العدسة – جلال إدريس

لم تمض سوى ساعات قليلة على إعلان “مؤسسة ماعت للسلام والتنمية” تشكيلها ما يعرف بالتحالف الدولي للسلام والتنمية، بعضوية 40 مؤسسة حقوقية يمثلون 23 دولة، حتى مني التحالف الجديد بفضيحة كبرى، قد تكون سببا في انهياره قد بدء عمله على أرض الواقع.

التحالف المزعوم بقيادة “مؤسسة ماعت – الممولة إمارتيا” ادعى أن 40 منظمة مجتمع مدني من 23 دولة من بلدان مختلفة حول العالم، قد اجتمعوا بمدينة جنيف السويسرية خلال الفترة من 26 إلى 28 فبراير 2018، لتشكيل تحالف مناهض للدول التي يدعي أنها ترعى الإرهاب، لكن عددا من تلك المنظمات التي أعلنت عنها “ماعت” أنها انضمت للتحالف أكدت زيف تلك الادعاءات.

الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان (بالكويت)، ومركز الحياة (بالأردن) هما أحدث مؤسستين ينسحبان من تحالف “ماعت”، مؤكدين أنه تم الزج بأسمائهما على غير علم منهما ببيان لا غرض منه سوى مهاجمة عدد من دول المنطقة مثل دولة قطر وتركيا وغيرهم.

وكان (العدسة) قد انفرد في تقرير لها منذ يومين، في كشف ألاعيب “مؤسسة ماعت”، واستغلالها منظمات وهمية غير موجودة على أرض الواقع، والزج بأسماء لمنظمات حقوقية معروفة في هكذا تحالف سياسي بثوب حقيقي متخصص فقط في مهاجمة كل من “قطر وتركيا” لصالح دول الحصار، وبدعم كامل من دولة الإمارات.

تحالف “ماعت” ينهار

وتأكيدا لانفراد (العدسة) أصدرت الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان بالكويت، ومركز الحياة بالأردن، مساء الأحد 4 فبراير 2018، بيانا أكدا فيه رفضهما الزج باسميهما في بيان لتحالف أصبح تحالفا سياسيا وليس حقوقيا، وأكدا انسحابهما التام منه، وطالبا مؤسسة “ماعت” بشطب أسمائها من أي بيان يتعلق بالتحالف المزعوم.

المؤسستان الحقوقيتان أكدتا أنه تم تفويض مؤسسة “ماعت” للسلام والتنمية وحقوق الإنسان (مصر) لتقوم بقيادة التحالف الدولي للسلام والتنمية إلى حين الانتهاء من إقرار لائحة النظام الأساسي ثم انعقاد الجمعية العمومية لانتخاب الهيئات المديرة للتحالف.

وأوضحت أن سبب انضمامهم للتحالف في بداية الأمر هو فكرته الخاصة بإحلال السلام في العالم، وأن يكون عالمًا بلا عنف أو كراهية أو تعصب أو تطرف، وأن تحدث شراكة دولية فاعلة من أجل السلام والتنمية المستدامة.

لكن “المؤسستين” أكدتا في بيان مشترك أنهما ساءهما الزج باسميهما في بيان بغرض مهاجمة عدد من دول المنطقة مثل دولة قطر وتركيا وغيرهم.

وأكدت المنظمتان أنهما لا تعتقدان أن مهاجمة دولة أيًّا كانت هو بهدف إحلال السلام، أو جعله عالمًا بلا كراهية،  بالإضافة إلى بعض أن هذه الدول، مهما كانت سياساتها أو اختلافنا معها، فهي تحوي مواطنين قد تربطنا معهم صداقات وأخوه أو زمالة أو رابط دم أو رابط ديني، في إشارة إلى دولتي “قطر وتركيا”.

تكتل سياسي وليس تحالفا حقوقيا

وقال البيان المشترك الصادر عن المؤسستين: “نحن لا نفهم لماذا لم يتم نفي هذا البيان؟! إذا كان لم يصدر من التحالف، ولكن نفاجأ بأنه قد تم عمل “شير” له على صفحة الفيس، ما يحملنا مسؤولية هذا البيان الذي لا يمثلنا من قريب أو بعيد!”.

وأوضحت المؤسستان أنها “مؤسسات مجتمع مدني تهتم بالمجتمع المدني، تعني أن يعيش العالم في ظل عالم بلا عنف ولا كراهية، وأن يحظى بالسلام والتنمية والشراكة الفاعلة من أجل السلام والتنمية المستدامة”.

وفي هذا السياق أكدت المنظمتان انسحابهما من التحالف، حيث اختتمتا نص البيان بقولهما: “ولأنه حسب النظام الأساسي واللائحة الإدارية يحظر علينا التدخل في الشأن السياسي، وعليه نعتذر عن الاستمرار في عضوية التحالف لما يخالف مبادئنا وأنظمتنا الأساسية في التعرض لأي من الدول الأخرى أو الإساءة لها، متمنين من حضراتكم استبعاد أسماء منظماتنا من التحالف”.

