العدسة – جلال إدريس
“تقول شيئًا وتفعل عكسه تمامًا”، هذا باختصار العنوان المختصر للسياسية الإماراتية في اليمن، منذ تحالفها مع السعودية في عاصفة الحزم على الحوثيين في اليمن، المستمرة منذ نحو ثلاثة أعوام.
ورغم أنَّ السعودية والإمارات شركاء في تلك الحرب، إلا أنَّ المصالح الإماراتية من حرب اليمن، مختلفة بالكامل عن الأجندة السعودية، فالثانية تريد ضمان حدودها الجنوبية مع الغريم التاريخي، أي جماعة الحوثيين، أما الأولى وهي “الإمارات” فإنَّ لها أهدافًا ومآرب أخرى من تلك الحرب.
وخلال 3 سنوات خالفت “الإمارات” كل ادعاءتها بشأن الحرب على اليمن؛ حيث عملت على مدار تلك السنوات على تحقيق مصالحها وفقط، دون أن تعير للشعب اليمني أي انتباه أو أن تضعه في حساباتها، الأمر الذي كلّف اليمنيين تكاليف باهظة من دمائهم ودولتهم ومقدراتهم.
“العدسة” ومن خلال التقرير التالي ترصد التضاربات الإماراتية في اليمن، وتؤكّد بالأدلة زيف المزاعم التي تدعي أنها تحققها في اليمن، في حين أنها تحقق عكسها تمامًا:
زعمت الدفاع عن الشرعية ثم حاربتها
بالرغم من أنَّ الإمارات دخلت اليمن تحت غطاء الدفاع عن الشرعية في اليمن المتمثلة في الرئيس “عبد ربه منصور هادي” إلا أنّه لم يعد خفيًا على أحد أنَّ دولة الإمارت باتت أحد أكثر الأطراف حربًا للشرعية في اليمن الأمر الذي بات ينذر بمواجهة وشيكة بينها وبين المملكة العربية السعودية.
وفي وقت تخوض فيه القوات الشرعية اليمنية معارك ضارية على مشارف صنعاء، تتصاعد جنوبًا تحركات الانفصاليين المدعومين من أبو ظبي عسكريًا وسياسيًا، مما شكل قلقًا متزايدًا للشرعية ورئيسها عبد ربه منصور هادي.
ولاحظ مراقبون تصاعد التوتر مؤخرًا بين هادي وأبو ظبي التي تدفع الانفصاليين الجنوبيين للانقلاب على الحكومة الشرعية، واستغربوا ما تقوم به الإمارات وهي الدولة الثانية في التحالف العربي الذي تقوده السعودية.
وبحسب تصريحات سابقة لـ”عبد الرقيب الهدياني نائب رئيس تحرير صحيفة 14 أكتوبر الحكومية اليمنية” فإنَّ المشهد في عدن بات يتلخص في أنَّ الإمارات- التي شاركت في التحالف العربي الداعم للشرعية- تخوض اليوم صراعًا ضد الشرعية نفسها من خلال تشكيل ورعاية ما سمي بالمجلس الانتقالي الجنوبي.
وأوضح الهدياني أنَّ أبو ظبي تسعى للضغط على الحكومة الشرعية لتثبيت أقدامها في جزيرتي سقطرى وميون الواقعة على مضيق باب المندب الإستراتيجي.
الحرب الإماراتية على الشرعية في اليمن، امتدّت إلى التدخل في إدارة شؤون اليمن وفرض قرارات على هادي، وإجباره على عزل وتعيين مسؤولين بعينهم، غير أنها تجاوزت كل هذا حين تدخلت طائرات «الأباتشي» الإماراتية العام الماضي في قصف قوات الحماية الرئاسية اليمنية.
كما أنَّ قوات «الحزام الأمني» في عدن التي تموّلها وتدرّبها الإمارات، لم تعد ترفع أعلام الجمهورية اليمنية، فهي تضع على جدرانها صورًا شخصية لقادة الإمارات، وكأنَّ عدن إمارة ثامنة، وتفعل ذلك من دون أدني خجل.
