انسحاب الإمارات من اليمن قرار له توابعه السلبية على الشراكة التاريخية مع السعودية
بوادر اختلاف قد تنشأ بين الحليفين اللذين قادا العديد من الأزمات في المنطقة
يعتبر التحالف السعودي/الإماراتي من أبرز وأقدم التحالفات في المنطقة العربية، وهو تحالف تاريخي ممتد لعقود مضت، انبثقت في الأساس من كراهية الطرفين تجاه إيران، والدعم المشترك للقضايا السنية في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
العلاقات بين البلدين لا يحدها المصالح الإقليمية والاستراتيجية وحسب، بل تنطلق من منطلق شخصي أيضاً، وهو العلاقة الوثيقة التي تربط بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والحاكم الفعلي للإمارات ولي العهد محمد بن زايد، ولذلك؛ فعندما شن محمد بن سلمان، ولي عهد السعودية، حملة عسكرية ضد ميليشيات الحوثي في اليمن قبل أربع سنوات، لم يكن مفاجئاً انضمام الإمارات لذلك الهجوم، كما لم يكن غريباً قيام الدولتان سوياً بقيادة حملة المقاطعة الدبلوماسية ضد قطر، واتخاذهما ذات الموقف المؤيد لعقوبات إدارة ترامب ضد إيران.
الدولتان قامتا أيضاً بتقديم الدعم المالي والمعنوي لعبد الفتاح السيسي في مصر.
ومع هذا، فإن التفكك بدأ يعتري هذا التحالف، الأهم في المنطقة، بعد التغيرات التي طرأت على الحملة العسكرية التي تقودها السعودية والإمارات في اليمن، وكذلك التي طرأت على التكتيكات التي من المفترض أن يتم بها مواجهة سلوك أيران في المنطقة، وجميعها أسباب ستسبب “صداعاً” لإدارة ترامب، المحبطة بالفعل بسبب الخلاف السعودي الإماراتي مع قطر.
كان الغرض الأصلي من الهجوم الذي تم في اليمن هو تقويد النفوذ الإيراني الممتد من خلال الحوثيين في اليمن، وعليه تم شن عاصفة الحزم، التي لم تحقق المرجو منها، بل على العكس، حولت اليمن إلى مستنقع، وتسببت في أكبر كارثة للعلاقات العامة بسبب الانتهاكات التي تمت ضد المدنيين.
يبدو أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد خلصت إلى أن الحرب غير رابحة ومكلفة للغاية، وبالفعل بدأت في سحب قواتها من اليمن في يوليو/تموز، مع احتفاظها بتوجيه بعض الضربات ضد العناصر اليمنية التابعة لتنظيم القاعدة وداعش.
وفي حين أن وجودها العسكري في اليمن كان متواضعا، فقد كان للإمارات دوراً كبيراً في اليمن، استخدمت فيه ثقلها الإقليمي والدولي، حيث مارست نفوذا كبيرا على الفصائل اليمنية في الجنوب بينما عمل السعوديون بشكل رئيسي مع الحكومة المعترف بها دوليا، والتي تتخذ من الرياض مقرا لها.
تدهور الوجود الإماراتي في ميناء عدن تسبب في مواجهة بين الانفصاليين الجنوبيين المدعومين مالياً وتسليحياً من الإمارات، وبين بقايا الحكومة التي تدعمها السعودية، حيث هاجم حلفاء الإمارات المنشآت الحكومية وسيطروا على جزء كبير من المدينة، بما في ذلك الميناء، وهو ما جعل الوزراء اليمنيون يحملون الإمارات علانية نتائج ما تسبب به حلفائهم الجنوبيين.
وفي الشهر الماضي، وصف مسؤول إماراتي رفيع المستوى هذا التراجع بأنه “إعادة انتشار استراتيجية”، وقال لشبكة CNN إن الإمارات دربت حوالي 90 ألف جندي في اليمن لسد عجز انسحابها.
وأضاف “التزامنا في اليمن لا يزال قائما، نحن جزء من التحالف، نقاشنا حول إعادة الانتشار الحالية مستمر منذ أكثر من عام”.
