العلاقات المصرية التركية
تدهورت العلاقات المصرية-التركية على المستوى السياسي، بعد أن قام عبد الفتاح السيسي بانقلابه على أول رئيس منتخب في تاريخ مصر، الرئيس الراحل محمد مرسي. حيث رفضت تركيا الانقلاب بشكل واضح منذ اليوم الأول، ورفضت أن تقيم علاقات دبلوماسية مع السلطة الانقلابية الجديدة.
ويمكن القول إن أسباب تركيا في أخذ هذا المنحى هي أنها ترفض مبدأ الانقلابات في العموم كمبدأ، وذلك لأنها عانت منها كثيرًا. هذا بالإضافة إلى أنها إن وافقت على الانقلابات في الخارج فإن ذلك كان سيؤثر بالتأكيد على حكومة رئيس الوزراء آنذاك، رجب طيب أردوغان، التي كانت يخطط لها أن تصل إلى ذلك المصير، وأن يُنقلب عليها بانقلاب عسكري كامل، أو بافتعال أحداث شغب تزعزع الأمن والاستقرار في الداخل التركي، وتهيئ الأمر للإطاحة بالحكومة التركية.
إذن من باب المبدأ ومن باب المصلحة كان لابد وأن تأخذ الحكومة التركية في 2013 موقفًا واضحًا ضد انقلاب السيسي في مصر. ولا يمكننا أن نغفل بالتأكيد عن أن تركيا كانت من أوائل الدول التي دعمت ثورات الربيع العربي، وقد كان من الواضح أن القيادة التركية تتطلع إلى تعاون وثيق بينها وبين الحكومات الجديدة المنتخبة من قِبَل الشعوب العربية أيًا كان توجه هذه الحكومات.
وذلك في محاولة لتجميع الطاقات للارتقاء بأوضاع الشعب التركي والشعوب العربية، والتعاون في بعض القضايا الخارجية المهمة كقضية فلسطين. لكن الانقلاب حين أتى كان عنوانه الخراب والفرقة والانبطاح للخارج، والتماهي والتبعية للكيان الصهيوني المحتل.
وعلى هذا، تدهورت العلاقات التركية-المصرية على المستوى السياسي، وانقطعت تمامًا على المستوى الأول للحكومتين. لكن الأوضاع قد اختلفت بكل تأكيد بعد حوالي 9 سنوات من الانقلاب العسكري، وبرزت بعض القضايا التي يحتاج كل طرف فيها إلى الآخر.
مطالب الطرفين..
فمن جهة يريد نظام السيسي من تركيا أن توقف قنوات المعارضة التي تبث من أراضيها، والتي من الواضح جدًا أن النظام الانقلابي بات منزعجًا منها بشكل كبير، حتى إن السيسي في آخر زيارة له إلى فرنسا، أكد على مسألة إغلاق النوافذ الإعلامية التي تهدد الأمن الداخلي للدولة.
كما إن السيسي يريد بكل تأكيد أن تسلم له تركيا المعارضين المقيمين على أراضيها. حيث احتضنت الدولة التركية كل من فر بنفسه من بطش النظام الانقلابي بعد 2013، باختلاف أطيافهم السياسية. وبقاء رموز وأفراد من المعارضة بالخارج يسبب إزعاجًا للنظام الانقلابي وتهديدًا استراتيجيًا لاستقراره.
ومن جهة أخرى، فإن الوضع في شرق البحر الأبيض المتوسط والخلاف التركي اليوناني حول مناطق الصلاحية البحرية لكلا الدولتين، يشجع أنقرة على أن تتخذ في صفها أكبر عدد ممكن من الدول المطلة على شرق المتوسط. وبالطبع، فإن مصر أحد أهم هذه الدول.
تحركت تركيا في هذا الاتجاه وعقدت اتفاقًا بحريًا في عام 2019 مع حكومة الوفاق الليبية الشرعية، لكن اليونان استطاعت أن تستغل التوتر في العلاقات بين أنقرة والقاهرة، واستطاعت اقتناص اتفاقًا حول الحدود البحرية مع الأخيرة. الأمر الذي اعترضت عليه حينها تركيا بشدة، واعتبرت أن الاتفاقية في حكم العدم.