زعمت الحفاظ على وحدة اليمن وتسعى لتقسيمه
“الحفاظ على وحدة الشعب اليمني من الانقسام، وإنقاذ البلاد من مخطط التقسيم الذي تسعى إليه إيران”، كان أحد الأهداف المعلنة للإمارات حين قرّرت مع السعودية شن حرب عسكرية على الحوثيين المسلحين في اليمن، لكن وخلال 3 سنوات بات من الواضح أنَّ ادعاءات الإمارات غير حقيقية، وأنها تسعى لتقسيم اليمن من خلال دعم الانفصاليين، بهدف الحفاظ على مصالحها.
وبحسب مراقبين فإنَّ “الدور الإماراتي في اليمن معروف منذ البداية، وليس جديدًا على اليمنيين، وهو استكمال لمسلسل الانقلابات على ثورات الربيع العربي وحمل لواء الثوارت المضادة”.
ومنذ بسط نفوذها السياسي والعسكري والأمني في اليمن، تجري أبوظبي تغييرات في هيكلية مؤسسات الدولة اليمنية الأمنية والعسكرية والقبلية، وتأسيس ميليشيات مناهضة لمؤسساتها، والآن تقود انقلابًا في الجنوب استكمالًا لإسقاط ثورة 11 فبراير 2011″.
ويرى خبراء بالشأن اليمني أنَّ هناك سيناريوهين اثنين؛ أولهما الذهاب إلى تقسيم اليمن وفق منظور إماراتي واضح، بحيث تكون الإمارات مسيطرة على كل شيء مع وجود حكومة شكلية ممثلة بالمجلس الانتقالي المدعوم من أبوظبي، ثم مواجهة الانقلاب في الشمال وفق آليات جديدة منها الاستعانة بقوات صالح ونظامه؛ حيث يتم الآن تشكيل أجهزة أمنية وعسكرية في الجنوب وإعدادهم لحين إعلان المواجهة.
أما الثاني، فهو أنَّ “اليمن ستذهب إلى التقسيم على يد الإمارات لتبقى اليمن دولة غير فاعلة في المنظومة الدولية والإقليمية، لكن أيضًا يغفل هذا السيناريو حقيقة تعقيدات المجتمع اليمني؛ إذ لا يمكن لليمنيين أن يقبلوا بيمن جنوبي وشمالي، وستحصل حركات عصيان كبيرة تهدد مستقبل البلاد”.
ورغم دور الإمارات الخفي والمعلن في دعم تقسيم أكثر من 5 بلاد عربية وإسلامية، وتأييد انقلابات فيها، وحملها لواء الثورات المضادة لثورات الربيع العربي، يرى محللون يمنيون أنَّ الحكومة الشرعية قد تواجه انقلاب عدن، بتحويل التحالف العربي إلى “عدوان خارجي”، وأيضًا إعلان مقاومة شعبية للاحتلال، خصوصًا المناطق الجنوبية، التي تسيطر عليها ميليشيات يمنية تتبع للإمارات، رغم صعوبة اتخاذ الشرعية للقرار بمواجهة التدخل السعودي- الإماراتي، “لذلك كل الاحتمالات واردة في ظل التعقيدات الحالية”.
زعمت الحرب على الإرهاب لكنها عززت من انتشاره
ادَّعت الإمارات في بداية حربها على اليمن، أنها تسعى لمحاربة التطرف والتنظيمات الإرهابية في اليمن، من خلال شنّ حرب ضروس على تنظيم القاعدة، إلا أنَّ الواقع الفعلي أثبت للجميع أنَّ التصرفات الإماراتية عزز من انتشار التنظيمات المسلحة في اليمن، وكذلك ساهمت في ازدياد أعداد المتطرفين والإرهابيين.
وبحسب ما نشره موقع “نون بوست” في أغسطس الماضي، فإنَّ تقرير فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات الدولية في اليمن، قد كشف أنَّ دولة الإمارات تدعم جماعات مسلحة وتنظيمات إرهابية خارجة عن القانون في اليمن بهدف بسط نفوذها على اليمن والسيطرة على أراضيها.
