كتبه – بسام الظاهر

يبدو أنَّ المرحلة التي تبعت الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي من سدة الحكم في 3 يوليو 2013 لا تزال ممتلئة بالأسرار والتفاصيل الكثيرة، التي ربَّما ستتكشف مع الأيام.

كل المؤشرات والمعلومات التي ظهرت خلال السنوات الأربعة الماضية، تقول إنَّه لم يكن هناك إرادة من المؤسسة العسكرية في حلّ وتسوية الأزمة بشكل سلميٍّ سياسيٍّ.

جهود كبيرة قادتها أطراف إقليمية ودولية لمنع تصعيد الأزمة في مصر، وعدم الدخول في صِدام بين التيار الإسلامي بشكل عام الرافض للإطاحة بمرسي، والجيش المصري الذي كان يسيطر على الأوضاع حينها، ولكن جميعها باءت بالفشل.

وصدرت وسائل إعلام مصرية موالية للنظام الحالي– أي نظام ما بعد 3 يوليو 2013-، مسألة أنَّ الإخوان رفضوا كل المحاولات لفضّ اعتصامات أنصار مرسي والمشاركة في الحياة السياسية، ولكن هذا كان على غير الحقيقية تمامًا.

وعلى الرغم من تجاوز مصر مسألة عودة مرسي للحكم مرة أخرى، إلا أنَّ المعلومات التي تتكشف عن مرحلة سيطرة المؤسسة العسكرية على الحكم، كفيلة بإظهار الوجه الآخر للإطاحة بمرسي، وأنَّه كان هناك مخطط مسبَّق لإنهاء تجربة أول رئيس مدني منتخب عقب ثورة يناير.

تفاصيل جديدة

من دون مناسبة واضحة أو تعمد مقصود لكشف بعض من ملابسات المرحلة الانتقالية عقب الإطاحة بمرسي، خرج وزير الدفاع القطري خالد العطية، متحدثًا عن بعض كواليس ما حدث في عقب الإطاحة بمرسي.

العطية حكى موقفًا حدث عقب عزل مرسي، في سياق الحديث عن العلاقات المصرية القطرية، والذي أشار إلى أنَّ هناك محاولات لعرقلة أي تقارب.

وتطرق في هذا الإطار، إلى اتصالٍ أجراه وزير الخارجية السابق جون كيري معه في أغسطس 2013، من أجل التدخُّل لحل الأزمة السياسية في مصر وإجراء مصالحة.

وقال العطية الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية حينها، “حاولنا أن نجري مصالحة في بداية القبض على الرئيس المنتخب، وطلب وزير الخارجية الأمريكي مني الانتقال إلى مصر للقاء مرسي وقيادات الإخوان في السجون”.

وأضاف: “استأذنت الأمير وقال اذهب بالعكس إذا كان في شيء يدعم الاستقرار في مصر، واتصلت باللواء محمد العصار في 5 أغسطس، للتأكيد من الأمر، وأكَّد نحن في انتظارك وتستطيع أن تأتي”.

وتابع: “وصلت مصر  للقاء خيرت الشاطر في السجن أولًا، ولكن تفاجأت بأن الأشقاء في مصر أصروا على أن يكون اللقاء بين  3 أطراف أنا والشيخ عبد الله بن زايد وزير الخارجية الإماراتي، ومساعد وزير الخارجية الأمريكي وليام بير”.

ولفت: “ذهبنا وتحدثنا مع خيرت الشاطر، تعجبت لأنَّه يوجه كلامه إلى بن زايد ويتحدث معه عن المعاناة الألم وتلقي الإخوان طعنة في الظهر، ويبدو كأن هناك علاقات وتفاهمات معينة”.

ونقل على لسان الشاطر: “مستعدون لحقن الدماء والجلوس على الطاولة لحل الخلافات”، مشيرًا إلى أنه تمّ إلغاء اللقاءات المقررة مع مرسي لسبب مجهول حتى الآن.

فيديو:

دلالات هامة

ويبقى السؤال لماذا أفصح العطية عن هذه المعلومات الآن؟ وما هى دلالات الأمر؟

أولًا: أنّ العلاقات بين قطر ومصر حتى بعض الإطاحة بمرسي كانت جيدة على الأقل وليست متوترة، والدليل أنَّ القاهرة لم تمانع من وصول وزير الخارجية القطري آنذاك للقاء قيادات إخوانية في السجون لحل الأزمة.

وكان بإمكان القاهرة رفض حضور أي طرف قطري والتدخل في الأزمة بأي صورة، باعتبار أنَّها ستكون طرفًا منحازًا لمرسي والإخوان، مثلما يصور النظام المصري الحالي بأنَّ قطر تدعم الإرهاب.

ثانيًا: أن ثمة رغبة من قطر في حل الأزمة دون الانحياز إلى جماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي فإنَّ رفض تسوية الخلافات من قبل المؤسسة العسكرية ربما دفع الدوحة لاستضافة قيادات التيار الإسلامي بعد ملاحقتهم بشكل كبير.

