العدسة_ بسام الظاهر

لم تنته المعركة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” التي بدأتها قوات التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة، على الرغم من هزيمة التنظيم وطرد عناصره من مراكز ثقله في العراق وسوريا.

ولكن بدأت معركة أشد خطرا على دول العالم وسط تخوفات كبيرة جدا في الدول الغربية، وتحديدا أوروبا، من عودة مواطنيها من مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية”.

وتراجع التنظيم في مناطق نفوذه وخسارته مساحات كبيرة من الأراضي التي كان يسيطر عليها، وتضييق الخناق عليه حتى الشتات في مناطق متفرقة وسط ضعف لقدراته العسكرية التي امتاز بها بداية من 2014، ستجبر عناصره على الفرار بانتظار معركة أخرى.

Related image

البغدادي

أشباح داعش

المعركة التي ينتظرها العالم خلال الأشهر القليلة المقبلة ليست عسكرية في الأساس، ولكنها أمنية استخباراتية من طراز فريد، وتشكل تحديا شديدا للأجهزة الأمنية في كل الدول.

بعد شتات عناصر “الدولة الإسلامية” وعدم وجود موطئ قدم لهم في العراق وسوريا إلا في نطاقات صغيرة، تبدأ مرحلة جديدة من عمر هذا التنظيم، تعتمد في الأساس على التحرك الفردي وليس الجماعي.

بعد انتهاء أي نزاعات وحروب مع تنظيمات جهادية في منطقة ما –بحسب الخبرات السابقة-، وهزيمة هذه التنظيمات تبدأ عناصرها التي جاءت من دول كثيرة في العودة لأوطانهم مرة أخرى.

وفي هذه العودة يبقى التحدي الأكبر، خاصة وأن هذه التحركات تكون فردية غير مرصودة تماما، وهو ما يجعل تلك العناصر عبارة عن “أشباح” في ظل عدم وجود بيانات كافية عنهم.

التحذيرات من هذا الخطر المرتقب، ليست وليدة اللحظة، ولكنها بدأت من منتصف العام الماضي، إذ حذر مدير لجنة الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب “جان بول لابورد”، من خطر عودة عشرات الآلاف من المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيم إلى بلادهم الأصلية.

وأشار لابورد، إلى أن عدد المقاتلين الإرهابيين الأجانب كبير جدا في العراق وسوريا وهم قرابة 30 ألفًا.

ورجح “احتمال ارتكاب أولئك المقاتلين، في حال عودتهم إلى بلادهم، هجمات إرهابية قوية”, داعيا إلى اعتماد نظام يمكن الدول من التمييز بين المقاتلين الأجانب غير الخطرين والمقاتلين الخطرين.

Related image

مقاتلين داعش

رعب في أوروبا

خط سير عودة المقاتلين إلى بلدانهم الأصلية غير محدد بالتأكيد، نظرا لاستخدام وسائل خاصة بالتنظيم في تنقل مقاتليه بين دول وأخرى، وجزء من هذا لا يزال خفيا.

مسألة عودة مقاتلي “الدولة الإسلامية” الأجانب إلى بلدانهم ربما بدأت قبل أشهر طويلة، خاصة مع ما تشهده أوروبا تحديدا من تصاعد العمليات المسلحة والدهس والطعن في عدة بلدان.

وقتل ما لا يقل عن 290 شخص وإصابة 1478 آخرين في هجمات تنظيم “الدولة الإسلامية” في عدة دول أوروبا، مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا وبلجيكا.

كل هذه العمليات ولم يكن هناك حديث عن عودة المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم، ولكن ربما بدأ التنظيم إيفاد عناصره الأجانب إلى أوطانهم، والعمل ضمن خلايا نائمة بعد حصولهم على تدريبات معينة لتنفيذ تلك العمليات المسلحة.

وهذا سيناريو لم تستبعده أمريكا، أن يكون سبب الهجمات الإرهابية المتكررة في الدول الأوروبية مع عودة أوروبيين قاتلوا في سوريا والعراق إلى أوطانهم.

ورأت السلطات الأمريكية أن احتمال شن هجمات إرهابية في أوروبا سيبقى واردا مع عودة أوروبيين التحقوا بصفوف “داعش” من سوريا والعراق.

مكمن الرعب الأوروبي تحديدا في نقطتين، أولا: هذا الكم الكبير من العمليات والخسائر البشرية والمادية، ولم تظهر حركة عودة الأوروبيين إلى بلدانهم، فماذا الحال لو عاد أغلبهم؟، ثانيا: هذا العدد الكبير من المقاتلين الأجانب، وتحديدا الأوروبيين، في صفوف تنظيم “الدولة الإسلامية”.

