العدسة – معتز أشرف:

أعلن وزير الخارجية السوداني إبراهيم الغندور عن عدم التوصل لاتفاق مشترك، بين السودان وإثيوبيا ومصر، حول سد النهضة، وأرجع هذا الفشل إلى قوله: “إن هذا هو حال القضايا الخلافية”، كما كشف أن القضايا التي لم يتم الاتفاق حولها، جرى ترحيلها إلى وزراء الري في الدول الثلاث، دون تحديد موعد أو مكان اجتماع الوزراء المعنيين بذلك الأمر.

نرصد الأسباب التي أدّت إلى تعثر المفاوضات ومستقبلها والتي يأتي في مقدمتها تعنت الديكتاتور عبد الفتاح السيسي، ولهذا قصة.

حجج القاهرة!

القاهرة كشفت في وقت سابق بوضوح تفاصيل خلافاتها مع الخرطوم، وأديس أبابا، بشأن السد الإثيوبي في 5 نقاط خلافية فنية، معربة عن قلقها من وجود توجُّه لدى الجانب الإثيوبي لبدء ملء سدّ النهضة قبل اكتمال الدراسات الفنية، فيما ترفض إثيوبيا هذه النقاط وتعتبرها غير عادلة.

القاهرة التي تخشي أن يؤثر السد على حصتها من مياه النيل، أكدت في بيان رسمي في وقت سابق أنها قبلت التقرير الاستهلالي الذي قدّمه الاستشاري الفرنسي (شركة بي أر إل) عن الكيفية التي سيستكمل بها الدراسات، لكن إثيوبيا والسودان ترفضان هذا التقرير برغم التزامه بمستندات التعاقد المتفق عليها بين الدول الثلاث، مما يؤدي إلى التعثر الراهن في استكمال الدراسات، موضحة أنه على “الرغم من إلحاح مصر في المطالبة منذ مايو 2017 بعقد اجتماعات على المستوى الوزاري للبت في تعثر المسار الفني، إلا أن الجانبين السوداني والإثيوبي رفضا ذلك، مما تسبب في تعطيل الدراسات لفترة طويلة، وهو ما لم يؤدِّ إلى نتيجة مع انعقاد الوزراء في الخرطوم، كما تري القاهرة أنّ “كافة المواقف التي أبدتها إثيوبيا والسودان في الاجتماعات الأخيرة للجنة الفنية الثلاثية انتهاء بالاجتماع الوزاري الذي انعقد في القاهرة في نوفمبر الأول 2017 جاءت متعارضة مع الأطر المرجعية المتفق عليها.

وترفض القاهرة كذلك مخالفة مستندات التعاقد التي تنص علي سبيل المثال أن أساس ومعيار تحديد آثار وأضرار سد النهضة هو النظام الراهن لحوض النيل الشرقي بدون سد النهضة، غير أن إثيوبيا تريد انتهاك ذلك والادعاء بأن سد النهضة يتعين تضمينه ضمن هذا الأساس، بما ينافي أي منطق كما يناقض ما هو معمول به في كافة الدراسات المتعلقة بالسدود ذات الآثار العابرة للحدود، فيما تتحدث الملاحظة الخامسة التي اعلنتها القاهرة عن أنّ “السودان واثيوبيا رفضتا أيضًا مقترحًا بعدم استخدام البيانات التي ستقدم لإتمام الدراسات في أي سياق آخر، وأن هذه البيانات لا ترتب أي تغيير في المواقف القانونية السابقة لأي من الأطراف فيما عدا إطار تنفيذ الدراسات وتنفيذ اتفاق إعلان المبادئ، بما يعني التنصل مقدمًا من أي نتائج للدراسات، وهو الأمر الذي تعتبره القاهرة مقلقًا، خاصة مع وجود “توجه لدى الجانب الإثيوبي تم إبداؤه خلال المفاوضات للدفع ببدء ملء سد النهضة قبل اكتمال الدراسات، وبغضّ النظر عن نتائجها”.

السيسي يتنعت!

وفي المقابل، وعند التوقف عن الموقف الإثيوبي والسوداني، تتصاعد اتهامات بالتعنت للجانب المصري الذي يصر علي مطالب غير عادلة، وفق الجانب الإثيوبي، حيث تؤكد إثيوبيا التي أعلنت مرارًا أن العمل بسد النهضة “لن يتوقف ولو لدقيقة واحدة”، أنها لا تستهدف الإضرار بمصر، وإن الطاقة الكهربائية التي سيولدها السد ستساعد في القضاء على الفقر، وتعزيز النهضة التنموية في إثيوبيا وأنها “دولة ذات سيادة ولها الحق الكامل في الاستفادة من مواردها المائية، دون إلحاق الضرر بالآخرين”. فيما ترى أن “مطالب مصر بإضافة موضوعات خارج مرجعية التفاوض المتعلقة بسد النهضة، هي السبب في توقف المفاوضات، حيث اقحمت اتفاق 1959، وإجراء دراسات أخرى تتعلق بزيادة الملح بدلتا نهر النيل بسبب بناء السد، وهي مطالب “غير مقبولة”، مؤكدة أنها “لن تتفاوض على اتفاقيات لم تكن طرفا فيها”، واصفة تلك الاتفاقيات بأنها “ليست عادلة”.

