“السيسي يوافق على صرف مبلغ مليون ونصف مليون جنيه لكل لاعب من لاعبي المنتخب بعد تأهلهم إلى كأس العالم عقب الفوز على منتخب الكونغو”.
بتلك الأنباء، تبارت أغلب القنوات الفضائية والمواقع الصحفية المصرية المؤيدة للسلطة، في التأكيد والبرهنة على أن الجنرال “عبد الفتاح السيسي” هو رئيس رياضي بامتياز، يحب الرياضة ويشجعها، ولذلك قرر تكريم اللاعبين الذين أهلوا مصر للصعود إلى كأس العالم وكذلك قرر استقبالهم في لقاء خاص.
الحديث الصاخب عن حب السيسي للرياضة، والإنجازات الرياضية في عهده، وتقديمه مبالغ ضخمة للاعبين كهدايا في وقت تعاني منه البلاد اقتصاديا، دفع الكثيرين للتساؤل “هل حقا يحب السيسي الرياضة والرياضيين ويعمل على تشجيعهم في مصر؟ أم أنه يسعى فقط لاستغلال “كرة القدم – الرياضة الأكثر شعبية في مصر” لتمرير أهداف سياسية خاصة به؟.
ولإجابة هذه الأسئلة، نستعرض عددا من الشواهد التي تكشفت حقيقة موقف السيسي من الرياضة والرياضيين، وتضييقه بشكل كبير على رموز الرياضة خاصة المعارضين له والمختلفين معه، حتى أقحم الرياضة في السياسية بصورة أضعفتها وأخرجتها عن مضمونها.
كما حاول منذ وصوله للسلطة توظيف الأحداث الرياضية الكبرى بما يخدم مصالحه الشخصية وتدعيم استمراره في السلطة، حتى ولو على حساب جيوب المصريين.
الحرب على أبو تريكة
“لو كان نظام السيسي يحب الرياضيين، ويعمل على دعم وتشجيع الرياضة لاستفاد من اللاعب المصري المحبوب محمد أبو تريكة”، هكذا لخص مراقبون حكاية “السلطة والرياضة” حيث إن “أبو تريكة” كان واحدا من أبرز اللاعبين المصريين والعرب، وكان حضوره الطاغي أفريقيا ودوليا ظاهرا للجميع، وبالتالي كان النظام قادرا على الاستفادة من خبراته الكبيرة لتطوير أداء الكرة المصرية.
محمد أبو تريكة
لكن ولأن أبو تريكة ليس ممن يسبحون ليل نهار بحمد نظام السيسي، فقد لاقى “النجم الشهير” من النظام كل أنواع التنكيل، بدءا من حملات تشهير إعلامية ضده، مرورا بالتحفظ على أمواله، ثم وضعه على قوائم الإرهاب، وحرمانه من حضور جنازة والده، وأخيرا وضعه على قوائم الترقب والوصول.
وبرغم أن “أبو تريكة” لم يظهر معارضة صريحة لنظام السيسي، إلا أن تفضيله الصمت على التأييد للسلطة في كثير من المواقف وضعه في قائمة النظام السوداء، وتناسى النظام تاريخه الكروي المشرف.
اعتقال الرياضيين
الأمر لم يقتصر على التشهير بأبو تريكة باعتباره رمزا رياضيا فحسب، لكن نظام السيسي وسع من دائرة الاضطهاد لكل الرياضيين الذين عارضوا السلطة ولم يشفع لهم تاريخهم الكروي ولا رفعهم اسم مصر عاليا في سماء الرياضة العالمية.
فهشام عبد الحميد، لاعب منتخب مصر للكونغ فو، قد لاقى أشد أنواع الاضطهاد والتنكيل من قبل السلطة لقيامه برفع شارة رابعة العدوية التي جرم النظام المصري رفعها أثناء مشاركته في بطولة العالم التي أقيمت بماليزيا عام 2013.
