العدسة – معتز أشرف
“حكاية شعب أراد الحياة فاستجاب له القدر” بهذه الجملة ختم الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي كشف حسابه الرئاسي خلال أربع سنوات ماضية في خطاب حظي بتسويق رسمي داخلي واسع، وحملة اشادات ضخمة بعد دقائق من القاء الخطاب، فهل فعلا استجاب القدر، ام ان الواقع يتحدث عن حكاية شعب اراد الحياة فعصف به نظام حاكم وصل لسدة الحكم بانقلاب عسكري كما يقول خصومه، الذين لم يجدوا مساحات إعلامية مناسبة لتقديم صورة أخرى للواقع المصري بعد السنوات الأربع، خاصة في ظل تقارير حقوقية محايدة تتحدث عن واقع آخر ومصر أخرى لم تجد من يحنو عليها، بحسب تعبير السيسي ذاته.
“سيسي ميتر “
بعد الضجة التي صاحبت تدشين “مرسي ميتر ” من قبل معارضي الدكتور محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب للبلاد قبل الانقلاب العسكري، دشن ناشطون موالون من اللحظة الأولى بعد وصول السيسي لسدة الحكم، “سيسي ميتر” لتقييم أداء الرئيس المصري رغم إعلان الأخير وقتها عدم وجود برنامج انتخابي، ولكنها لم تستمر في المرصد إلا شهور قلائل، فيما استغل نشطاء معارضون الفكرة ذاتها لانتقاد نظام عبد الفتاح السيسي، والذين وصفوه بأنه قائد الانقلاب العسكري، الذي قاد البلاد الي الدماء والفشل والانهيار، وانتجوا العديد من المواد الإعلامية التي تشرح الفرق بينه وبين أعمال الدكتور محمد مرسي، ورصد أبرز الأزمات التي سقط فيها السيسي ونجح فيها مرسي.
الإنجاز الأهم
سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، حددت الإنجاز الأهم للسيسي، وقالت: “عند مراجعة سجل مصر للعام 2017، يبدو أن استخدام العنف والقمع لتهميش سيادة القانون والمعارضة السلمية هو إنجاز السيسي الأهم. بالطريقة التي تسير بها الأمور، ستستمر الحكومة في قمع حقوق المواطنين وتطلعاتهم المشروعة”.
وفي تقرير المنظمة الأشهر في مجال حقوق الإنسان الصادر اليوم تحت عنوان ” مصر: قمع بلا رادع “ قدمت “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها العالمي 2018م 11 بندا في كشف حساب السيسي، مؤكدة أن حكومته تخطت حدودا عديدة بقمع جميع أشكال المعارضة دون رادع، واستحدثت مجموعة من القوانين القمعية، وأعادت حالة الطوارئ المسيئة، وأحالت آلاف المدنيين إلى المحاكم العسكرية التي أصدرت، بالإضافة إلى المحاكم المدنية، عشرات أحكام الإعدام في محاكمات شابها القصور، بالإضافة إلى سيطرتها بإحكام على وسائل الإعلام المحلية، وملاحقتها الصحفيين والناشطين المنتقدين، كما تتبع سياسة لا تتسامح مطلقا مع ممارسة الحق في التجمع السلمي، ما يلغي فعليا المتطلبات الأساسية لأي انتخابات نزيهة.
التقرير حمل السيسي الذي منح قطاع الأمن الوطني” التابع لوزارة الداخلية، حصانة شبه مطلقة، المسئولية عن بعض الانتهاكات الأكثر فظاعة في العام 2017، وهي انتهاكات تكررت في الأعوام الأربع الماضية، ومنها استخدام التعذيب على نطاق واسع ومنهجي للحصول على الاعترافات، الذي يحدث عادة بعد أن تخفي قوات الأمن المحتجزين قسرا بالتزامن مع عمليات قتل خارج القضاء، شملت أشخاصا كانوا قد احتجزوا سابقا، خلال “إطلاق نار” مُدبّر.