تقرير الخبراء أشار إلى انتشار ميليشيات ومجموعات مسلحة خارجة عن سيطرة الحكومة الشرعية في اليمن بقيادة عبد ربه منصور هادي، وهي تتلقى تمويلًا مباشرًا ومساعدات من السعودية والإمارات.
كما أشار التقرير إلى أن إحدى تلك المجموعات في تعز يقودها شخص يدعى أبو العباس (السلفي) وتموله الإمارات، وقد رفضت هذه المجموعة الانضواء إلى الجيش اليمني؛ بالإضافة لعدم خضوع قوات رسمية- كقوات النخبة الحضرمية وقوات الحزام الأمني التي ترعاها وتمولها الإمارات- لسلطة الحكومة الشرعية.
وبين التقرير أنَّ الإمارات تدعم جماعة “أبو العباس” المتحالفة مع تنظيم القاعدة في تعز، وهي جماعة تعمل خارج إطار الدولة وترفض الانصياع للمقاومة الشعبية والحكومة الشرعية، والتي تدعي السعودية والإمارات أنهما تدعمانها، كما أنشأت الإمارات الحزام الأمني في عدن وقوات النخبة الحضرمية.
الصراع في تعز عزز دور “أبو العباس” بدعم مباشر من الإمارات، وخلال صراعه مع الحوثيين سمح بانتشار عناصر تنظيم القاعدة داخل تعز، لتعزيز قواته وتقييد النفوذ السياسي والعسكري لحزب الإصلاح. فالمدعو “أبو العباس” سمح خلال صراعه مع الحوثيين بالحدّ من نفوذ حزب الإصلاح الذي تعاديه الإمارات بحكم أنّه من جماعة الإخوان المسلمين، وانتشار عناصر تنظيم القاعدة داخل مدينة تعز بوصفهم عاملًا يضاعف من فاعلية قواته.
الدعم الإماراتي لتقوية الفصائل الإسلامية المسلحة المتشددة في مواجهة الحوثي ذي الصنيعة الإيرانية، أدى بدوره إلى تفكك كيان الدولة وقامت مقامها تنظيمات إرهابية متطرفة تحمل السلاح وتؤمن بالعنف ولا تعترف بشرعية الدولة، وهو ما أسهم في إطالة أمد الصراع وتكوين بيئة حاضنة للتطرف وللجماعات المتشددة.
زعمت حماية حقوق الإنسان ثم ارتكبت جرائم واسعة
الإمارات زعمت أيضًا حين قررت مشاركة السعودية حربها على الحوثيين في اليمن، أنَّ الحوثيين المدعومين من إيران ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية في اليمن، وأنهم مارسوا انتهاكات حقوقية واسعة، وأنَّ قوات التحالف العربي جاءت للحفاظ على حقوق اليمنيين، لكن ما لبثت أن أصبحت الإمارات واحدة من أكثر الدول التي تمارس انتهاكًا واسعًا لحقوق الإنسان في اليمن.
وتؤكّد منظمات الإغاثة الدولية تورّط التحالف العربي بجانب الحوثيين في تعريض حياة الملايين من اليمنيين للخطر بسبب غلق المطارات ومنع تقديم أي مساعدات عبر المجال الجوي الذي تتحكم فيه السعودية.
وسبق أن اتهمت 15 منظمة إغاثية في بيان حمّل السعودية والإمارات والحوثين المسئولية فيما وصلت إليه الأوضاع داخل اليمن من تردّي وتهديد لحياة الملايين، مع الإشارة إلى آخر مستجدات الوضع الكارثي داخل اليمن، وذكر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في تقرير سابق له أن 7 ملايين من المواطنين اليمنيين باتوا على وشك المجاعة، في بلدٍ يشهد واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم.
منظمة هيومن رايتس ووتس، وثقت حالات 49 شخصًا من بينهم 4 أطفال، تعرضوا للاحتجاز التعسفي أو الإخفاء القسري في محافظتي عدن وحضرموت العام الماضي، اعتقلت واحتجزت منهم قوات أمنية مدعومة من الإمارات، 38 على الأقل.
