تقف محافظة حضرموت الشرقية الاستراتيجية والغنية بالنفط في اليمن عند نقطة تحول حرجة، حيث تتصاعد الخلافات بين الجماعات السياسية والعسكرية المتنافسة. وقد اكتسبت القوات الداعمة لحكومة الرئيس “عبدربه منصور هادي” المعترف بها دوليا مكانة بارزة في شمال المنطقة (سيئون ووادي حضرموت)، في حين أن قوات النخبة الحضرمية، التي تدعم المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي وتلعب دورا رئيسيا في قتال القاعدة في شبه الجزيرة العربية، استولت على طول الساحل الجنوبي (في المكلا وحولها). ويتزايد خطر الاشتباكات داخل المنطقة، مع ظهور اثنين من الفصائل المتنافسة في حضرموت
وفي 13 أبريل/نيسان، عقد الرئيس “هادي” جلسة لمجلس النواب لأول مرة منذ بداية الحرب في عام 2015. واجتمع الممثلون لانتخاب رئيس جديد – تم انتخاب “سلطان البركاني” من المؤتمر الشعبي العام، حزب الرئيس السابق “علي عبدالله صالح” ووضع جدول الأعمال التشريعي المستقبلي. وقد أُجريت الانتخابات الأخيرة للبرلمان اليمني المكون من 301 مقعدا في عام 2003 وتم تمديد ولايته عام 2009 بسبب الخلافات السياسية. كان موقع هذا التجمع الأخير ذو أهمية خاصة، حيث اختار “هادي” عقده في مدينة سيئون، وليس عدن، التي كانت العاصمة اليمنية المؤقتة منذ الانقلاب الحوثي في صنعاء عام 2015.
وفقا للتقارير الإخبارية، فإن السلطات المحلية في عدن لم تسمح لـ”هادي” باستضافة الاجتماع هناك، وهو قرار يؤكد مدى خطورة التوازن داخل المدينة. لا تزال عدن مقسمة بين بعض المناطق “الموالية لهادي” والعديد من المناطق “الموالية للإمارات”. ومع ذلك، فإن اختيار سيئون كمكان للاجتماع يؤكد اعتراف “هادي” بالدور المركزي لحضرموت في اليمن الموحد، وفي الوقت نفسه، كان بمثابة رسالة واضحة إلى المجلس الجنوبي حول تطلعاته الانفصالية.
ولا تزال الولاءات العسكرية في شمال حضرموت متقلبة. على سبيل المثال، تحول الجنرال “عبدالرحمن الهليلي”، القائد السابق للمنطقة العسكرية الأولى واللواء المدرع السابع والثلاثون، من موال لـ”صالح” إلى داعم لـ”هادي”. وكان هو واللواء “علي محسن الأحمر”، نائب الرئيس “هادي” ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، يتمتعان بدعم عسكري في المنطقة؛ وكذلك حزب الإصلاح (الذي يضم أعضاء محليين في جماعة الإخوان المسلمين وبعض السلفيين) الذين تسيطر ميليشياتهم القبلية على المعبر الحدودي مع المملكة العربية السعودية وكلاهما مدعوم من المملكة.
على الرغم من انتشار العناصر الفاعلة العسكرية، لا يزال الأمن مصدر قلق. في عامي 2017 و 2018، قُتل اثنان من أفراد قبيلة الكاثري البارزة في سيئون، كان أحدهما ينتمي إلى حزب المؤتمر الشعبي العام على أيدي مهاجمين مجهولين في المقاطعة. وقبل سفر “هادي” من الرياض إلى سيئون للمشاركة في الجلسة البرلمانية، ذُكر أن القوات السعودية ووحدات الحماية الرئاسية اليمنية قد اجتاحت سيئون لتأمين وجوده.
وقد أدان الحوثيون اجتماع سيئون، وعقدوا جلسة موازية لـ”البرلمان” في صنعاء في نفس اليوم، لانتخاب مندوبيهم لما لا يقل عن 35 مقعدا شاغرا. حتى أنهم ذهبوا إلى حد إطلاق طائرة بدون طيار ضد مطار سيئون في 11 أبريل/نيسان، وتم اعتراضها وإسقاطها بصاروخ باتريوت سعودي.
