جلال إدريس
“من حق الجميع أن يتحدث وأن يعبِّر عن رأيه بحرية كاملة، ولا يوجود أى توجيه بمصادرة الرأي”.. كانت تلك الكلمات هي أبرز ما جاء على لسان “الجنرال عبد الفتاح السيسي”، في الحوار التلفزيوني الذي أجرته معه المخرجة ساندرا نشأت، قبل أيام من انتخابات رئاسة الجمهورية، ليترجم السيسي حرفيًا المعنى المضاد لتلك الكلمات بعد يومين فقط من انتخابه لفترة ثانية.
السيسي وعلى عجل من أمره قرَّر استكمال ما بدأه في فترته الرئاسية الأولى من قمع للصحافة والإعلام في مصر، فأمر قواته الأمنية بمداهمة موقع “مصر العربية”، وهو موقع محلي مصري، وقامت باعتقال عادل صبري- رئيس تحرير الموقع، وإخلائه من الصحفيين العاملين فيه وتشميعه بالشمع الأحمر، فقط لنقل الموقع تقريرًا صحفيًا من جريدة أجنبية يفضح الانتخابات الهزلية للسيسي.
تشميع موقع مصر العربية
لم تكتفِ قوات الأمن بإغلاق الموقع غير المحسوب على المواقع المداهنة للسلطة في مصر، لكن قوات الأمن قامت باعتقال “عادل صبري- رئيس تحرير موقع مصر العربية- واقتادته إلى قسم شرطة الدقي”.
وذكر مدير تحرير الموقع محمد منير، أن قوات من الشرطة المصرية دهمت مقر مصر العربية مساء الثلاثاء وألقت القبض على رئيس التحرير، عادل صبري، لإعادته نشر تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” يتحدث عن وقوع مخالفات خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت الأسبوع الماضي.
وقال عضو بمجلس نقابة الصحفيين المصرية إنَّ النقابة تنتظر قرارًا من النيابة العامة، بشأن رئيس تحرير موقع “مصر العربية”، المحتجز بقسم شرطة الدقي، بمحافظة الجيزة، مُضيفًا أن النقابة ستتخذ موقفها، عقب صدور قرار النيابة المنتظر، خلال ساعات.
فيما أعرب المرصد العربي لحرية الإعلام عن قلقه العميق إزاء تصعيد السلطات المصرية لهجمتها الشرسة ضد الصحفيين، واستمرار ملاحقة الأصوات المستقلة في مصر في أول يوم بعد إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية في تناقض صريح مع التصريحات المعلنة عن الاختلاف في الرأي الذي لن يفسد للوطن قضية.
وأدان بيان صادر عن المرصد، اقتحام السلطات الأمنية مقر موقع مصر العربية وتشميعه بالشمع الأحمر بدعاوى واهية، وتوقيف الكاتب الصحفي عادل صبري رئيس التحرير، واصطحابه لمقر أمني، بعد ساعات من قرار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بتوقيع غرامة مالية 50 ألف جنيه مصري ضد الموقع بالمخالفة للقانون على خلفية تغطيته المستقلة للانتخابات وكشفه لبعض العوار الذي يطعن على مصداقيتها ونزاهة مناخها.
مارس شهر الرعب
وبحسب بيان المرصد العربي فقد عاشت الصحافة المصرية وضمنها المراسلون الأجانب في القاهرة عمومًا خلال شهر مارس تحت رقابة مشددة من الأجهزة الأمنية والمؤسسات التنظيمية الإعلامية، خاصة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة العامة للاستعلامات؛ حيث كانت الصحافة المحلية بصحفها وقنواتها مسخرة بشكل عام لدعم السيسي بشكل فجّ، مع عدم السماح بأي أصوات معارضة، وهجوم وانتقاد للمعارضة، وللساسة الذين كانوا يعتزمون الترشح قبل القبض عليهم أو وضعهم تحت الإقامة الجبرية”.
وأوضح البيان أنَّ الكثير من مقدمي البرامج انتهاكات، على رأسها تحريض السلطة وتحريض المجتمع أيضًا ضد المعارضين السياسيين الداعين لمقاطعة الانتخابات كعمل سياسي مشروع، وتمّ القبض فعلًا على العديد من النشطاء خلال تصويرهم للجان فارغة، أو لتجمعات راقصة أمام اللجان”.
وأكمل: “بنهاية شهر فبراير، بلغ عدد المحبوسين 92 صحفيًا وإعلاميًا ومراسلًا صحفيًا حرًا (تعاون مع فضائيات ومؤسسات صحفية مستقلة أو معارضة)، بعد استمرار دوائر الإرهاب غير المختصة قانونًا، والمخالفة لصحيح القانون والدستور في العصف بحقوقهم في الوقوف أمام قاضيهم الطبيعي، وتطبيق معايير المحاكمة العادلة بحقهم”.
وأكّد أن شهر مارس الماضي شهد وقوع 32 انتهاكًا، وفق ما أمكن رصده، وتصدرت الانتهاكات ما حدث للصحفيين في انتخابات الرئاسة، وتنوعت الانتهاكات بين اعتقال وحبس، وإخفاء قسري، وإهمال طبي، وتحقيق، ووقف برامج، وقيود على النشر.
وأوضح أنَّ انتهاكات الانتخابات والحبس جاءت في المقدمة بـ”9 انتهاكات”، ثم قيود النشر في المرتبة الثانية بـ”6 انتهاكات”، ثم حلت انتهاكات السجون في المرتبة الثالثة بـ”5 انتهاكات”، وحلت في المرتبة الرابعة المحاكمات المعيبة بـ”3 انتهاكات”.