من ناحية أخرى، يرى المحللون أن خطوة الإمارات في الانسحاب من اليمن هي رسالة إلى ولي العهد السعودي مفادها بأنه “لقد حان الوقت لإنهاء هذه الحرب”، حيث يقول أيهم كمال من مجموعة أوراسيا إن الإمارات قد تحاول “تحفيز السعوديين على التفكير بجدية أكبر في فض الاشتباك” خاصة مع عدم وجود أي ملامح لنصر عسكري في الأفق.
أما كريستين ديوان، من معهد دول الخليج العربي، يؤكد أن المملكة العربية السعودية أصبحت الآن أكثر عزلة في اليمن و “تحتاج إلى تسوية مع الحوثيين لتأمين حدودها في الشمال، وقد يشكل انسحاب الإمارات دافعاً قوياً لدفع السعودية للتفاوض مع الحوثيين، لكنه لا يعزز الموقف السعودي في المفاوضات “.
التحالف العسكري السعودي/الإماراتي حقق بعض المكاسب ضد الحوثيين، ومع هذا، لا تزال ميليشيات الحوثي تسيطر على العاصمة وعلى جزء كبير من الشمال، فضلاً عن كونهم قادرين على شن هجمات صاروخية واستخدام طائرات بدون طيار ضد أهداف سعودية- من المطارات إلى خطوط الأنابيب، آخرها كان الهجوم الذي تم في نهاية الأسبوع الماضي ضد منشأة الشيبة للغاز.
وفقاً لمصدرين موثوقين على اطلاع بالكيفية التي يتم بها انتشار القوات السعودية داخل اليمن، فهناك حوالي 10 آلاف جندي سعودي ضمن القوات البرية السعودية في اليمن، ومع هذا فإن أغلب الهجمات التي قامت بها السعودية ضد الحوثيين كانت جوية، ما تسبب في حدوث خسائر فادحة في صفوف المدنيين، ولعل هذا هو السبب الذي جعل الكونغرس الأمريكي يعارض بيع الأسلحة للسعودية، إلا أن الرئيس ترامب استخدم حق الفيتو ضد قانون منع مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، وبلغت قيمة تلك الصفقات 8.1 مليار دولار.
وعلى الرغم من خسائر الهجوم الجوي، فإن الهجوم البري أيضاً من شأنه أن يؤدي إلى تفاقهم أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وعليه فهناك مباحثات للسلام تقوم بها الأمم المتحدة، تحمل في بعض بنودها أن يتم تقديم عدة تنازلات لصالح الحوثيين، وهي بنود يراها البعض “مذلة” لولي العهد السعودي بعد أربع سنوات من الصراع.
ولهذا، يحاول السعوديون والإماراتيون دفع الأطراف المختلفة المناوئة للحوثيين إلى تسوية خلافاتهم، فخلال الأسبوع الماضي، التقى بن زايد بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ونجله ولي العهد في جدة، وقال إن الحكومتين دعتا “الأحزاب اليمنية المتنافسة إلى وقف إطلاق النار وتفضيل لغة الحوار وترجيح العقل”.
وقد شهدت هذه الزيارة العديد من المحادثات التي تحمل في طياتها خطابات عن التضامن “الأخوي” بين الحليفين، ومع هذا، فإن انسحاب الإمارات سيظل يشكل أزمة بالنسبة للسعودية التي ستصعب عليها المهمة في تلك الحرب ضد الحوثيين، الذين يعتبروا المستفيد الأكبر من انسحاب الإمارات.
في حوار مع مايكل نايتس من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، والذي قضى وقتاً لا بأس به مع القوات الإماراتية في اليمن، قال إنه “لا ينبغي لأحد في واشنطن أو في الأمم المتحدة أن يفترض أن خطوط القتال الحالية ثابتة، بل على العكس يمكنهم التحرك بسهولة لصالح الحوثيين، وهو ما يؤثر سلباً على عملية السلام التي تحاول أن تحققها الأمم المتحدة”.
تحالف استراتيجي
على الرغم من الطرق المتباينة للبلدين في إدارة الملف اليمني، إلا أن التحالف السعودي الإماراتي ما زال على حاله، أو هكذا يبدو، ففي الأسبوع الماضي، أعلن وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات ، أنور قرقاش، أن العلاقات “ستظل قوية لأنها تستند إلى أسس قوية وقيم مشتركة”.
