العدسة – ياسين وجدي:

من شرم الشيخ إلى تونس.. ينشط العاهل السعودي المريض الملك سلمان بن عبد العزيز في الواجهة الخارجية للمملكة التي باتت تحت الملاحقة الدولية بسبب تصرفات نجله المتهورة بحسب وصف متواتر لدى المراقبين ومعظم الدول.

السؤال الآن: أين ذهب الابن وما الجديد الذي تحمله الأيام لولي العهد محمد بن سلمان في تصعيد أخيه خالد؟! وهو ما نحاول الإجابة عليه في سياق هذا التقرير الذي يحمل مؤشرات مهمة عن قرب إزاحة الملك سلمان.

زيارة تونس

زيارة لافتة للملك سلمان إلى تونس قبيل انعقاد القمة العربية الأحد، تأتي بعد مشاركته في مؤتمر شرم الشيخ في فبراير 2019، التي لعب فيها الملك دور الواجهة السعودية بما فيه من انكشاف له يثير علامات استفهام بحسب المراقبين خاصة أنه لم يكن وقتها غادر المملكة في أي زيارة خارجية، منذ زيارته إلى روسيا في أكتوبر 2017.

وترأس العاهل السعودي، وفد المملكة في القمة “العربية – الأوروبية” بشرم الشيخ ، بعد الاتفاق على منع ولي العهد السعودي من الحضور لضمان مشاركة أوروبية أكبر في ظل الاتهامات الموثقة ضد “محمد بن سلمان” بالإشراف على قتل الكاتب الصحفي الراحل جمال خاشقجي ، ولكن مشاركته سببت إحراجا رسميا وجدلا بعد ما تحدث عن دعم المملكة لحدود فلسطينية على أراضي ما قبل 1947 ، وهو ما نفته الوكالة الرسمية فضلا عن ظهور الضعف الصحي عليه.

رسميا فإن العاهل السعودي بحسب منصاته الرسمية ، سيرافقه في زيارة تونس وفدا يضم أكثر من ألف شخص من أجل الزيارة الثنائية و القمة العربية التي ستليها ندوة اقتصادية عربية صينية في 2 أبريل المقبل، وهو ما أثار جدلا وعلامات استفهام كثيرة حول العدد.

ومن المرجح بحسب تقارير سعودية أن تكون هذه الزيارة بحث استثمارات سعودية جديدة يبلغ حجمها حاليا ملياري دينار (600 مليون يورو) ، يناقشها العاهل السعودي مع الرئيس، الباجي قايد السبسي، ورئيس الوزراء يوسف الشاهد قبل أن يشارك في القمة ، قبل أن يطرح رؤية السعودية في المشهد والتي يبدو أنها لن تختلف عن شرم الشيخ.

ولكن يبدو أن الأب على درب ابنه في حشد الغضب ضده، حيث رفضت جامعة الزيتونة أبرز الجامعات بتونس طلبا مقدما من الرئاسة التونسية بشأن منح العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز الدكتوراه الفخرية رغم الضغوط الرهيبة عليها بحسب تقارير تونسية ، مبررة ذلك بضمان تحييد المؤسسة عن التجاذبات السياسية وأن للدولة طرقا أخرى لتكريم الملك السعودي.

كما شن رواد مواقع التواصل الاجتماعي هجوما على لافتات ترحيبية بالعاهل السعودي واعتبروها تملقا غير مقبولا من دولة ذات سيادة ،واستفزازا قد يؤدي لخروج مظاهرات ضده على غرار ما حدث لابنه، ما أدى إلى إعلان سليم المحرزي، رئيس بلدية المرسى بالعاصمة التونسية، إزالة الإعلانات فورا موضحا أنها تمثل إهانة إلى تونس وشعبها  حيث لا يجوز الترحيب بشخص دون غيره.

موقع “بن سلمان”

في التحرك الخارجي الأبرز للعاهل السعودي بعد ملاحقة ولي العهد دوليا في جريمة “خاشقجي”، كان القرار بأن يبقى “محمد بن سلمان” قائما بالأعمال احتراما وتفعيلا للحضور الأوروبي في شرم الشيخ ولكن هذه المرة علامات التعجب حضرت مع تصدر العاهل بحسب كثيرين.

ديباجة القرار في المرة الأولى كانت مثيرة للانتباه حيث قرر  الملك سلمان في أمره الملكي بأن ينوب ولي العهد، عنه في “إدارة شؤون الدولة ورعاية مصالح المواطنين، خلال فترة غيابه عن المملكة”، وهو ما جدد الحديث عن التمهيد للعرش، خاصة أن “محمد بن سلمان” أصدر ثلاثة أوامر ملكية باسم العاهل السعودي، أثناء الزيارة في حركة استعراضية وفق البعض.

هذه المرة يعزز حضور الملك سلمان ذات التساؤلات، وقد تكون أول الإجابات الحاضرة لدى البعض هو أن ولي العهد السعودي يغيب احتجاجا على مقابلته بمظاهرات مواقف رافضة للزيارة وملاحقات قضائية من منظمات وأحزاب تونسية في نوفمبر 2018  باعتبار أن له يدا في تصفية ” خاشقجي ” ومتورط في الانتهاكات الحقوقية السعودية والحرب المستمرة في اليمن.

