على طريقة أفلام الزومبي (الموتى الأحياء)، شرع الجنرال عبد الفتاح السيسي في بناء عاصمته الإدارية الجديدة التي بشر بها نخبة أنصاره قبل نحو عامين كأحد مشروعاته القومية التي اقترنت بفضيحتي المؤتمر الاقتصادي وتفريعة قناة السويس.
المشهد الشهير في أفلام الزومبي، يتمثل حين يعزل الأصحاء أنفسهم عن الغوغاء في مدينة مستقلة، ويظل الصراع بين الجانبين طول الوقت قائما، بين المدينة الصاخبة بالأغاني والحفلات، وبين الموتى خارجها الذين يعيشون في أجواء الخوف والرعب والفقر والجوع.
هكذا يراد لمصر أن تكون في ظل مشروع السيسي الجديد، وسط أحاديث عن مبانٍ عملاقة لرجال الشرطة والقضاء والإعلام، ومدارس خاصة، وأندية وملاهي ومطارات صغيرة وملاعب جولف.. مدينة متكاملة، لن يحتاج قاطنوها للخروج منها سوى للمطارات الدولية أو لشاليهات شرم الشيخ.
أسوار وجدران
إقامة الأسوار حول القرى والمدن أصبحت من أرشيف التاريخ، ولكن في مصر عادت من جديد بعد الشروع في تشييد أكبر سور خرساني كثيف التسليح، بارتفاع يصل إلى 7 أمتار حول العاصمة الإدارية الجديدة، التي تبلغ مساحتها 170 ألف فدان.
الجدار العملاق يذكرنا بالقلاع العسكرية العتيقة في القرون السحيقة، أو المستوطنات الإسرائيلية المعزولة، رغم أنهم يقولون إنها ستكون مدينة عصرية على أحدث طراز لعموم الشعب المصري.
هذا السور ليس كأي سور، فهو أقوي وأعلى من الجدار العازل الذي بناه الإسرائيليون في فلسطين المحتلة، وهو أكثر قوة من جدران الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
أين الخطر؟
لماذا بنيت هذه الجدران؟ ومن الخصم المنتظر الذي يُتوقع أن تستهدف تلك الجدران عزله؟ بالتأكيد لم تُبن أسوار العاصمة الإدارية للحماية من هجوم خارجي، في قلب القاهرة!
إن الخطر الذي يراه من يقفون خلف العاصمة الجديدة يأتي من بركان الغضب الشعبي المحتمل انفجاره مع استمرار الإدارة الفاشلة على كل المستويات.
الشعب هو العدو!
بدا الأمر واضحا، فالغرض من تشييد هذه الأسوار -كما يبدو- هو حماية رموز الحكم والنخبة والأجانب خلف جدران العاصمة من أي انتفاضة شعبية قادمة.
إن اختيار مكان العاصمة الجديدة وسط الصحراء الشرقية، الذي يبعد عن القاهرة بمسافة 60 كم يجعل فرصة وصول المظاهرات إلى هذه القلعة المسورة مغامرة مستحيلة في هذه الصحراء المكشوفة.
بعيدا عن الشعب
باختصار، تعتمد الدعاية للعاصمة الجديدة على انتقاء ساكنيها المصطفين، أصحاب الدم النقي، بعيدا عن مشكلات العيش وسط الشعب المصري، فهي “مدينة مراقبة بأحدث وسائل المراقبة وأحدث الكاميرات منذ الخروج من بيتك إلى أن تعود إليه، فأنت ظاهر علي الشاشات”.
وتستقطب العاصمة الجديدة النخبة المترفة التي تبحث عن اللهو والرفاهية دون السفر إلى الغردقة وشرم الشيخ؛ فمن المتوقع أن تشهد العاصمة “حفلات غنائية راقصة على مدار اليوم لألمع نجوم الوسط الفني العربي والعالمي”، وسيتم تسويق ذلك لطمأنة النخبة الجديدة المصنوعة على عين النظام.
فصل عنصري داخلي
حقوقيا، تُعد العاصمة الإدارية بشكلها الحالي مشروع عنصري مكتمل الأركان، يخدم الطبقة المختارة يشبه المنطقة الخضراء في العراق، وسيكون لهم قانونهم الخاص، لأنهم طبقة فوق الشعب، ولا سلطة فوق سلطتهم.
لقطة مهمة كشفت عن الوضع الجديد حين تم الإفراج عن رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، المحكوم عليه بالسجن في قضية قتل، بعفو رئاسي لمجرد أنه اشترى أرضا في العاصمة الإدارية الجديدة.
عملية عزل
يقول الباحث الأكاديمي عامر عبد المنعم: “نحن أمام تخطيط ماكر لتأسيس عاصمة معزولة، بها طبقة دخيلة لا تنتمي لنسيج المجتمع المصري، ويفضح الانتقاء السكاني عملية العزل العنصري التي تجري”.
ويتابع في تقرير صحفي أن “التركيز على الأثرياء فقط وبمواصفات خاصة، واستقدام الأجانب بمن فيهم الإسرائيليين، يؤكد صناعة كيان عنصري له طبيعة خاصة”. ويشير إلى أن “الطرح الأول لفيلات تتراوح بين 3 و9 ملايين جنيه، وأقل شقة لا يقل سعرها عن المليون جنيه”.
الهروب الكبير
تبيع السلطة العسكرية الآن في مصر كل شيء للأجانب، وتصفي ممتلكات الدولة، وتستغل قرار الانتقال للعاصمة الجديدة كغطاء لبيع مقار الوزارات وممتلكات الحكومة والهيئات العامة.
ويبدو أن كل ما يرمز للدولة المصرية في وسط القاهرة سيباع، مثل مجمع التحرير الذي تم إخلاؤه، مبنى ماسبيرو، المتاحف والمناطق الأثرية، كل شيء سيتم تأجيره للمستثمرين الأجانب، وما تبقى من المرافق العامة مثل الكهرباء والمياه والنقل والسكك الحديدية يجري التهيئة للتخلص منها وتسليمها للشركات الأجنبية.
تندفع مصر بسرعة نحو حافة المنحدر؛ ويبدو أن مشهد النهاية التراجيدي الذي تنتهي به كل أفلام الزومبي بات قريبا، حين يقتحم الزومبي الثائرون قلاع الحصن المنيع، ويبدو أن هذا المشهد في مصر لم يعد بعيدا.
اضف تعليقا