حل التحالف محل دور مجلس التعاون الخليجي، الذي أضعفه النزاع “المستمر” بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة وبين قطر من ناحية أخرى.
كما لا تزال السعودية والإمارات معارضتان للتوسع الإيراني الذي يعارضانه؛ فكلاهما يدعم العقوبات الأمريكية الشاملة ضد طهران، إلا إن الإمارات تتبنى أساليب مختلفة عن السعودية فيما يتعلق بالتعامل مع هذا الملف.
بحسب أيهم كمال، فإن التركيز الأكبر للإمارات فيما يتعلق بإيران ينصب في كيفية تجنب أي تصعيد في الخليج، ولهذا، ذهب وفد إماراتي إلى طهران بداية الشهر الجاري، لمناقشة قضية الأمن البحري، كما وقع الجانبان ما وصفه الإيرانيون بـ “مذكرة تفاهم” لتعزيز التعاون في البحر.
كما أن ردة الإمارات تجاه العمليات التخريبية التي طالت أربع ناقلات في الفجيرة في مايو/أيار الماضي، اختلف تماماً عن الموقف السعودي، حيث حرصت الإمارات على عدم إلقاء اللوم مباشرة على إيران، في حين اتهمها ولي العهد السعودي صراحة في إحدى المقابلات حيث قال “نرى كيف أن النظام الإيراني وعملائه قاموا بعمليات تخريبية ضد أربع ناقلات نفط بالقرب من ميناء الفجيرة”.
على صعيد آخر، يرى بعض المحللون والمراقبون للوضع، إن الإمارات لم تعد مرحبة ببعض سياسات إدارة ترامب، بخلاف الماضي، حيث قالوا إن “النشوة” التي كانت متواجدة في مايو/أيار 2017 عندما زار ترامب الرياض في أول زيارة خارجية له، ودعم خلالها بشكل علني الضغط السعودي الإماراتي ضد قطر، قد تلاشت منذ فترة طويلة.
حسين إيبش، من معهد دول الخليج العربي، كتب في نشرة ديوان كارنيجي أنه “بينما رحب المسؤولون الإماراتيون بحملة “الضغط الأقصى” التي تمارسها الإدارة الأمريكية ضد إيران، في بدايتها، فقد بدأوا في التحذير منها منذ عام تقريبًا، ليكون مسارًا سياسيًا لترجمة الضغط إلى سلوك إيراني محسن.
سيكون اقتصاد الإمارات – وخاصة اقتصاد دبي – متأثرًا بشدة بأي صراع في الخليج، في حين أن المملكة العربية السعودية يمكنها تصدير النفط والغاز إلى ساحل البحر الأحمر، فإن اقتصاد الإمارات المتنوع أكثر عرضة للصدمات الخارجية.
يعتقد جو ماكرون، زميل المركز العربي بواشنطن، أن الانفتاح الإماراتي على إيران “تكتيكي وليس استراتيجي، وهو في المقام الأول رسالة إلى إدارة ترامب خاصة وأن علاقتهما قد شابها بعض التوترات مؤخراً فيما يتعلق ببعض القضايا، بما في ذلك التقارب الأمريكي مع قطر”.
من جهته يؤكد أيهم كمال، أن الإشارات “المختلطة” لإدارة ترامب بشأن مواجهة الأعمال الإيرانية في الخليج “تركت حلفائها في الخليج وحدهم في مواجهة جهود طهران الانتقامية ضد فرض العقوبات الأمريكية”، وهو الأمر الذي أدى إلى إعادة تقييم العلاقات من جديد.
على المدى البعيد، تتوقع دول الخليج أن تصبح الولايات المتحدة شريكا أقل أهمية، وأن يبعد تركيزه عن الشرق الأوسط تدريجياً، ومن المرجح -على المدى البعيد أيضاً- أن يدعم المحور السعودي الإماراتي كقوة موازنة لإيران، لكن في الوقت الحالي، على حد تعبير دبلوماسي غربي مطلع على المنطقة، فإن هذا التحالف أشبه بـ “علاقة زوجية بها بعض المشاكل”.
للاطلاع على النص الكامل من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا