العدسة – جلال إدريس

(الأزمة الخليجية القائمة ناتجة عن رغبة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي  في الحصول على ثروة قطر، لذلك أدعوا القطريين في المحافظة على السلطة في بلادهم، وعدم تخريبها من أجل الأموال)

بتلك الكلمات المقتضبة، كشف “المواطن القطري الشيخ عبد الله آل ثاني”، تفسير اللغز الكبير لعملية “الحصار المستمرة على قطر” منذ عدة أشهر، وأسباب استمرارها إلى اليوم، رغم كافة الجهود الرامية لحل الأزمة.

التسجيل الصوتي الجديد للشيخ “عبد الله آل ثاني”، تحدث فيه الرجل عن محاولته الانتحار للتخلص من الضغوط التي تعرض لها، أثناء تواجده بالإمارات، وكشف فيه بوضوح النوايا الحقيقية للمسؤولين في الإمارات والسعودية تجاه قطر، وأهدافهم من هذا الحصار الشديد على بلدهم الشقيق قطر.

المسألة لخصها الشيخ “عبد الله آل ثاني” بقوله: (إن بن زايد وبن سلمان) طامعين في أموال القطريين وأنهم مارسوا ضغوطا عليه غير مسبوقة ليكن وسيلتهم في الإستيلاء على تلك الأموال، لكن الرجل رفض، فكان مصيره الاحتجاز في أبو ظبي، فلم يجد بدا للتخلص من هذا الاحتجاز سوى “الانتحار” والتخلص من الحياة، لولا عناية الله التي أنقذته بعد ذلك، ليتم نقله من الإمارات إلى الكويت.

ألغاز وتساؤلات كثيرة عن “تسجيل الانتحار” للشيخ عبد الله آل ثاني، والأهداف الحقيقية لحصار قطر، ومطامع “بن سلمان وبن زايد”، ومصير الأزمة القطرية بعد احتجاز “آل ثاني” وإخلاء سبيله.

كل هذا وغيره تحاول “العدسة” تفسيره في التقرير التالي من خلال قراءة مابين السطور في تلك الأحداث المتسارعه.

القصة من أولها

الشيخ عبد الله آل ثاني وبن سلمان

الشيخ عبد الله آل ثاني وبن سلمان

ولقراءة الأحداث بشكل دقيق، يجب العودة أولا، إلى بداية الأزمة بين دول الحصار وقطر، حيث قررت دول الحصار المتمثلة في (السعودية الإمارات البحرين مصر)، في منتصف العام الماضي، فرض حصارا غير مسبوق على دولة “قطر” برا وبحرا وجوا”، لإجبارها على الموافقة على عدة شروط وإملاءات كانت في بداية الأمر 13 شرطا، ثم تقلصت لثلاثة شروط أو أقل، ثم سرعان ماتحولت المسألة للرغبة في كسر الإرادة السياسية لقطر، وإرغام القطريين على السير تحت عباءة (السعوديين والإماراتيين) على وجه الخصوص.

قطر رفضت الإملاءات، ورفضت الاستسلام أيضا، فحركت دبلوماسيتها الخارجية، لفك الحصار، ونجحت في ذلك عن طريق تحركها العاجل والسريع في كافة الاتجاها، وأبطلت المزاعم الخليجية بدعم الإرهاب، وساندتها في التخلص من الحصار الاقتصادي أطراف ودول عدة، أبرزها “تركيا”.

وبعد انهيار أحلام دول الحصار في إخضاع قطر، لجأت دول الحصار للشيخ عبد الله آل ثاني، كواحد من أفراد الأسرة الحاكمة في قطر، فحاول نظاما (بن سلمان في السعودية وبن زايد في الإمارات) دعم الرجل وتلميعه، كشخصية بديلة لحاكم قطر الحالي “الأمير تميم بن حمد”.

استمر هذا التلميع والتنجيم في وسائل الإعلام الخليجية، وأطلق على الشيخ آل ثاني، أوصافا عدة من بينها ( وسيط الخير) وحاكم قطر الجديد، وغير ذلك من الألقاب والأوصاف، ليختفي الرجل لمدة أسابيع، ثم ظهر في فيديو مفاجئ بتاريخ 14 من يناير الجاري، تحدث فيه الرجل من العاصمة الإماراتية “أبو ظبي” عن احتجازه، ومنعه من السفر والعودة إلى بلده قطر.

تسجيل “آل ثاني”، أثار جدلا واسعا، وأعاد إلى الأذهان، تسجيل “المرشح الرئاسي المصري أحمد شفيق من الإمارات، وتسجيل رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري من السعودية”، لينضم الرجل إلى قائمة سلسلة احتجاز السياسين في دول الخليج.

وعقب بث الفيديو، نفت الإمارات احتجاز الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني، وزعمت أن الأخير حل ضيفا وهو ، وأصدرت بيانا قالت فيه إنه غادر الدولة، ثم سحبت البيان مرة أخرى، وأصدرت بيانا آخر قالت فيه إنه ” حر التصرف بتحركاته”، فيما قالت قطر إنها “تراقب الموقف عن كثب”.

لكن في اليوم التالي، أعلنت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر، أنها تلقت شكوى من عائلته تؤكد فيها استمرار حجزه وتقييد حركته من قبل السلطات الإماراتية، وهو الأمر الذي وضع علامات استفهام كثيرة عن أسباب احتجازه في الإمارات.