وتصدر سجن العقرب الشديد الحراسة في القاهرة مشهد التعذيب في أعوام السيسي الأربع، ووفقًا لتقرير صادر عن منظمة حقوق الإنسان، هيومن رايتس ووتش، أن سجن العقرب هو أكثر السجون المصرية المعروفة بسوء السمعة ويعامل السجناء فيه معاملة سيئة ويعذبون بانتظام بجانب سجني برج العرب ووادي النطرون.
عودة الطورائ
عودة حالة الطورائ كانت إنجازا مهما للسيسي، الذي مدد حالة الطوارئ 3 مرات بقانون صدر في العام 1958 والذي يمنح سلطات غير مقيدة لقوات الأمن لإلقاء القبض على الأشخاص واحتجازهم، ويسمح للحكومة بفرض رقابة على وسائل الإعلام والأمر بالإخلاء القسري بجانب استخدام السلطات قوانين مسيئة لمكافحة الإرهاب لإدراج مئات الأشخاص على قوائم الإرهاب وتجميد ممتلكاتهم، بناء على صلات مزعومة بجهات إرهابية دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، كما صادق السيسي على قانون جديد للجمعيات يؤدي بحسب تقارير حقوقية عديدة، إذا ما تم تطبيقه، إلى القضاء على المساحة المحدودة المتبقية للمجموعات المستقلة، كما وافق على عودة “محاكم أمن الدولة طوارئ” السيئة السمعة، التي لا تخضع قراراتها للاستئناف.
تشريد العمال
في العام المنصرم اعتقلت السلطات المصرية 57 عاملا على الأقل بسبب الإضرابات السلمية والاحتجاجات في مكان العمل، لينضموا الي أوضاع مأساوية للعمال خلال السنوات الثلاث التي سبقته، فالفصل والتشريد على أشده، بحسب تقارير حقوقية، والملاحقات القضائية مستمرة، والمحاكمات العسكرية باتت تطال القيادات العمالية والعمال العاديين ومنهم 13 عاملا في الترسانة البحرية على خلفية مطالبتهم بحقوقهم المالية، بالإضافة إلى التضييق على النقابات المستقلة بإحالة قياداتها للمحاكمات، وعدم الاعتراف بها رسمياً، واستمرار مجلس إدارة اتحاد العمال الرسمي رغم صدور أحكام قضائية تؤكد بطلانه.
استباحة المرأة
انتهاكات نظام السيسي ضد المرأة المصرية متزايدة، حيث كشفت حركة “نساء ضد الانقلاب” في تقريرها الأخير عن ارتفاع عدد المعتقلات في السجون إلى 44 معتقلة وارتفاع عدد المختفيات قسريًا إلى 16 سيدة وفتاة، وإدراج السلطات لأكثر من 120 سيدة وفتاة مصرية ضمن ما تعرف بـ”قوائم الإرهاب” ومصادرة أموالهن ومنعهن من السفر، كما شهد عهد السيسي صدور أحكام بالحبس لفترات متفاوتة بحق المرأة المصرية، أبرزها الحكم بالإعدام على 5 سيدات مصريات، وتأكيد الحكم بالإعدام على الصحفية أسماء الخطيب، والحكم بالإعدام على سندس عاصم، وتحويل أوراق الدكتورة سارة عبد الله الي المفتي فيما تم الحكم بالمؤبد علي الحاجة سامية شنن، بالإضافة إلى صدور أحكام عسكرية بحق عدد من السيدات، من بينهن إسراء خالد والتي حكم عليها بالسجن 18 سنة، والدكتورة بسمة رفعت والتي حكم عليها بالسجن المشدد 15 عاما وتأييد الحكم بالحبس 30 سنة على كريمة أمين الصيرفي.
انتهاكات سيناء
وبرغم الرفض الوطني العام للعنف والإرهاب، إلا أن الحملة الحكومية في شمال سيناء ،التى تعاني من حصار وتعتيم إعلامي شابتها انتهاكات واسعة بحسب حقوقيين شملت الاعتقالات السرية والإعدامات خارج القضاء والمحاكمات العسكرية للمدنيين. في أبريل، أظهر شريط فيديو موثوق ضباطا في الجيش وأفرادا من الميليشيات الموالية للجيش يعدمون معتقلين معصوبي الأعين، بجانب فشل نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي في وقف هجمات المتطرفين. واستهدف تنظيم “ولاية سيناء” التابع لداعش السكان الذين يعتبرهم متعاونين مع الجيش والمسيحيين، فضلا عن قوات الأمن. في نوفمبر/تشرين الثاني، أدى هجوم على مسجد قريب من العريش يحمل بصمات هجمات داعش إلى مقتل 300 مدني على الأقل..