لكن الإجابة الثانية تختلف تماما، وأطلقها الحساب الشهير “مجتهد”، حيث يرى أن هناك حملة ينفذها ولي العهد ، واستغفل فيها صحيفة “الجارديان” مرتين لإقناع العالم إن دور ابن سلمان في السلطة محدود، بهدف أن يعيد نشاط العلاقات مع الدول المهمة في العالم التي لا تريد التعامل مع بلد يقودها شخص متهم بجريمة دولية.

وأضاف “مجتهد” أن خطة ابن سلمان أن يعود دفء العلاقات السياسية والعسكرية والأمنية والدبلوماسية مع كل الدول المتحفظة عليه ، بحجة أن والده هو الذي يدير الوضع، وأنه بعيد عن القيادة، إلى أن يمكن تطبيع الوضع معه وقبوله في المشهد كما حصل مع القذافي بعد اتهامه بحادثة لوكربي.

في هذا السياق يمكن تفسير ما كشفته صحيفة “العربي الجديد” عن أن مسؤولية الإشراف على الملف اليمني داخل الحكومة السعودية باتت بعهدة نجل الملك، الأمير خالد بن سلمان، والمعيّن أخيرا نائبا لوزير الدفاع، بقرار أخيه أثناء مشاركة أبيه في القمة الاقتصادية العربية الأوروبية في مصر، حيث يحتاج ملف اليمن إلى إنهاء،  وهو ما يعرض “محمد بن سلمان” لضغوط بسبب المشاركات الأوربية والغربية في الملف والتي تقتضي السفر والمقابلات الرسمية وهو ما لا يسمح لولي العهد به الآن في ظل الضغط الغربي.

خطة الصعود

السؤال المطروح إذن: ماذا يفعل “بن سلمان” في ظل الحصار الدولي وفي ظل الاشتراطات الدولية المتواصلة مع اقتراب تمرير صفقة القرن وفق المعلن أمريكيا والتي يلعب دورا كبيرا فيها بحسب ما هو متواتر؟

الإجابة تبدأ من الصحافة العبرية، حيث أفادت تقارير سرية “إسرائيلية”، نشرتها القناة العاشرة العبرية، أنّ ملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز، عمد إلى “تهميش” ابنه ولي العهد “محمد”، في محادثات حول ما تعرف بـ “صفقة القرن” المرتقبة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحلّ النزاع الفلسطيني الصهيوني.

التقرير المنشور في فبراير الماضي أفاد بوضوح أن العاهل السعودي “سحب الملف الإسرائيلي-الفلسطيني من ابنه ولي العهد”، وأنه “لن يدعم” ما يسمى “صفقة القرن”، ما لم تُقدّم الحكومة الصهيونية تنازلاً للفلسطينيين، وهو ما يعني أن هناك أزمة أمريكية صهيونية التي تفضل “رجلها المخلص” بحسب وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في سدة القرار والتصرف.

إذن المطروح بحسب بعض التحليلات هو تكثيف ظهور العاهل السعودي وإحراجه دوليا وإظهاره بمظهر الضعيف صحيا كما هو الواقع، والإمعان في ظهور ولي العهد السعودي في مشهد المطيع البار بوالده وهو المظهر الذي شهد تسريبا إعلاميا واحتفاء من دوائر بن سلمان لتكرار تجربة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد في السعودية.

هذا السيناريو يعززه نجاح التجربة عمليا بإصدار قرارات بأسماء العاهل السعودي خاطبت ود الشقيق الذي تتوجه له الأنظار الدولية كمنافس قوي لولي العهد الحالي ، حيث جرى تعيينه نائبا له في وزارة الدفاع وإحالة الملف اليمني له ، مع تفرغ ولي العهد للداخل لمزيد من إحكام القبضة عليه وصولا إلى لحظة إعلان عدم قدرة العاهل السعودي على القيام بمهامه وتولى محمد بن سلمان المهام بالإنابة على أن تصدر كل القرارات باسمها كما يحدث في الإمارات وهو ما يسهل طموحه ويعيد أوضاع تمرير صفقة القرن لطبيعتها وفق الأجندة الصهيوأمريكي التي يدعمها ولي العهد بوضوح.

صحيفة “وول ستريت جورنال” من جانبها تطرح تفسيرا آخرا للغياب المتكرر حيث ترى أنه توارى عن الأنظار يسعى فيه “بن سلمان ” لإحكام قبضته على المجتمع السعودي بمزيج من التعسف والتهريج مؤكدة أنه لن يظهر أي علامة على التراجع في مواجهة التحديات التي تأتي من الخارج، بعد أن تلطخت سمعته بمقتل “خاشقجي”.

نفس المعنى ذهبت إليه وكالة “بلومبرج” الأمريكية في تقرير لها حول ترقية الأمير خالد بن سلمان معتبرة أنه يعزز من قبضة ولي العهد محمد بن سلمان على السلطة على الرغم الضغوط الخارجية التي تعرض لها عقب مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.