محاولة الانتحار

بعد الضجة الكبرى، التي أثيرت عربيا ودوليا عن احتجاز “الإمارات” للشيخ عبد الله آل ثاني، وصل الرجل الثلاثاء الماضي 16 يناير إلى الكويت بعد مغادرته أبو ظبي، الذي كان محتجزا بها، وفور وصوله تم نقله إلى المشفى العسكري، حيث كانت حالته الصحية غير مستقرة.

لكن المثير في الأمر أن الرجل ظهر خلال سفر إلى الكويت وهو يجلس على كرسي متحرك، وهناك ضمادة حول يده، الأمر الذي زاد من الغموض بشأن ما تعرض له الرجل في “أبو ظبي من ضغوط”.

وأمس الجمعة 19 يناير 2018، فك الرجل “لغز” الضمادة التي كانت حول يديه، حيث خرج له تسجيل صوتي يتحدث فيه عن تعرضه لضغوط شديدة في الإمارات، أفضت في نهاية الأمر إلى قيامه بمحاولة انتحار للتخلص من حياته، بعدما عجز عن التخلص من تلك الضغوط.

الرجل لم يتحدث صراحة عن طبيعة تلك الضغوط، لكن أشار إلى أن الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي، ليس له دخل في هذا موضوع الانتحار من ناحية قتلي، لكن ضالع في الضغط عليه وحجزه، ومنعه هو وبناته من العودة لبلده قطر.

“الشيخ عبد الله آل ثاني” ألمح إلى أنه قرر التضحية بنفسه، لكي لا يلحق أي أذى بالآخرين، وفقا لقوله، مشيرا إلى أن لا يستطيع أن يرى أي أذى بشخص أحبه من أجل مجرد شخص آخر يمتلك القوة، وهو ما يعني أن هدد بتعريض حياة بناته أو أولاده للخطر، إن لم يرضخ للمطالب الإمارتية.

“بن زايد” و”بن سلمان” طامعان

بن زايد وبن سلمان

بن زايد وبن سلمان

وخلال التسجيل تحدث الشيخ عبد الله آل ثاني، عن أنه خُدع في “محمد بن سلمان ولي عهد السعودية، مُثنيا على والده الملك سلمان، بينما وصف ولي عهده بالمخادع”.

كما لخص الرجل المشكلة القائمة بين قطر ودول الخليج، في أن دول الحصار تطمع في أموال القطريين، دون أن يوضح حقيقة هذا المطمع، لكن قال بالنص: “أما بخصوص الأزمة فالأزمة قائمة على مصالح ورغبة الأمير محمد بن سلمان ومحمد بن زايد الحصول على ثروة قطر”.

مراقبون فسروا عبارة “رغبتهم في الحصول على ثروة قطر” بإن “بن سلمان وبن زايد” كانا يطمعان في أن تساندهم قطر وتدفع لهم أموالا، في إطار الحرب التي يخوضونها حاليا في اليمن، وهي الحرب التي استنزفت السعودية بشكل كبير، كما أرهقت الإمارات أيضا، وكانا يسعيان إلى أن تسد قطر العجز في تلك الحرب، لكنها رفضت ذلك.

فيما أكد مدير المعهد الخليجي في واشنطن علي آل أحمد، أن محتوى التسجيل يؤكدأن الهدف من الأزمة الخليجية هو ثروة القطريين، وتحديدا طمع السعودية والإمارات في “45 ترليون دولار من احتياطي قطر من الغاز، والتي تعادل ميزانية السعودية 200 سنة”.

فيما يرى آخرون أن تعبير الرجل إشارة إلى غضب “الإمارات والسعودية” من عدم دفع “قطر” عشرات المليارات للرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، كالتي دفعها كل من “بن زايد” و”بن سلمان”، خلال زيارته للمنطقة، عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

نجاسة وخسة وفضح الألاعيب

علي نجل الشيخ عبد الله آل ثاني

علي نجل الشيخ عبد الله آل ثاني

وفي أول تعليق له على تسجيلات والده، قال علي نجل الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني: “تسجيلات والدي تبين نجاسة وخسة نظام أبو ظبي وعلى رأسه محمد بن زايد”.

وأردف في تغريدة أخرى: ”وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا “، ما تشوف شر يابو محمد، وستظل دائماً مصدر فخري واعتزازي، وأما محمد بن زايد فقد عاث في الأرض فسادا، ولا بد له من يوم، وسوف يشهد التاريخ على ذلك إن شاء الله، أدعو الله أن يديم نعمة الأمن والأمان، وأن يحفظ #تميم_المجد رجل المواقف المشرفة”.

مراقبون أكدوا أيضا أن التسجيلات فضحت ألاعيب دول الحصار ضد قطر، وأن الادعاء بأن الحصار على قطر هو من أجل إرغامها على وقف دعم الإرهاب، ليس إلا أكذوبة كبرى، حيث اتضح بصورة جلية أن الحصار له أهداف ومآرب أخرى غير المعلن عنها.

وفي السياق ذاته، أكد مراقبون أن ما كشفه الشيخ عبد الله، خلال الأسبوع الأخير، يقلب الطاولة على دول الحصار ويفضحها أمام العالم، وهو الأمر الذي ربما دفع الإمارات للادعاء بأن مقاتلات قطرية اعترضت إحدى طائراتها، في محاولة منها للتغطية على فضيحة احتجاز “آل ثاني”.