هشام عبدالحميد لاعب الكونغ فو
وفي عهد السيسي تعرض “عبد الحميد” لاضطهاد واسع من قبل السلطة اضطر على إثره لمغادرة البلاد، ليموت خارج وطنه.
لاعب الكره المصري “أحمد عبد الظاهر” أيضا تحطم مشواره الرياضي قبل أن يبدأ لقيامه فقط برفع شارة رابعة أيضا في إحدى المباريات، لتصب الدولة بعدها جام غضبها عليها.
اللاعب أحمد عبدالظاهر
فيما يقبع أشرف عبد الفتاح السعدني بطل مصر في رياضة التايكوندو، في سجون السيسي منذ 3 أعوام على ذمة قضايا ملفقة ضده بحسب أسرته، تتمثل في الانضمام لجماعة محظورة وغيرها من التهم المعتادة بحق معارضين للسلطات.
أشرف عبدالفتاح السعدني
اللاعب محمد يوسف
وفي عام 2015 قامت قوات الأمن باعتقال اللاعب محمد يوسف الحاصل على بطولة مصر والعالم لمنافسات الكونغ فو لعام 2013 واقتادته إلى قسم شرطة الدخيلة غرب الإسكندرية.
ومؤخرا وتحديدا في 20 من ستبمبر 2017، ألقي القبض على “حمادة السيد” لاعب الفريق الأول لكرة القدم بنادي أسوان، وأخفي قسريا لعدة أيام ليظهر بعدها في نيابة أسوان وقد وجهت له الأجهزة الأمنية تهمة الانتماء لتنظيم “الدولة داعش” وهو الأمر الذي ينفيه أقرباؤه وأصدقاؤه بشدة ويؤكدون أنها وشاية من أحد خصومه.
حبس الألتراس وغياب الجماهير
ولأن جماهير وروابط المشجعين، هم أكبر داعم لأي فريق رياضي، فإن غيابهم عن الملاعب يؤثر على سير الرياضة بشكل كبير.
وخلال 3 أعوام من حكم السيسي، يصر الرجل على غياب الجماهير عن الملاعب بحجة عدم توفر المناخ الأمني المناسب لعودتهم، ووصل الأمر للتصريح بأن عودة الجماهير للملاعب مشترطة بذهاب ولي أمر المشجع معه إلى الملعب منعا للشغب بحسب قوله.
فيما تعتقل الجهات الأمنية المئات من روابط الألتراس في قضايا مختلفة، منها التظاهر ضد الدولة، ومنها إثارة الشغب، ومنها الانضمام لجماعة أسست على خلاف الدستور، وسط حملات إعلامية مكثفة تهاجم روابط الألتراس والمشجعين وتصفهم بالإرهابين والمخربين.
ومؤخرا أصدرت محكمة جنايات شمال القاهرة حكما على أعضاء روابط الألتراس المتهمين في قضية “أحداث الدفاع الجوي”، بالسجن المشدد 10 سنوات لثلاثة منهم، وعاقبت 5 منهم بالسجن المشدد 7 سنوات، و3 آخرين بالسجن 3 سنوات، وحكمت على متهم واحد بالحبس لمدة سنتين.
ووفقا لمراقبين، فإن كل تلك الحالات الأمنية القمعية تعكس أن الدولة لاتهتم مطلقا بتوفير مناخ صحي لرعاية الرياضة في مصر، ولكنها فقط تخلق هذه الأجواء حين ترغب في تمرير وخدمة أهداف سياسية معينة.
خراب مراكز الشباب
مراكز الشباب، تكون دائما علامة واضحة على اهتمام الدولة بالرياضة والنشء الجديد، أو علامة على إهمالهم، وفي مصر تعاني مراكز الشباب من إهمال وفساد منقطع النظير، لم تفكر حكومة السيسي في مواجهته، بل عملت على زيادة هذا الإهمال من خلال ضم وزارة الشباب في وزارة الرياضة تحت مسؤولية وزير واحد.