محاولة للوقيعة بين “قطر” و”الكويت”

وفقا لمراقبين، فإن ما تقوم به “مؤسسة ماعت” ومديرها المصري “أيمن عقيل” لا يمت للعمل الحقوقي  بشيء، لكنه أشبه بالعمل الاستخباراتي، الذي يديره اللوبي الإماراتي في جنيف، حيث تحاول “الإمارت” تحريك كافة أذرعها الحقوقية والإعلامية للنيل من دولة “قطر” التي تناصبها العداء منذ بدء الحصار الخليجي للدوحة منتصف العام الماضي.

ومن المعروف أن دولة “الإمارات” لا تتوقف عن ألاعيبها الحقوقية والسياسية ضد “خصومها”، عن طريق الإعلان عن تشكيل “جبهات أو مبادرات” وهمية، في عدد من الدول الأوروبية، تستغلهم دائما في إصدار بيانات موجهة لخدمة أهداف سياسية معينة، ومهاجمة من ترغب في محاربتها من الدول.

وبحسب مراقبين، فإن الزج باسم منظمتين إحداهما “كويتية” والأخرى “أردنية”، في تحالف مدعوم من الإمارات،  وأنشئ خصيصا لمهاجمة “قطر وتركيا”، ليس أمرا من قبيل الصدفة، لكنها خطة معدة سلفا، تحاول الإمارات فيها توريط تلك المؤسستين بهدف إحداث وقيعة بين “قطر” من جانب، و”الكويت والأردن” من جانب آخر.

ومن المعروف أن “الكويت” اتخذت موقف الحياد في الأزمة الخليجية، ورفضت الانصياع للضغوط الإماراتية والسعودية في أزمة “حصار قطر”، فرفضت المشاركة في الحصار، وبذلت جهودًا واسعة للصلح بين “قطر” ودول الحصار.

ومن المعروف أن “الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان” هي منظمة حقوقية معروفة، وبالتالي، فإن وضع اسمها على قائمة منظمات تهاجم قطر، وتتهمها بدعم الإرهاب، قد يسبب أزمة حقوقية بين البلدين اللذين يعملان معًا لإنهاء الحصار الخليجي لقطر.

أما زج اسم منظمة “أردنية” في بيان تحالف “ماعت”، فقد يكون أيضا هدفه إدخال المنظمات الحقوقية الأردنية في صراع حقوقي مع قطر، وإشعال أزمة بين الأردن وقطر، خصوصا وأن “السعودية والإمارات” مارسا ضغوطا قوية على الأردن للوقوف بجانبهما في حصار “الدوحة”، غير أن الأردن اكتفت ببعض الإجراءات الدبلوماسية التي انتهت عند حد تخفيض التمثيل الدبلوماسي.

“ماعت” و”عقيل” وتمويل أبو ظبي

وبعيدا عن انسحاب منظمتين حقوقيتين من “تحالف ماعت”، فإن التتبع الدقيق لهذا التحالف، يكشف حقيقة الأدوار المشبوهة التي باتت تلعبها “مؤسسة ماعت” وتسخير الإمارات للمؤسسة في “حصار قطر” وتبييض صفحة دول الحصار، كمصر والسعودية والإمارات والبحرين.

ورغم أن “مؤسسة ماعت” تأسست  في مصر، مطلع 2005، كمنظمة مجتمع مدني غير حزبية وغير هادفة للربح، إلا أن المنظمة أصبحت بوقا من أبواق الإمارات في أوروبا، بعد شرائها لصالح اللوبي الإماراتي.

الحقوقي المصري البارز “جمال عيد” مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، كان قد فضح  في تصريحات سابقة علاقة الإمارات بمؤسسة ماعت، حيث اتهم “عيد” أيمن عقيل، رئيس “مؤسسة ماعت”، بالتورط في الحصول على تمويل إماراتي مشبوه، كون الشبكة الدولية هي الشريك المحلي لمؤسسة ماعت.

“عيد” وصف “ماعت”، بأنها ” ليست منظمة صاحبة مصداقية كبيرة؛ لسبق تعاملها مع نظام “مبارك”، الذي من شأنه وضع علامات الاستفهام حولها”، فضلاً عن أنها “غير واضحة التوجهات، بالإضافة إلى تمويلاتها غير المعروفة، سواء من خلال تعاملها مع الشبكة الدولية أو غيرها”، على حد تعبيره.

كما أن مؤسس ورئيس “ماعت”، “أيمن عقيل”، يعد من أكثر المثيرين للجدل في اللوبي الإماراتي، حيث استطاع الشاب الصاعد بسرعة الصاروخ في مجال حقوق الإسان، أن يصنع لنفسه مكانة في اللوبي “الإماراتي الدولي”، ليحل محل “أساتذته” من المغضوب عليهم في مقصلة المجتمع المدني، ومن انتهى دورهم بفضيحة المجلس الدولي.

المثير في الأمر، أن “عقيل” نفسه اعترف في تصريحات سابقة أنه يتلقى تمويلًا أجنبيًّا من 18 جهة دولية، لكن بموافقة أمنية!.