التعنت يتضح أكثر عند مطالعة الموقف السوداني واقتراحاته المتتالية للنظام المصري؛ حيث قدم السودان مقترحًا متكاملًا لمعاجلة نقاط الخلاف المصرية حول التقرير الاستهلالي لدراسات سد النهضة انحصر لدفع المفاوضات قدما لكن دون جدوى، وتطرقت المقترحات  السودانية في حق الدول الثلاث مجتمعة في مخاطبة الاستشاري لاستيضاحه حول مرجعية بعض النقاط في التقرير الاستهلالي الذي تجاوز فيها نص عقد الخدمات الاستشارية الموقع بين الدول الثلاث والاستشاري، وكذلك اعتماد اتفاقية 1959 كخط الأساس لتحديد آثار السد على دولتي السودان ومصر، والنص على أن أي بيانات تستخدم في الدراسة لا تمنح أي حق جديد للمياه لأي دولة أو تحرمها الحق باتفاقيات قائمة لتقسيم المياه، وإنما هي لأغراض الدراسة فقط، وهي المقترحات التي وافقت عليها اثيوبيا من حيث المبدأ فيما رفضت مصر كل المقترحات، بما فيها اعتماد الحقوق المائية للسودان وفق اتفاقية 1959 وأصرت على الاستخدامات الراهنة، وهو الأمر الذي يرفضه السودان، مؤكدًا تمسكه بحقوقه كاملة وفق اتفاقية 1959.

وزير الموارد المائية والري والكهرباء في السودان، معتز موسى، أشار إلى نقطة مهمة في مسار المفاوضات، حيث انتقد مؤخرًا في تصريحات صحفية رسمية “المؤسسات الرسمية في القاهرة لعدم تصحيحها للأمر على الرغم من علمها بخطأ هذه المعلومات، وأبدى أمله في ألا تتأخر إفادة الجانب المصري، حتى يتمكن الاستشاري من المضي قدمًا في إنجاز الدراسات المطلوبة.

لماذا التعثر ؟!

مواقف “السيسي” المتناقضة التي بدأت بالتصعيد، ثم لجأت للتهدئة قبيل انتخابات الرئاسة، ثم عادت للمراوغة والتعطيل مع الجانب الإثيوبي في الخرطوم، قد تريح نظام السيسي الذي يريد أن يرفع استعدادات مصر في مواجهة دائمة، وأن يشغلها بحسب مراقبين بالخطر الدائم، ولذا كانت تصريحاته بعد تعثر المفاوضات في نوفمبر 2017  تحمل الطمأنة والتعنت طبقًا للنظرة الإثيوبية، حيث قال: “أنا بطمنكم يا مصريين، مياه مصر موضوع مفيش فيه كلام”، على حسب تعبيره، فضلا عن أنه بمقارنة موقف السيسي في أزمة التنازل عن صنافير وتيران بأزمة سد النهضة، يتضح أن السيسي غير حريص على إنهاء أزمة المياه بطريقة سريعة حتي لا يتحمل أخطاء مماثلة كما تحمل في التفريط في الأراضي المصرية للسعودية، خاصة في ظل التسريبات المتتالية عن التلويح بالخيار العسكري من جانب مقربين من السيسي او مراكز صنع القرار .

ما يثير القلق، بحسب تقرير لمجلة فورين بوليسي “هو أن الجانب المصري لا يملك استراتيجية، ما يُمكن أن يجعله يخلُص إلى القول “أعطونا المياه”. وما زاد الطين بلّة، هو أن الولايات المتحدة لم تتوسط في الخِلاف، فليس من حكيم في الدوائر الأمريكية” وفق المجلة التي رجّحت إخفاق دول المصب في الوصول إلى سبيل للتعاون في المستقبل القريب، ولكن ما يزيد القلق أن الاجتماع هذه المرة ضمّ وزراء خارجية ومديري مخابرات البلدان الثلاثة، ما يؤكد بحسب مراقبين أن “قضية المياه تحولت إلى قضية أمن قومي، وأن البلدان الثلاثة لابد أن تحافظ على علاقة استراتيجية بخصوص هذه القضية وليس هناك أي مجال للفشل”.

مستقبل المفاوضات

وفي تقدير موقف استراتيجي محسوب علي الجانب المصري فإنّ التعثر سوف يترتب عليه تنفيذ سد النهضة بالمواصفات الحالية، دون التوافق مع مصر، وتشجيع إثيوبيا على تنفيذ باقي مشروعاتها المائية الثلاثين، كما جاءت في دراسة مكتب استصلاح الأراضي الأمريكي عام 1964، كما أن بعض دول المنابع، مثل أوغندا، سوف تتبع النهج الإثيوبي في تنفيذ مشروعاتها المائية، دون التشاور مع مصر، كما كان يحدث طبقا للاتفاقيات والأعراف الدولية، مع نقص المياه المصرية بكمية تعادل سعة التخزين الميت (14 إلى 24 مليار متر مكعب) في الملء الأول، وتحول الخصائص الجيولوجية لمنطقة السد بسبب استهلاك مياه السد في الزراعة.

وأكد التقرير الذي نشرته مجلة السياسية الدولية الرسمية في مصر أن تمسك إثيوبيا بموقفها، والتغير في الموقف السوداني بين الحين والآخر، يتطلب التحرك على جميع المستويات، من أهمها: مزيد من التعاون مع السودان وتبنى رأى واحد في مشكلة سد النهضة والتعاون مع دول المنابع في حوض النيل، لكسب تأييدهم لمصر، مع تمسك مصر بالاتفاقيات المبرمة مع دول الحوض، والتي يصل عددها إلى نحو 15 اتفاقية بجانب الاعتراض الرسمي على بناء سد النهضة بالمواصفات الحالية الخطرة على الدول المجاورة لدى الأمم المتحدة، لأنّ إثيوبيا تجاهلت كل الاتفاقيات والأعراف الدولية، ومستمرة في البناء، دون التوصل لأي اتفاق مع دول المصب، وكان الأجدى اتخاذ هذه الخطوة مع بداية الأزمة في عام 2011.