مجلة “نيويوركر” الأمريكية، أشارت إلى انضمام 7400 شخص من الغرب للتنظيم المسلح بينهم 5000 من أوروبا، منهم20% إلى 30% عادوا إلى بلدانهم، إذن كان لهذه القارة نصيب الأسد من المقاتلين الأجانب، بما يضاعف الأعباء عليها.

ولكن الغريب أن  المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب، جيل كيرشوف، اعترف بعودة نحو 1500 مقاتل من تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى بلدانهم في أوروبا.

وأضاف كيرشوف أن أوروبا بحاجة إلى تعزيز إجراءات حماية الحدود، لمواجهة المشاكل المعقدة والمتفاقمة المرتبطة بالعودة المحتملة للمقاتلين الأوروبيين.

وبدأت الدول الأوروبية تفطن للخطر الحقيقي من “العائدين”، إذ نظمت الدول السبع اجتماعا على مستوى وزراء داخلية (إيطاليا وكندا وفرنسا وألمانيا واليابان وبريطانيا والولايات المتحدة)، إضافة للمفوضين الأوروبيين ديمتريس افراموبولوس (الهجرة) وجوليان كينغ (الأمن)، فضلا عن الأمين العام للإنتربول الألماني يورغن ستوك.

وتستضيف إيطاليا  الاجتماع الذي عقد قبل أيام، والذي يستعرض احتواء خطر عودة مقاتلي “داعش”، ومكافحة الإرهاب على صفحات النت.

ولكن أمريكا كانت أقل قلقا من أوروبا، خاصة وأن أعداد مواطنيها الذين انضموا لـ “الدولة الإسلامية” لم يكن كبيرا، في حدود 250 أمريكيا، نجح منهم حوالي 129 شخصا في الانضمام، وبعضهم منع من السفر.

Image result for ‫القادة العرب‬‎

قادة الدول العربية

تخوفات عربية

الرعب الذي يسيطر على أوروبا رغم كونها بعيدة عن دائرة الصراع، كان بسبب تخوفات من انتقال جزء منه إليها، ولكن التخوفات العربية كانت أكثر، خاصة وأن المنطقة تشهد صراعات ونزاعات مسلحة كبيرة.

وبحسب بعض الإحصائيات فإن ما لا يقل عن 5600 شخص من 33 دولة عادوا إلى بلدانهم، ولكن معظم الدول لم تقم بإحصاء العدد بعد، بحسب تقارير أمريكية.

وكشفت التقارير، أن هناك آلافًا ممن قاتلوا مع التنظيم عالقون على الحدود مع تركيا والأردن والعراق، ويعتقد أنهم يحاولون العودة إلى بلدانهم.

ولكن خطورة الوضع بالنسبة للمنطقة العربية، هو وجود بؤر توترات ونزاعات تصلح لانتقال هؤلاء المقاتلين إليها بحثا عن معارك جديدة بعيدا عن سوريا والعراق، وفي هذا المقام تبرز ليبيا كنقطة تجمع في إفريقيا، أو آسيا، وتحديدا في الفلبين، كما أن هناك تمركزات لتنظيم “الدولة الإسلامية” فيما يعرف بـ “ولاية خراسان”.

وبحسب إحصائيات أمريكية فإن أكثر من 40 ألف شخص من 110 بلد  سافروا منذ عام 2011 للانضمام لتنظيم الدولة، إضافة للمقاتلين من العراق وسوريا.

وتسود التخوفات من انتقال هؤلاء المقاتلين إلى شمال إفريقيا، خاصة وأن مصر تشهد تزايدًا في العمليات المسلحة، والتي كان آخرها مقتل ما يزيد عن 50 شرطيا بينهم عدد كبير من الضباط في اشتباكات على طريق الواحات الجمعة الماضية، وليبيا تشهد أوضاعا متوترة صعبة وربما تشهد تعقيدات أكثر مع انتقال مقاتلي التنظيم المسلح إليها.

تونس أيضا تتخوف من هذه العودة المرتقبة، خاصة وأن مواطنيها من أكثر الجنسيات انضماما لـ “الدولة الإسلامية”، وهو ما دفع الجزائر إلى التحذير من هذا الخطر عبر وزير خارجيتها عبد القادر مساهل.

وقال مساهل: “هذه التهديدات تشغلنا في منطقة غرب إفريقيا، باعتبارها أكثر المناطق استهدافا من الإرهاب”، داعيا إلى قطع الطريق على تجمع تلك العناصر في منطقة واحدة.