لم تُعلن خريطة الحدود البحرية التي اتفق عليها بين مصر واليونان بشكل رسمي، إلا أنه من الواضح أن القاهرة أعطت إشارات إلى أنقرة أنها لم تنتهك حدودها البحرية في الاتفاقية، وأنها لم تسلم بسيادة اليونان على جزر خلافية بينها وبين تركيا.
الأزمة الليبية..
سبب آخر دعا إلى التقارب وعقد تفاهمات بين الطرفين هو المسألة الليبية. بموازاة الاتفاق البحري بين تركيا وليبيا كانت هناك اتفاقية تعاون عسكري بين البلدين، وعلى إثرها دعمت تركيا حكومة الوفاق عسكريًا لتتمكن بذلك من طرد الجنرال الانقلابي خليفة حفتر من كامل الغرب الليبي.
وحيث إن نظام السيسي يدعم حفتر، وحكومة الوفاق مدعومة من تركيا حسب الاتفاقية الدولية، فإنه كان من الضروري أن تتم مباحثات بين القاهرة وأنقرة لتجنب حدوث حرب بين الطرفين على الساحة الليبية.
هذه الحقائق السابق ذكرها قادت الطرفين فعلًا إلى الحديث علنًا عن حلحلة الأوضاع بين البلدين. من جانب تركيا، جاء الحديث أكثر من مرة على لسان المسؤولين الأتراك في المستوى الأول، وعلى رأسهم الرئيس أردوغان ووزير الخارجية، مولود تشاويش أوغلو، ووزير الدفاع، خلوصي أكار، وكبير مستشاري الرئاسة التركية، إبراهيم قالن.
تصريحات الطرفين حول التقارب..
وجاءت التصريحات في مجموعها إيجابية داعية إلى التفاهم مع مصر في الملفات السابقة، بالإضافة إلى الملف الفلسطيني. لكنها لم تتعرض إلى أي من مطالب القاهرة في تسليم أحد المعارضين، أو غلق قنوات المعارضة المصرية.
في المقابل، لم يتحدث مسؤولو النظام المصري كثيرًا عن التقارب مع تركيا، وربما المرة الوحيدة التي ذكر فيها النظام المصري هذا الأمر كان بيانًا للخارجية المصرية ترفض فيه ما قاله وزير الخارجية التركي من أن ما حدث في 3 يوليو عام 2013 كان انقلابًا عسكريًا. حيث قالت الخارجية حينها أن مثل هذه التصريحات تعطل مسار التقارب بين الدولتين.
لكن قلة التصريحات المصرية الرسمية حول التقارب مع تركيا لا تعني عدم اهتمام القاهرة بالأمر. حيث إنه من الجلي أن الأمر يشغل القاهرة إلى حد بعيد وذلك من خلال ما تقوله وسائل الإعلام المقربة من السلطة بشكل يومي.
فالمتابع لإعلاميي النظام المصري يجد أنهم يتحدثون بشكل متزايد حول مطالب مصر من تركيا، والتي تتمثل في إغلاق قنوات المعارضة وتسليم المطلوبين والاعتراف الرسمي بالنظام.
وعلى هذا، يمكن القول إن هناك مباحثات جارية بين الطرفين، وأن كل طرف يريد أن تكون تنازلاته محدودة، فتركيا لا تريد أن تتخلى عن المعارضين المصريين، وهي معروفة بعدم تخليها عن اللاجئين في العموم، ولا تريد أن توصم بعكس ذلك إن سلمت المعارضين لديها لنظام الانقلاب.
وفي المقابل، ترى مصر أن هذه الفرصة ربما لا تعوض ولذلك تريد الخروج بأكبر قدر ممكن من المكاسب. ومن الواضح أنه من الصعب أن يتوصل الطرفان إلى مصالحة شاملة، لكن من المتوقع أن يصلا إلى تفاهمات في بعض الملفات، وأن تهدأ حدة التوترات بينهما لفترة أطول.
اضف تعليقا