العدسة – جلال إدريس
على ما يبدو أن الجنرال “عبدالفتاح السيسي” أخذ على نفسه عهدا بأن يخترق كل محظور، وأن يفرط في كل الثوابت الوطنية من الألف للياء، دون أن يضع في اعتباره أحدًا، لا جيشًا، ولا معارضين ولا مؤيدين، ولا أي شيء.
جاء هذا التعليق وتعليقات أخرى مشابهة، على لسان نشطاء سياسيين، بعد إعلان السفارة المصرية في أمريكا أن القاهرة وقعت رسميًّا على اتفاقية ثنائية للتواصل المتبادل بين الاتصالات والأمن، المعروفة اختصارا بـ”CISMOA”، وذلك بهدف مكافحة الإرهاب، ما أثار التساؤلات حول توقيت توقيع الاتفاقية التي رفضتها مصر لعقود.
المثير في الأمر، هو أن توقيع الاتفاقية تم في يناير الماضي، ولم تعلن عنه مؤسسة الرئاسة بمصر ولا القوات المسلحة، كما أن توقيع “CISMOA” جاء بعدما رفضتها لأكثر من 30 سنة الأنظمة المصرية المتتابعة، بينها نظام حسني مبارك والمجلس العسكري إبان ثورة يناير 2011.
(العدسة) ومن خلال التقرير التالي يلقي الضوء على كافة تفاصيل الاتفاقية، ولماذا وقعها السيسي؟ ولماذا كان يصمت عليها؟ وما هي تفاصيلها؟.
أولا: ماذا تعني اتفاقية “cismoa”
كلمة cismoa، هي اختصار لعبارة (The Communication Interoperability and Security Memorandum of Agreement )، ومعناها اتفاقية توافق الاتصالات و الأمن المتبادل.
والاتفاقية باختصار، هي اتفاقية أمنيه أمريكية تشترط بها على الدول الموقعة عليها وجود تسهيلات كبيرة؛ منها القدرة على فحص أسلحتها في أي وقت بالإضافة إلى تسهيلات داخل الموانئ، وتسهيلات أخرى للعبور الجوي والعديد من الأمور التي تعتبر خرقا لسيادة هذه الدولة.
وتقوم الدولة الموقعة على الاتفاقية بالعمل على جعل أنظمتها وشفراتها الإلكترونية متوافقة مع النظم الأمريكية وقادرة على قراءتها.
ولا يقتصر الأمر على توافق المعدات وبرمجتها، بل يشمل العقيدة العسكرية والتفاعل، فمثلا، يمكن مشاركة مراكز القيادة بين الولايات المتحدة والدول الموقعة، كما يمكن للولايات المتحدة الأمريكية الاطلاع والتفتيش على المعدات العسكرية، لضمان عدم قيام الدولة بنقل التكنولوجيا الأمريكية لطرف ثالث، وفي المقابل يتم الإفراج عن التكنولوجيا الأمريكية المحرمة، لتحصل عليها الدولة، كبعض الأنظمة الحساسة من اتصالات وملاحة وأسلحة متطورة.
ومن خلال ما سبق، فإن الاتفاقية ببساطة تجعل القوات المسلحة للدولة الموقعة على الاتفاقية، كما لو كانت جزءا من الجيش الأمريكي، ولا يمكن مواجهة تلك الدول لبعضها البعض؛ فهي تظهر على الشاشات كأصدقاء.. فعلى سبيل المثال، لا يمكن لطائرة مصرية ضرب طائرة إسرائيلية، لكن إسرائيل تستطيع فعلها؛ لأنها هي التي تصنع إلكترونيات الطائرات الخاصة بها.
علاوة على عدم المقدرة على ضرب أية أهداف بدون توافق الإشارات والمعطيات مع الإدارة الأمريكية التي تستطيع التحكم ومنع الضربة برفضها لتلك الإشارات والمعطيات.
ما هي الاستفادة من تلك الاتفاقية؟
تحصل الدولة الموقعة في المقابل على الأفضلية في شراء الأسلحة الأمريكية الأكثر تطورًا، لكن في المقابل تصبح القوات المسلحة لتلك الدولة جزءًا من القوات المسلحة الأمريكية ببساطة.
وتنص الاتفاقية على أن يتم توليف أنظمة الاتصالات العسكرية بين القوات الأمريكية والدولة الموقعة، والسماح للقوات الأمريكية بالحصول على أقصى مساعدة مُمكنة من الدولة المُوقِّعة؛ من قواعد عسكرية ومطارات وموانئ، والاطلاع والتفتيش على المعدات العسكرية لضمان عدم قيام الدولة بنقل التكنولوجيا الأمريكية لطرف ثالث.