وقال البيان: “لم تقتصر هذه الموجة القمعية على الصحفيين المصريين، بل طالت المراسلين الأجانب في القاهرة؛ بسبب تغطياتهم للعملية الانتخابية وما صاحبها من مظاهر نقلها أولئك المراسلون الأجانب، وهو ما أغضب السلطات المصرية من تلك التغطيات الأجنبية.
تغريم المصري اليوم
لم يكن هذا فحسب، لكن المجلس الأعلى للإعلام في مصر، وهو المجلس الذي أنشأه السيسي ليكون الأداة التي يسيطر بها على وسائل الإعلام، قرر توقيع غرامة مالية على صحيفة “المصري اليوم” اليومية بواقع 150 ألف جنيه، وإحالة رئيس تحريرها، وأحد صحفييها، إلى نقابة الصحفيين للتحقيق معهما، وتغريم موقع “مصر العربية” الإلكتروني (محجوب داخل البلاد) مبلغ 50 ألف جنيه، على خلفية نشرهما تقارير تفضح انتهاكات الانتخابات الرئاسية المنقضية أخيرًا.
وقادت السلطات المصرية هجومًا شرسًا على صحيفة “المصري اليوم”، ومالكها صلاح دياب، بسبب مانشيت الطبعة الأولى من عددها الصادر في 29 مارس الماضي، والذي جاء تحت عنوان “الدولة تحشد الناخبين في آخر أيام الانتخابات”، موصولًا بعنوان شارح “الهيئة الوطنية للانتخابات تلوّح بالغرامة.. ومسؤولون يعِدون بمكافآت مالية.. وهدايا أمام اللجان”.
وقرر “الأعلى للإعلام” إلزام الصحيفة بنشر اعتذار للهيئة الوطنية للانتخابات بنفس المكان، وذات المساحة، وذلك بعدما تقدمت الهيئة بمذكرة إلى المجلس ضد الصحيفة، زعمت فيها أن الأخيرة نشرت “أخباراً وبيانات كاذبة، وتقارير إخبارية غير صحيحة، بهدف الإساءة إلى الانتخابات الرئاسية، والهيئة المشرفة على إدارتها، والتشكيك في نزاهة العملية الانتخابية برمتها”.
تجديد الحبس
وبالتزامن مع ما سبق قررت نيابة أمن الدولة العليا، في نفس يوم إعلان فوز السيسي في الانتخابات، تجديد حبس الصحفي معتز شمس الدين ودنان، 15 يومًا على ذمة استكمال التحقيقات معه في التهم الملفقة الموجهة إليه على خلفية الحوار الذي أجراه مع هشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات.
كان «ودنان» أجرى حوارًا صحفيًا لموقع «هاف بوست» مع المستشار جنينة نشر خلاله تصريحات على لسان «جنينة» خاصة بالمؤسسة العسكرية، وتمَّ التحقيق معه في اتهامه بنشر أخبار كاذبة من شأنها تكدير الأمن والسلم العام.
كما جددت نيابة أمن الدولة العليا في حبس الصحفيين أحمد أبو زيد، وأحمد عبد العزيز، وحسام السويفي، ومصطفى الأعصر خمسة عشر يومًا على ذمة القضية 977 لسنة 2017 حصر تحقيق نيابة أمن الدولة العليا.
الصحفيون السابقون جميعهم ألقي القبض عليهم بتهم فضفاضة، تخفي من ورائها رغبة النظام في قمع وتكميم الأفواه قبل الانتخابات الرئاسية وبعدها.
مصر الأسوأ عالميًا
ووفقًا لتقرير سابق لمنظمة «مراسلون بلا حدود»، الأربعاء، فإن حرية الصحافة باتت مهددة على نحو غير مسبوق عالميًا، وذلّ في ظل حكومة عبد الفتاح السيسي.
وأوضحت فى التقرير، الذى يتضمن تصنيفًا لدول العالم على صعيد حرية الصحافة وأمن العمل الإعلامى، أن مصر تراجعت درجتين عام 2017 في حرية الصحافة، وجاءت فى المرتبة 161 من إجمالى 180 دولة، شملها إحصاء المنظمة، مقارنة بالمرتبة 159 فى مؤشر 2016.
وقال المنظمة: إنَّ “سجل مصر على صعيد حرية الصحافة يبدو كارثيًا، بعد سبع سنوات من قيام ثورة في البلاد باسم المُثل الديمقراطية”، مضيفة أنَّ مصر “أصبحت من أكبر السجون في العالم بالنسبة للصحفيين؛ حيث تتفاقم موجة القمع بشكل متزايد، بينما يتم خنق حرية الإعلام بشكل فاضح”.
ووفقًا للمعلومات التي جمعتها “مراسلون بلا حدود”، هناك قائمة بما لا يقل عن 30 اسمًا لصحفيين مطلوبين لدى الشرطة”، ونوّهت إلى أنه “يقبع في سجون مصر حاليًا ما لا يقل عن 27 صحفيًا؛ بسبب عملهم الإعلامي.
وأردفت: “كما تم اعتقال صحفيين مستقلين آخرين، يتعذر تحديد عددهم بالضبط؛ نظرًا للتعتيم الذي تفرضه السلطات على الموضوع، وذلك بتهمة نشر معلومات كاذبة. وقد يُحاكم جميعهم بتهمة الانتماء إلى مجموعة محظورة، وهي تهمة تُستخدم كثيرًا في إطار المحاكمات السياسية التي تشهدها البلاد”.
اضف تعليقا