كتب- باسم الشجاعي

تحل ذكرى يوم الصحفي المصري، ومازالت الانتهاكات بحق الصحفيين مستمرة، ربما بمعدل أقل كميًا عن سابقيه، لكنه متفرد نوعيًا في جسامة الانتهاكات وفجاجتها.

ويحتفل الصحفيون المصريون بالعيد السنوي لحرية الصحافة المصرية في العاشر من يونيو من كل عام، وهو ذكرى انعقاد الجمعية العمومية الحاشدة والتي حضرها عدد كبير من الصحفيين؛ تنديدًا بالقانون رقم 93 لسنة 1995 والذي عُرف بقانون “اغتيال الصحافة”.

والقانون 93 لعام 1995 شهد معركة حاسمة بين مجلس نقابة الصحفيين المصرية، بقيادة “إبراهيم نافع”، عام 1995، امتدت لأكثر من عام، ظلت خلاله الجمعية العمومية غير العادية في حالة انعقاد مستمر لمواجهة القانون الذي وضع قيودًا غير مسبوقة على الحريات الصحافية.

واشتهر بـ”قانون حماية الفساد”؛ لأنه تضمن تعديلات “تغليظ العقوبات في جرائم النشر- إلغاء ضمانة عدم الحبس الاحتياطي للصحافيين في جرائم النشر”.

فلم يعد لنقابة الصحفيين المصرية حاليًا صوت كما حدث عام 1995، خاصة أن على رأسها الصحفي الموالي للنظام “عبد المحسن سلامة”.

تقنين للحجب والتشريد

وفي ظل حكم قائد الانقلاب العسكري “عبد الفتاح السيسي”، تأتي الذكرى معلنة استمرار قبضة الدولة المصرية على المشهد الصحفي والإعلامي، وسيطرتها على كافة المنابر والمنافذ الإعلامية، وحملة الموسعة لحجب المواقع الصحفية والإعلامية والتي طالت أكثر من 500  موقع صحفيً حتى الآن، بحسب أحدث حصر لمرصد مؤسسة حرية الفكر و التعبير((منظمة مجتمع)-.

كما رصد المرصد العربي لحرية الإعلام (منظمة مجتمع) من رصد 1058  انتهاكاً في تقريره السنوي لانتهاكات حرية الصحافة والإعلام في مصر 2017، أبرزها الحجب وأحكام الإعدام والمؤبد والإهمال الطبي والإدراج في قوائم الإرهاب.

ولا تعلن الحكومة المصرية رسميًّا عن قرارات بالحجب، الذي لحق بمواقع إخبارية ومنظمات حقوقية ومواقع أخرى، إلَّا أن تصريحات مُجهَّلة عن مصادر حكومية تقول إن أسبابه “نشر الأكاذيب” و”دعم الإرهاب”.

وبممارسة الحجب تخالف الحكومة المصرية ما نصت عليه المادة 57 من الدستور، التي تلزم الدولة بحماية حق المواطنين في استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها، بشكل تعسفي.

وينظم القانون ذلك إضافة إلى المادة 65 التي تنص على أن حرية الفكر والرأي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبيرعن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر.

تلك المعاناة من حجب المواقع خلفت ضحايا بالمئات بين الصحفيين، ولكن لا يوجد إحصاء دقيق لهم.

وتقترب التقديرات من 1500 صحفي -بعضهم غير مسجل بنقابة الصحفيين- بحسب مئات الشكاوى التي وصلت إلى النقابة من أولئك الصحفيين المشردين.

ولتقنين الحجب، أقر مجلس النواب المصري، في مايو الماضي، مشروع قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، المعروف إعلاميًا بـ”مكافحة جرائم الإنترنت”.

الأمر الذي أثار استياء في الأوساط الصحفية ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات المعنية بالدفاع عن حرية التعبير.

وتأتي أهمية القانون، كونه اﻷول من نوعه في مصر الذي ينظم أحكام السيطرة على ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي وكيفية مواجهة جرائم المعلومات المعتمدة في ارتكابها على وسائل التقنية المتطورة مثل القرصنة واختراق المواقع الخاصة والحكومية، فضلًا عن اﻷهمية الخاصة له لتنظيم حجب المواقع الإلكترونية للمرة اﻷولى.

