العدسة_ أحمد عبد العزيز
تعيش المملكة العربية السعودية، واحدا من أخطر أيامها التي مرت عليها طوال تاريخها القصير، والذي قد يكون سببا في نهاية حكم آل سعود، نتيجة التطورات المفاجئة والمتسارعة التي تضرب المملكة، والتي كان آخرها، ما اعتبر أكبر انقلاب في البيت السعودي منذ إنشاء الدولة السعودية الثالثة، وهو القبض على عدد من الأمراء والوزراء ورجال الأعمال بتهم الفساد وغسيل الأموال.
الخطوة التي هزت الشارع السعودي، تم إخراجها بشكل ركيك، فضح الأبعاد السياسية لها، فبعدما أعلن الملك سلمان بن عبدالعزيز عن تشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد محمد بن سلمان، لحصر جرائم الفساد العام والتحقيق فيها، تم الإعلان وبشكل سريع ومفاجئ، عن القبض على عشرة أمراء وعدد آخر من الوزراء الحاليين والسابقين والمسؤولين الكبار في الدولة ورجال الأعمال، بعدة تهم، منها الفساد والاختلاس وغسيل الأموال وعقد صفقات سلاح وتقديم رشاوى.
دبر بليل
وقد كشف التدفق السريع والمريب للأحداث، أن الأمر أعد من قبل، وأن غرضه سياسي بحت، وليس بهدف التطهير أو محاربة الفساد.
وبالرغم من أنه لا يخفى على أحد داخل السعودية أو خارجها، أن محمد بن سلمان شخص غير مرغوب فيه داخل الأسرة، ويواجه رفضا كبيرا بشأن توليه قيادة المملكة خلفا لوالده الملك سلمان الذي يعاني كثيرا من الأمراض، إلا أن اللافت هو تطور الصراع ووصوله بين الأمراء أنفسهم إلى هذه الدرجة الفجة، حيث لم يتحرج بن سلمان في أن يرسل جنوده إلى ابن عمه الذي يكبره في السن الوليد بن طلال، ليقتادوه إلى مكان غير معلوم…
الصراع الخفي بين بن سلمان وابن عمه الوليد بن طلال، هو أحد أمثلة الجبهات التي قاتل عليها بن سلمان داخل الأسرة في طريقه الدامي إلى كرسي الحكم.
صراع مع “الوليد”
وقد انكشف الصراع بين الرجلين بشكل واضح في وقت سابق، عندما تم تعيين بن سلمان في منصب ولي ولي العهد، حيث سارع الوليد بكتابة تغريدة، أعلن فيها مبايعته للملك وولي عهده حينها محمد بن نايف، بينما اكتفى بـ”تهنئة” بن سلمان على منصبه الجديد، دون أن يبايعه صراحة.
وبالرغم من أن بن سلمان، تجنب الاصطدام مع الوليد بعد هذه الفترة، ربما لعدم قدرته على مواجهة كل أعداءه في وقت واحد، في ظل كثرتهم داخل الأسرة التي لا يخفي الكثيرين من أبنائها معارضتهم لهذا الشاب صغير السن، إلا أن الأحداث كشفت أن بن سلمان لم ينس للوليد هذا الموقف، وكان يتحين فقط الوقت المناسب للانقضاض عليه، وهو ما حدث بالفعل.
كما لم يتورع الرجل عن القبض على اثنين من أبناء الملك السابق عبدالله بن عبدالعزيز، أحدهما –وهو الأمير متعب- كان حتى صباح اليوم أميرا للحرس الوطني.
تاريخ من الصراعات الأسرية
الانقلابات ليست جديدة داخل الأسرة السعودية، فدائما ما كانت تنفجر التحركات الغاضبة بين الحين والآخر بين أبناء عبدالعزيز، ولكن أغلب هذه التحركات كان يتم إجهاضها في مهدها…
وكان أخطرها على الإطلاق، هو ما شهدته المملكة في نهاية الخمسينات من القرن الماضي من أحداث، والتي تزامنت مع ظهور ما عرف بـ”الأمراء الأحرار”، وهي الأحداث التي انتهت بقيام الأمير فيصل -حينها- بعزل أخيه الأكبر الملك سعود عن الحكم وتنصيب نفسه ملكا بدعم من غالبية الأمراء ورجال الدين.