تكميم الإعلام
وبحسب المرصد العربي لحرية الإعلام (اكشف) ومقره لندن، في تقريرها السنوي الصادر مطلع العام فإن مصر شهدت 1058 انتهاكا ضد الإعلام، وذلك بمتوسط 40000 انتهاك في السنوات الأربع الماضية أبرزها الحجب وأحكام الإعدام والمؤبد والإهمال الطبي والإدراج بقوائم الإرهاب مؤكدا أن نظام السيسي عمل على تكميم المنابر الإعلامية وحجب الآراء وفتح المعتقلات لحملة الأقلام والكاميرات، وإهدار كافة الحقوق القانونية المقررة لمعتقلي الصحافة والإعلام خلف الأسوار بشكل يخالف كل المواثيق الدولية التي وقعت عليها الدولة المصرية.
غضب قبطي
وشهد الأقباط العديد من الانتهاكات بحقهم في عهد السيسي، أبرزها تفجير الكنائس، ونزوح مئات العائلات المسيحية من سيناء قسرا تحت تأثير هجمات المتطرفين، وهو ما اعتبره مدحت قلادة الحقوقى الناشط فى مجال الدفاع عن الأقليات وحقوق الإنسان، فاشية، قائلا في مقال علي موقع ايلاف: ” الأقباط عانوا في عهد السيسي أكبر مما كانوا يلاقوه من قبل .. عهد السيسي عهد ظالم فبيوت الأقباط تُحرق وعائلاتهم تُهَّجْ ومازالت كنائسهم تحترق بأيادي الدهماء، وسيداتهم تُعرَّى ومن الغريب أن كل ذلك يأتي بتعضيد من السلطة التنفيذية خاصة جهاز الأمن وفروعه المختلفة وسط صك ضمان أن لا مساءلة ولا قانون على أرض الكنانة، مضيفا أن مصر بقيادة السيسي باتت دولة فاشية تضطهد الأقباط”.
تردي الاقتصاد
وحافظت مصر في عهد السيسي علي تواجدها في مؤشر الفساد الدول وفقا لمستويات الفساد في القطاع العام فيها، وتقدر تكلفة الفساد داخل مؤسسات الدولة بحسب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق المستشار هشام جنينة خلال العام الماضي 600 مليار جنيه، وأظهر استطلاع رأي حديث الذي شمل عشرة خبراء اقتصاديين عالميين، توقعات اقتصادية بانخفاض نمو الاقتصاد المصري في 2017-2018، وبحسب الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي فإن مصر ستظل أسيرة مشكلاتها الاقتصادية في 2018 فتوقعات الأداء الاقتصادي المصري خلال عام 2018، تؤكد أنها ستكون مماثلة لما قبلها.
الخبير الاقتصادي أوضح كذلك في دراسة حديثة أنه إذا كانت وعود السيسي في عامي 2015 و2016 عن خفض الأسعار قد ذهبت سدى، فإن تصريحه بضبط الأسعار في مطلع 2017 كذّبه الواقع، ولا يزال معدل التضخم عند 30%. كما أن مشاركة الجيش في الحياة الاقتصادية بشكل عام أو في تجارة المواد الغذائية وتوزيعها وغيرها من الخدمات، لم تؤد إلى تحسن الأوضاع أو شعور الناس بتحسن المعيشة.
وهكذا، فإن المراقبين يرون أن كشف حساب الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي مليء بالإنجازات في المسار الخاطي المناهض لحقوق الإنسان في كافة المجالات، ولكن هل يستجيب القدر لإرادة الشعب في التغيير، سؤال قد تظهر إجابته الأيام المقبلة.
اضف تعليقا