وتعطي المادة السابعة من القانون، جهة التحقيق المختصة “متى قامت أدلة على قيام موقع يبث من داخل الدولة أو خارجها، بوضع أية عبارات أو صور أو أفلام، أو أية مواد دعائية أو ما في حكمها، مما تعد جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون وتشكل تهديدًا للأمن القومي أو تعرض أمن البلاد للخطر أو اقتصادها القومي للخطر، أن تأمر بحجب المواقع محل البث.

وتلزم المادة نفسها جهات التحقيق بعرض أمر الحجب على المحكمة المختصة، منعقدة بغرفة المشورة خلال 24 ساعة مشفوعًا بمذكرة برأيها القانوني على أن تصدر المحكمة قرارها في الأمر في مدة لا تجاوز 72 ساعة من وقت عرضه عليها إما بالقبول أو الرفض.

وأعطت المادة أيضًا، في حالة الاستعجال لوجود خطر أو ضرر وشيك الوقوع، لجهات التحري والضبط المختصة إبلاغ الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات لإخطار مقدم الخدمة على الفور بالحجب المؤقت للموقع أو المواقع أو الروابط، ويلتزم مُقدِّم الخدمة بتنفيذ مضمون الإخطار فور وروده إليه. على أن تعرض جهة التحري والضبط المبلغة محضرًا تثبت فيه ما تمّ من إجراءات على جهات التحقيق خلال 48 ساعة، وتصدر المحكمة المختصة قرارها في هذه الحالة إما بتأييد ما تمّ من إجراءات حجب أو بوقفها.

وبداية الأسبوع الحالي، وافق مجلس النواب المصري، أيضًا على مشروع قانون تنظيم الصحافة الجديد، بعد تغيير مسماه إلى “المجلس الأعلى لتنظيم الصحافة والإعلام”، والذي توسع بشكل غير مسبوق في فرض القيود على عمل الصحافيين والإعلاميين.

وقنن التشريع الجديد الحبس الاحتياطي للصحفيين والإعلاميين، في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية، عدا الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد، وهو ما يخالف المادة (71) من الدستور، التي حظرت فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها، أو توقيع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية.

ممنوع الكلام

هذا المناخ المصادر لحرية الإعلام، استمر في مصر منذ أن كلف النائب العام المستشار “نبيل صادق”، أبريل الماضي، لرؤساء النيابات والمحامين العموم كُلٌ في دائرة اختصاصه بمتابعة ما يُنشر أو يُبث عبر وسائل الإعلام المختلفة وإحالة أي مخالفة للتحقيق الجنائي، مستخدمًا مصطلح الرئيس المكرر في وصف وسائل الإعلام المختلفة بـ “قوى الشر”دون تحديد أو تعريف.

هذا التكليف ذلك في أعقاب خطاب الرئيس المصري، “عبد الفتاح السيسي” ، في افتتاح مدينة العلمين الجديدة في مارس الماضي، والذي أكّد فيه أنه لن يسمح بانتقاد أجهزة الشرطة والجيش، معتبرًا أن هذا الانتقاد بمثابة خيانة عظمى.

وهو ما فتح الباب أمام حملة الاعتقالات التي طالت النشطاء، ورودًا مواقع التواصل الاجتماعي، وكان آخرهم حبس الناشط السياسي “حازم عبد العظيم”، لمدة 15 يومًا احتياطيًا على ذمة التحقيقات بتهمة الدعوة إلى تعطيل الدستور ونشر أخبار كاذبة.

وكان “عبد العظيم”، الذي قبض عليه في 27 مايو الماضي، قد عمل في حملة انتخابية للرئيس الحالي “عبد الفتاح السيسي”.

وشملت قائمة الاتهامات الموجهة له الاشتراك مع جماعة أنشئت على خلاف أحكام القانون الغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين.

وسبق حبس “عبد العظيم”، حبس المدونين والنشطاء السياسيين “وائل عباس وشادي الغزالي حرب وشادي أبو زيد وهيثم محمدين” لمدة 15 يوماً على ذمة التحقيق في اتهامات تشمل “التحريض ضد مؤسسات الدولة ونشر أخبار كاذبة دون دليل أو معلومات موثقة.