ثالثًا: أن الإمارات كانت طرفًا أصيلًا في الأزمة ولديها علاقات بشكل ما أو بآخر مع جماعة الإخوان المسلمين، ولكن اتفقت مع السيسي على الإطاحة بمرسي، وهذا ما يؤكِّده حديث الشاطر لوزير الخارجية الإمارات واتهامه بـ “الطعن في الظهر”.

Image result for ‫عبدالله بن زايد‬‎

عبدالله بن زايد

رابعًا: أنَّ المؤسسة العسكرية لم ترغب بشكل أساسي بتسوية الأزمة بالشكل الذي يسمح بتواجد الإخوان في المشهد السياسي، ولذلك ألغوا كل اللقاء التي كانت مقررة  مع مرسي وباقي قيادات الإخوان.

خامسًا: أنَّ الجيش المصري حاول ترتيب هذه اللقاءات مثل غيرها لتخفيف الضغوط الغربية عليه، خاصةً وأنَّ اللقاء الذي أشار إليه العطية كان بترتيب وتنسيق أمريكي وبحضور مساعد وزير الخارجية الأمريكية.

سادسًا: أنَّ جماعة الإخوان المسلمين لم تكن متمسكة بفكرة عودة مرسي للحكم، ولكن مع الجلوس أولًا على طاولة المفاوضات للاتفاق على ترتيبات المرحلة المقبلة حينها.

Image result for ‫السيسي‬‎

السيسي

آشتون والبرداعي

ولكن حديث العطية وإنْ كانَ يكشف لقاءات لم تكن معلنة طوال السنوات الأربعة الماضية، إلا أنَّها لم تقدم جديدًا في إطار رفض المؤسسة العسكرية حلول للأزمة سياسيًا وسلميًا.

وكانت هناك محاولات حثيثة تقوم بها أطراف دولية وعلى رأسهم الاتحاد الأوروبي، عبر مسؤولة الشؤون الخارجية للاتحاد كاثرين آشتون، التي زارت مصر نحو 4 مرات عقب الإطاحة بمرسي من الحكم.

والتقت الرئيس الأسبق محمد مرسي في محسبه قبل بدء جلسات محاكمته بعدة تُهَم من بينها التخابر مع قطر، وهى علامة استفهام كبيرة.

وتتهم السلطات المصرية مرسي بالتخابر مع قطر، وحصل على حكم نهائي بالمؤبد في هذه القضية.

وفي أحد المرات، التقت آشتون، مع مرسي، ووصفتها بـ “الودية والمفتوحة والصريحة للغاية”.

وقالت آشتون: “التقيت بمرسي لمدة ساعتين”، دون تحديد مكان احتجازه.

واستمرت زيارات آشتونإلى مصر حتى عام 2014، في محاولةٍ لحل الأزمة والحيلولة دون تصاعد الخلافات، ولكن دون نتائج تذكر.

Image result for ‫كاترين آشتون‬‎

كاترين آشتون

وفي سياق حديث العطية، كانت استقالة نائب رئيس الجمهورية محمد البرادعي عقب عزل مرسي، والذي رفض فكرة فضّ اعتصامات أنصار مرسي بالقوة.

وقال البرادعي في شاهدته للمرحلة الانتقالية التي نشرها في نوفمبر 2016، “بالرغم من التوصل إلى تقدم ملموس نحو فضّ الاحتقان بأسلوب الحوار والذى استمرّ حتى يوم ١٣ أغسطس، فقد أخذت الأمور منحى آخر تمامًا بعد استخدام القوة لفض الاعتصامات، وهو الأمر الذى كنت قد اعترضت عليه قطعيًّا داخل مجلس الدفاع الوطني، ليس فقط لأسباب أخلاقية، وإنما كذلك لوجود حلول سياسية شبه متفق عليها كان يمكن أن تنقذ البلاد من الانجراف فى دائرة مفرغة من العنف والانقسام”.

Image result for ‫البرادعي‬‎

محمد البرادعي

وأضاف: “وقد أصبح واضحًا لي الآن أنَّ هذا الطريق كان يخالف قناعات الكثيرين، وهو ما يفسّر الهجوم الشرس علي من الإعلام، وكذلك التهديدات المباشرة التى وصلتنى خلال الفترة القصيرة التى قبلت فيها المشاركة الرسمية في العمل العام، وذلك بسبب محاولاتي التوصل إلى حل سلمي للأزمة السياسية”.

حديث البرادعي كان أكثر اتساقًا مع حديث العطية، حول رفض المؤسسة العسكرية للتوصل لحلّ سياسي والإفراج عن مرسي وقيادات الإخوان.

وما يدعم هذا الاتجاه، هو نشر صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا، يكشف تفاصيل المفاوضات التي شارك فيها بعض قيادات الإخوان المسلمين بالإضافة للوسطاء الغربيين والدبلوماسيون العرب وقيادات المؤسسة العسكرية، والتي كانت جميعها تتحدث عن موافقة الإخوان على المصالحة والحوار.