كما ذكرت المنظمة الحقوقية الدولية، أنَّ قوات الحزام الأمني وقوات النخبة الحضرمية المدعومة إماراتيًا، استخدمت القوة المفرطة خلال الاعتقالات والمداهمات، واعتقلت أقارب مشتبهًا بهم للضغط عليهم للاستسلام بشكل “إرادي”، واحتجزت تعسفًا رجالاً وشبانًا، واحتجزت أطفالاً مع راشدين، وأخفت العشرات قسرًا، ونقلت المنظمة عن أحد المحتجزين السابقين نقلاً عن محتجز آخر في أحد معتقلات عدن غير الرسمية الكثيرة قوله: “هذا سجن لا عودة منه”.
كما كشف تحقيق أجرته وكالة “أسوشيتد برس” عن وجود شبكة سجون سرية في اليمن تديرها الإمارات داخل قواعد عسكرية ومطارات ومواني يمنية عدة، يخضع فيها المعتقلون لصنوف مختلفة من التعذيب، كما أشارت الوكالة إلى أنها وثقت ما لا يقل عن 18 سجنًا سريًا في جنوب اليمن تحت إدارة الإماراتيين أو القوات اليمنية التي شكلتها ودرّبتها الإمارات، وفق تقارير جمعتها من معتقلين سابقين وعائلات السجناء ومحامين وحقوقيين ومسؤولين عسكريين يمنيين.
ادَّعت الحفاظ على مقدرات اليمن ثم نهبت ثرواته
ادعاءات الإمارات بأنها تسعى للحفاظ على مقدرات اليمن، ذهبت هباءً منثورًا بعد انتشار القوات الموالية للإمارات في اليمن، حيث مكنت تلك القوات الإمارات من التوغل والعمل على أجندتها في السيطرة على الساحل العربي، وميناء عدن، والخليج العربي، وسقطرى.
كما بدأت الإمارات في الضغط على “هادي” لتوقيع اتفاقية تأجير جزيرة سقطرى وموانئ عدن لـ99 عامًا، إلا أنهما اختلفا على البنود والتفاصيل الأخرى.
حكومة أبو ظبي تسعى أيضًا من خلال التواجد الإماراتي في اليمن، للسيطرة على مراكز التجارة الإستراتيجية الهامة، حيث يتطلع الإماراتيون إلى إقامة منشآت عابرة لحدود منطقة الشرق الأوسط وما وراءها، من أجل تعزيز تجارتهم في الوقود الأحفوري وتصديره إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، وفي سبيل تحقيق ذلك، تمضي أبوظبي قدمًا في إنشاء بنية تحتية في مجال الأمن والطاقة في المنطقة بوتيرة سريعة، من إريتريا وأرض الصومال إلى قبرص وميناء بنغازي الليبي”.
كما أنّه بات واضحًا أنّ جزءًا من مشاركة الإمارات في التحالف العسكري “عاصفة الحزم”، هدفه السيطرة على موانئ “عدن” واستعادة أمجاد الاحتلال البريطاني على يديها.
وبعد ثلاث سنوات من عاصفة الحزم أصبحت الإمارات تسيطر على موانئ جنوب اليمن، من المكلا شرقًا وحتى عدن غربًا، إلى الموانئ الغربية للبلاد، فيما تستمر المساعي للسيطرة على ميناءي المخا والحُديدة، كما أنها تسيطر أيضًا على مصافي النفط والغاز.
كذلك لا يمكن أبدًا إغفال تمدُّد النفوذ الإماراتي نحو الجنوب الشرقي، باتجاه الحدود العمانية تحديدًا، الغريم التقليدي لدولة الإمارات، وهو الذي ظلّ حلمًا عتيقًا لآل نهيان، وقد حلت الفرصة المثالية بالنسبة لهم ليصبحوا حاضرين فعليًا على حدود سلطنة عُمان.
اضف تعليقا