ووفقا لمراقبين فإن مراكز الشباب فى عهد السيسي، تعاني من وضع سيئ للغاية نتيجة ضعف الإنفاق عليها وعدم الاهتمام بها أو بالأنشطة التى تقدمها في حين تكدس الأموال في خزانة المسؤولين.
خالد عبدالعزيز وزير الشباب والرياضة
كما يعاني كثير من مراكز الشباب من ضعف في الإمكانيات المادية والبشرية فيما اقتصرت أدوار العديد منها على ممارسة لعبة كرة القدم فقط، وانزوى مسئولو الأنشطة عن دورهم بحجة عدم وجود دعم مالي كاف، وذلك بالرغم من الدور الهام الذى يفترض أن تقوم به هذه المراكز من استضافة للشباب واحتوائهم خوفا عليهم من التعرض للانحراف والضياع.
ووفقا لرياضيين فإن ميزانية وزارة الشباب والرياضة تتخطى في العام الواحد 2 مليار جنيه، تنفق أغلبها على بدلات المسؤولين ومكافآت خاصة، في حين تترك مراكز الشباب والأندية عرضة للفقر.
إجبار «صلاح» على دعم السيسي
وأخيرا وفي إطار محاولات السلطة استغلال الرياضة والاستفادة منها بما يخدم أهدافها، سلطت الجهات المختصة وسائل الإعلام المصرية بشن حملات هجوم مكثفة على اللاعب المصري محمد صلاح لإجباره على التبرع لصالح صندوق تحيا مصر الذي يشرف عليه السيسي.
ووفقا لـ “محمد صلاح” فإنه تلقى اتصالا من مؤسسة الرئاسة في وقت سابق بعد أحد تدريبات المنتخب، ليجد نفسه في مقابلة مع السيسي بعدها اضطر للتبرع للصندوق بخمسة ملايين جنيه، وفقا لما صرح به اللاعب بنفسه أثناء مقابلته التلفزيونية الأخيرة على قناة “cbc”.
استغلال “شعبية صلاح” كانت مدخل السيسي إلى عالم الرياضة، حيث حرصت مؤسسة الرئاسة على نشر صور للسيسي بجوار صلاح في الصورة الشهيرة وبجوارهم وزير الرياضة خالد عبدالعزيز، ليبدو السيسي وكأنه راعي الرياضة في مصر.
المونديال وانتخابات السيسي
صعود المنتخب المصري للمونديال حلم المصريين منذ عام 92، لكن أجهزة إعلامية مؤيدة للسلطة، حولت هذا الحلم مؤخرا إلى إنجاز عظيم للسيسي، حتى أصبحت الدعاية للمونديال جزءا لايتجزأ من دعاية السيسي الانتخابية لانتخابات 2018.
وخلال مباراة مصر والكونغو بدأت حملة أطلقتها أجهزة مخابراتية تحت شعار “علشان تبنيها” لجمع توقيعات شعبية من الحاضرين للمباراة تطالب عبد الفتاح السيسى بالترشح فى انتخابات 2018.
ستاد برج العرب
وبحسب ما نقلته وسائل الإعلام المؤيدة للسلطة فإن حملة “علشان تبنيها” قامت فى جولاتها الميدانية بمحيط استاد برج العرب، بجمع آلاف التوقيعات من مختلف فئات الجمهور والمشجعين الحضور للمباراة، التي تطالب بانتخاب السيسي لفترة رئاسية ثانية.
الإعلام المؤيد للسيسي لم يخرج عن المشهد أيضا، حيث تراقص كل من عمرو أديب ولميس الحديدي، وأحمد موسى، وغيرهم على نغمات “والله وعملوها الرجالة” عقب صعود مصر لكأس العالم بالأمس، معتبرين ذلك نصرا سياسيا كبيرا للسيسي وليس نصرا كرويا للمنتخب.
اضف تعليقا