ووجهت نيابة أمن الدولة العليا للمدون وائل عباس، تهم “نشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام مواقع التواصل، والانتماء إلى جماعة محظورة (لم تسمها)– هذا المصطلح تستخدمه النيابة في القضايا التي لها بُعد سياسي وخاصة مع أعضاء جماعة الإخوان المسلمين-.

الحبس الاحتياطي

وبعد اعتقال الصحفيين المصريين، تبدأ دوامة الحبس الاحتياطي، التي يغرق فيها الغالبية العظمى لحالات الصحفيين في السجون المصرية، والذي تجاوز أغلبهم الحد القانوني لحبسهم احتياطيًا، وفق ما رصدت أغلب المؤسسات الحقوقية المحلية والعالمية.

منذ وصول الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” إلى منصبه عام 2014، عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق “محمد مرسي”، إثر الانقلاب العسكري في صيف 2013، أصبحت مصر إحدى أسوأ الدول التي تسجن الصحفيين.

وجاءت مصر بين أعلى 3 مراتب عالميًا من حيث عدد الصحفيين المسجونين عام 2017، بحسب “لجنة حماية الصحفيين”.

ورغم تراجع عدد الصحفيين المعتقلين في مصر من 25 عام 2016 إلى 20 صحفيًا معتقلًا حاليًا، إلا أنهم يعيشون أوضاعًا صحية سيئة.

وموجب القانون المصري، تتمتع النيابة العامة بسلطة واسعة في انتهاك للقانون الدولي لاعتقال المشتبه بارتكابهم جنايات، بما فيها جرائم الأمن السياسي والوطني.

كما يمكن أن يصل الحبس الاحتياطي إلى 5 أشهر دون مراجعة قضائية، ويمكن للقضاة تمديده إلى سنتين بدون مطالبة النيابة العامة بأي مبرر موضوعي.

ويُعد استمرار حبس المصوِّر الصحفي “محمود أبو زيد” الشهير بـ”شوكان” أوضح مثال على ذلك؛ إذ يقضي شوكان حاليًا عامه الخامس من الحبس الاحتياطي على ذمة القضية المعروفة بـ “فض رابعة”.

وكان “شوكان” قد حصل مؤخرًا على جائزة حرية الصحافة الدولية لمنظمة “يونسكو” العالمية، وسط استهجان الخارجية المصرية التي نددت في خطاب رسمي لـ”يونسكو” بذلك، متغافلة أن الاتهام الموجه لـ”أبوزيد” لا يُمثل إدانة ثابتة.

و”شوكان” حصل أيضًا في 2016 على جائزة حرية الصحافة من معهد الصحافة الوطني بواشنطن.

وفي هذا العام أيضًا ارتفعت وتيرة محاكمات الصحفيين أمام القضاء الاستثنائي؛ إذ نظرت نيابة أمن الدولة العليا طوارئ عدد ليس بقليل من القضايا بحق صحفيين، أبرزها القضية المعروفة إعلاميًا بـ “مكملين2″والقضية 441لسنة 2018 والمعروفة إعلاميًا بـ”الخلايا الإعلامية لجماعة الإخوان”.

وفي هذا السياق أيضًا قررت محكمة عسكرية بحبس الصحفي “إسماعيل الإسكندراني”، عشر سنوات بتهمة إشاعة أخبار كاذبة والانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون.

وكانت النيابة فاجأت هيئة الدفاع عن “الإسكندراني” بإحالة القضية للمدعي العام العسكري في 13 ديسمبر الماضي، بعدما قضى الإسكندراني أكثر من عامين رهن الحبس الاحتياطي.

كما شهد هذا العام أيضًا إصدار حكمًا نهائيًا باتًا بحق ثلاثة صحفيين مصريين هم: “عبد الله الفخراني، وسامح مصطفى (الصحفيين بشبكة رصد الإخبارية)، ومحمد العادلي المذيع بقناة أمجاد الفضائية”؛ إذ أيدت محكمة النقض الحكم الصادر بحقهم من محكمة جنايات الجيزة مايو الماضي بالسجن المُشدَّد 5 سنوات، وذلك بعدما قضوا 5سنوات رهن الحبس الاحتياطي على ذمة القضية.