على الرغم من أن برلمانيين من المجلس الجنوبي قرروا الانضمام إلى الجلسة في سيئون، فقد انتقد قادة اللجنة بشدة اجتماع هادي البرلماني. وبحسب ما ورد تجمع مئات من أنصار المجلس في سيئون قبل الجلسة للاحتجاج على الحكومة المعترف بها دوليا، وهدد نائب رئيس اللجنة، هاني بن بريك، بالانتقام من أنصار هادي إذا هاجمت قوات الأمن مؤيديه.
تنافس سعودي إماراتي
بالإضافة إلى قضية الشرعية المؤسسية الواضحة، ألقت المناوشات حول الاجتماع في سيئون مزيدا من الضوء على الانقسام في حضرموت حيث تنقسم المحافظة في الواقع السياسي إلى منطقتين متميزتين، مع قوات عسكرية متنافسة وداعمين خارجيين مختلفين، أحدهما سعودي والآخر إماراتي.
من ناحية، تدعم المملكة العربية السعودية قوات مرتبطة بهادي في الشمال، في سيئون ووادي حضرموت ويبدو السعوديون ملتزمين بمصير حكومة “هادي” المعترف بها، لكنهم يهدفون أيضا إلى حماية حدودهم التي تتعرض لضغوط شديدة من هجمات الحوثيين والكمائن إلى الغرب (حول جازان وعسير ونجران).
من ناحية أخرى، تدعم دولة الإمارات قوات النخبة الحضرمية، التي يتم نشرها على طول الساحل الجنوبي للمحافظة. وقد قام الإماراتيون بتنظيم وتدريب وتجهيز قوة النخبة اليمنية، والتي لعبت دورا حاسما في طرد القاعدة في جزيرة العرب من المكلا في عام 2016، ومن ثم الحد من بؤر الجهاد في الداخل. ومن خلال القيام بذلك، تمكنت الإمارات من اكتساب نفوذ جيوسياسي جديد بشكل غير مباشر على الموانئ التجارية والمواقع العسكرية ومحطة النفط في حضرموت (بئر علي)، فضلا عن اكتساب عمق استراتيجي نحو المحيط الهندي.
على الرغم من أجنداتهما المتعارضة في جنوب اليمن من المرجح أن تتوصل المملكة العربية السعودية والإمارات إلى حل سياسي وسط بشأن حضرموت، وتوافق بشكل غير رسمي على تعزيز مجالات نفوذهما “الشمالية” و “الجنوبية” الناشئة داخل المحافظة من أجل تحقيق مصالح كل منهما.
ومع ذلك، قد لا تكون الجماعات السياسية والميليشيات المحلية حريصة للغاية على التسوية، لأنها تحاول الاستفادة من فوضى الحرب والمحسوبية الخارجية. علاوة على ذلك، قد تكون هناك عقبات أخرى للتغلب عليها فالعديد من القوات المنتشرة في شمال حضرموت تربطها صلات قوية بشبكات القوة التي تتخذ من صنعاء مقرا لها بقيادة عائلة “صالح” و”علي محسن” وغالبا ما يُنظر إلى هذه الشبكات على أنها موالية للشمال من قبل معظم الحضرميين، في حين أن قوات النخبة الحضرمية لها جذور عميقة في النسيج القبلي المحلي. وإذا استمر الرئيس “هادي” والمجلس الجنوبي في الاختلاف على مستقبل اليمن والإطار السياسي، فمن المرجح أن تندلع الاشتباكات في حضرموت. ومن المثير للاهتمام، أن هذا يمكن أن يحدث بشكل رئيسي بين القوات النظامية، لأن قوات النخبة في حضرموت أصبحت الآن جزءا تقنيا من الجيش اليمني وهو ما يكمن وراء تعقيد توازن الأمن الهش في اليمن.
اضف تعليقا