وكانت حركة الأمراء الأحرار التي تزعمها الأمير طلال بن عبدالعزيز -والد الأمير الوليد بن طلال الذي ألقي القبض عليه- تهدف إلى إنشاء حكم دستوري وبرلماني في البلاد وفصل الأسرة الحاكمة عن الحكم، وإجراء بعض الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، إلا أنه تم التصدي لهذه الحركة من قبل الملك فيصل، الذي جردهم من ألقابهم الأميرية ونفاهم خارج السعودية، قبل أن يتم العفو عنهم لاحقا وإعادتهم إلى البلاد.
أما الملك سعود، فقد تكالبت عليه الأمراض في أيامه الأخيرة، حتى صدرت فتوى من كبار العلماء في المملكة، تنادي ببقاء الملك سعود في منصبه، على أن يقوم الأمير فيصل بن عبدالعزيز -ولي العهد حينها- بتصريف أمور الدولة، ثم أصبح فيصل نائبا عن الملك في حال غيابه أو حضوره، قبل أن يتمدد الخلاف بين فيصل وسعود، وينتهي إلى خلع الملك سعود عن الحكم وتولية فيصل ملكا جديدا للبلاد.
انقلاب مكتمل الأركان
كما اعتبرت عملية الإطاحة بالأمير محمد بن نايف من جميع مناصبه، بمثابة انقلاب مكتمل الأركان، حيث تمت إزاحته من ولاية العهد، ليخلو الطريق لمحمد بن سلمان في الوصول إلى كرسي العرش وخلافة والده.
ولم يتحرج بن سلمان في استخدام كل الوسائل المتاحة لضمان نجاح انقلابه، حتى أنه سرب لبعض وسائل الإعلام العالمية، أن عملية إقالة بن نايف، جاءت لا لأسباب سياسية، وإنما جاءت بعدما رفض الأخير الإقلاع عن “إدمان المسكنات” زاعما أن بن نايف استسلم للإدمان الذي بات يؤثر على إدارته لوزارة الداخلية ولمختلف المناصب التي يتولاها!
الانقلاب الأخير
وتأتي هذه الخطوة المفاجئة من بن سلمان، بمثابة إنذار وترهيب لجميع الأمراء الآخرين، الذين يعارضون توليه منصب ولي العهد، وبالتأكيد يعارضون وصوله إلى كرسي الملك بالتبعية، في ظل وجود أمراء من أبناء عبدالعزيز آل سعود، هم أحق بالملك منه طبقا للعرف الذي جرت عليه المملكة منذ تأسيسها.
وبالتالي، سيكون على الأمراء إما أن يختاروا الخضوع والاستكانة، والاعتراف بفوز بن سلمان بعد هذه الضربة الباطشة، وبالتالي جلوسهم أمام الشاشات لمشاهدة مبايعة بن سلمان في أقرب وقت ممكن، قبل أن يساقوا مجبرين لأداء المبايعة بأنفسهم، وإما أن يختاروا الصدام والتحرك بشكل درامي مفاجئ لوقف بن سلمان وكبح جماحه، كما كان يحدث في بعض الأحيان في الماضي.
ولكن الأزمة الحالية، تختلف في كونها غير مسبوقة، بسبب عدة عوامل، أهمها وأخطرها، هو أن الأسرة السعودية الآن لم تعد كما كانت في الماضي، محدودة العدد ومحدودة القوة، فالآن يوجد الآلاف من الأمراء من نسل عبدالعزيز آل سعود، ينتشرون في كافة مفاصل الدولة، كما ينتشرون في العديد من بلدان العالم، ولكل منهم اتصالاته واستثماراته وعلاقاته، ولكل منهم قبل كل ذلك طموحاته.
ما يعني أن اشتعال الصراع في الوقت الراهن، مع بداية خروجه للعلن بهذا الشكل الفج، يعني أن النيران قد تمسك في الأسرة الكبيرة وتأتي عليها بسرعة لا يتوقعها أحد.
فالجميع سوف يدخل المعركة، إما طمعا في مكسب، أو انحيازا لطرف على حساب آخر، وسوف يضرب الجميع في بعضه البعض، وينتهي الفرح والكل خاسرون.
ما يعني أن هذا الانقلاب، وإن لم يكن الأول، فإنه سيكون الأخير بكل تأكيد داخل هذه الأسرة، التي أوشكت على نهايتها.
اضف تعليقا