انتهاكات بالجملة

وفي رصد ﻷبرز انتهاكات حرية الصحافة واﻹعلام خلال عهد “السيسي”، أوضح تقرير مؤسّسة حريّة الفكر والتعبير، حدوث ما لا يقل عن 438 حالة انتهاك لحريّة الصحافة واﻹعلام والعاملين فيهما، منها 193 حالة منع من العمل، و62 حالة احتجاز، واستيقاف سبعة عاملين في المجال اﻹعلامي، و42 حالة تعدٍّ بالضرب، و23 حالة قُدمت ضدهم بلاغات في النيابة.

وجاءت أجهزة اﻷمن على رأس الجهات التي قامت بانتهاكات ضد العاملين في المجال الصحفي واﻹعلامي بعدد 191 حالة، تليها الجهات القضائية بعدد 79 حالة، باﻹضافة إلى مسؤولين حكوميين آخرين بعدد 35 حالة، ومجلس النوّاب بعدد 30 حالة، باﻹضافة إلى 86 حالة اعتداء من قبل مدنيين.

تأميم الإعلام

كما شهد وسائل الإعلام المصرية الخاصة في الشهور السابقة، عملية تأميم من خلال الاستحواذ على ملكيتها من قبل رجال أعمال تابعين للسلطة على نحو غير مباشر أو للأجهزة الأمنية.

ويتحكّم في الخريطة الإعلامية أذرع النظام الأمنية من ضباط سابقين في المخابرات العامة والعسكرية، اقتحموا الحياة الإعلامية بزي مدني، مثل الرائد أحمد شعبان مدير مكتب اللواء عباس كامل، وهو أيضًا مدير مكتب عبد الفتاح السيسي.

وعلى نحو مباشر تولّى العميد محمد سمير، المتحدّث العسكري السابق، والذي عقب استقالته من منصبه أُعلن توليه منصب نائب رئيس شركة “شيري ميديا”، التي يمتلكها رجل الأعمال إيهاب طلعت، ثم أصبح سمير مديرًا لقناة العاصمة التي انتقلت ملكيتها من قبل البرلماني سعيد حساسين، إلى شركة “شيري ميديا”.

ويعتبر النظام الحالي حرية الرأي والتعبير ودور الصحافة خطرًا وجوديًا، يهدّد شرعيته المزعومة وبقاءه واستمراره في السلطة.

ويُعد العمل الصحفي بمصر في ظل الحكم الحالي “مغامرة”، بسبب حالة التخويف والترويع التي فرضتها السلطات على الحالة الصحفية، وما يمكن أن يتعرض له الصحفيون من ملاحقة أمنية، وزج بالسجون، ما يدفع كثيرين منهم إلى استخدام أسماء مستعارة.

قوائم الإرهاب

وفي ظل حالة قمع حرية الصحافة، نشرت الجريدة الرسمية المصرية في عددها المرقم 96 بتاريخ 24 إبريل 2018 قائمة جديدة تضم 1529 مصرياً صنّفتهم إحدى دوائر القضاء تصنيفًا إرهابيًا، بدون أية تحقيقات أو السماح لهم بالدفاع عن أنفسهم، وضمت القائمة 24 صحافيًا وإعلاميًا.

“هذه القوائم لا تراعي الدستور المصري الذي وفّر ضمانات خاصة لحرية الصحافة في مادته 71 ومواد أخرى، كما تتنافى مع المواثيق العالمية التي وقّعت عليها مصر”، وذلك بحسب ما أكد المرصد العربي لحرية الإعلام “اكشف” (منظمة مجتمع)، في بيان له آنذاك.

“المرصد”، شدد على أن وضع هذا العدد الكبير من الصحفيين والإعلاميين في تلك القائمة هو خطوة جديدة في عملية إرهاب وتخويف الصحفيين، لمنعهم من ممارسة عملهم بحرية واستقلالية، كما أن وضع تلك الأسماء في قائمة الإرهاب هو نوع من الانتقام غير المبرّر منهم؛ عقابًا لهم على آرائهم السياسية وممارساتهم المهنية.