وفي المقابل، يتم الإفراج عن التكنولوجيات الأمريكية المحرمة لتحصل عليها الدولة المُوقعة كبعض الأنظمة الحسّاسة من اتصالات وملاحة وأسلحة مُتطورة.
لماذا رفضتها مصر سابقا؟
وللأسباب السابقة، رفضت الأنظمة السياسية المتعاقبة في مصر التوقيع عليها لعقود طويلة؛ لاعتبارات متعلقة بالسيادة، بتوحيد أنظمة الاتصال العسكرية بين الولايات المتحدة والدول الموقعة، ومنح تسهيلات للقوات الأميركية تشمل استخدام القواعد والمطارات والموانئ، وإعطاء الجيش الأميركي الحق في التفتيش على المعدات العسكرية لضمان عدم نقلها لطرف ثالث.
وحسب الكاتب الأمريكي «ماثيو أكسلرود»، المسؤول السابق عن مكتب الشؤون الأمنية لمصر ودول شمال إفريقيا في الفترة بين عام 2005 و2007: «رفض المسؤولون العسكريون المصريون على مدار عقود التوقيع على الاتفاقية لما فيه من انتهاك كامل للسيادة المصرية».
وأضاف: «على الرغم من ذلك لم يمنع ذلك دول مجلس التعاون الخليجي من التوقيع على هذه الاتفاقية، والذي يكشف الغطاء عن أسباب أخرى خاصة بقرار الرفض المصري».
ووقعت دول الخليج العربي والأردن وتونس والعراق وباكستان على هذه الاتفاقية منذ سنوات، في الوقت الذي رفضت الهند التوقيع على هذه الاتفاقية، ما منعها من أنظمة عالية الدقة تعمل بالأقمار الصناعية ومعدات أخرى حساسة على متن طائراتها، وفضلوا الحصول على أنظمة بديلة من مصادر أخرى لطائراتهم.
لماذا وافق عليها السيسي؟
مع وصول السيسي إلى سدة الحكم، تم التواصل معه أكثر من مرة للموافقة على تلك الاتفاقية، وبالفعل تمت الموافقة عليها، وفقا لمصادر أمريكية، في شهر يناير الماضي.
وبحسب السفير السابق “عبدالله الأشعل” فإن مصر وقعت في عهد السيسي على الاتفاقية في صمت، رغم ما بها من مخاطر على الأمن القومي المصري، في حين أن “إبرام الاتفاقية سرًّا ليس مفاجأة؛ لأن الرئيس يجمع كل السلطات بيد واحدة”.
ويرى الدكتور السيد أبو الخير، وفقا لتصريحاته لموقع “عربي 21″، أن تلك الاتفاقية تعد تطورا طبيعيا لمعاهدة (كامب ديفيد)، وفضلا عن أنها انتهاك جسيم للسيادة المصرية، فهي مخالفة للدستور المصري الذي تطلب إجراءات خاصة لمثل تلك الاتفاقيات، منها إجراء استفتاء عليها، وأخذ رأي البرلمان”.
الخبير بالقانون الدولي والعلاقات الدولية، أكد أنه “لذلك فالاتفاقية منعدمة قانونا، ولا يرتب عليها القانون الدولي أي آثار قانونية، لمخالفتها القواعد الآمرة به، بالإضافة إلى أن من وقعها لا يمثل مصر قانونا، وهو مغتصب سلطة؛ لأنه جاء بانقلاب عسكري”.
فيما أوضح الأكاديمي المصري أن رأيه يأتي وفقا لنظرية الدين المقيت بالقانون الدولي التي تعتبر كافة تصرفات مغتصب السلطة منعدمة، ولا يترتب عليها أية آثار قانونية”، مضيفا أنه “لذلك وطبقا لتلك النظرية المعروفة والثابتة والمستقرة، والتي أخذ بها القضاء الدولي بقضايا مشابهة؛ فإن كافة أعمال النظام الانقلابي منعدمة، ولا تعترف بها بأشخاص وآليات القانون الدولي”.
وكانت مصر قد منيت بخسائر كبيرة وفرضت عليها قيودًا تسليحية، وخصوصا على القوات الجوية المصرية نتيجة رفضها السابق للاتفاقية.
اضف تعليقا