي على امتيازات فشلت روسيا في الحصول عليها منذ رحيل الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر.

وتشير الدراسة السابقة وغيرها من الدراسات المتعلقة بشئون التسليح العالمية، أن روسيا استغلت الموقف الشكلي من إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تجاه إنقلاب السيسي وتعليقها للمساعدات العسكرية لمصر، وقامت بإرسال وزيري الخارجية والدفاع للقاهرة، لمناقشة صفقات التسليح الروسية للجيش المصري، وبعد هذه الزيارة زار السيسي عندما كان وزيرا للدفاع موسكو، ليوقع أولى الصفقات الروسية فيما عرف باجتماعات “٢+٢” بقيمة تزيد عن  ٣ مليارات دولار بتمويل سعودي وإماراتي.

وفي سبتمبر 2017 قامت القوات الروسية والمصرية بتنفيذ مناورات عسكرية عرفت باسم حماة الصداقة، سبقها في وقت لاحق من نفس العام انتشار لبعض وحدات القوات الخاصة الروسية بأحد القواعد العسكرية في المنطقة الغربية المتاخمة للحدود الليبية لتنفيذ بعض العمليات وتقديم العون للمليشيات الليبية التابعة لخليفة حفتر والتي تتمتع بدعم مصري/روسي. ومؤخراً تم الاتفاق بين الجانبين على إعداد وثيقة تعاون تمكن الروس من استخدام الأجواء والقواعد العسكرية المصرية في عمليات عسكرية، وجميعها كما يرى المتابعون رشاوى قدمها السيسي من أجل عدم تصعيد بوتين في قضية الطائرة الروسية.

كذبة سيارة بوتين

ويؤكد المتابعون للزيارة أنه حتى المكسب الذي اعتبره الجانب المصري بالأبرز في الزيارة وهو أن السيسي أول رئيس في العالم يركب سيارة بوتين المضادة للأسلحة الكيماوية والتي يمكن تحويلها لغرفة عمليات عسكرية، فإن التقارير الصادرة من موسكو تؤكد أن السيسي لم يكن الأول الذي يدعوه بوتين لسيارته الفريدة، وقد سبق السيسي للسيارة عدد من القادة العرب والأوروبين والأسيويين من بينهم محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي وأحد أكبر داعمي السيسي وانقلابه بمصر.