العدسة – ياسين وجدي:

إنها معركة طاحنة قد يكون مردودها مذهلا في العالم إذا تحقق هدفها وهو إسقاط هيمنة الدولار الأمريكي وتصعيد بديل وطني يحقق طموحات الدول في عالم بلا دولار.

إيران تتحرك في هذا الصدد ، تتسابق مع تركيا والصين وروسيا ، والقائمة في تصاعد مع النظر إلى دور منظمة “شنغهاي” ومناشدات عقلاء الاتحاد الأوروبي ، فهل يستطيع العالم الاطاحة بالدولار؟!

الإسجابة نحاول البحث عنها في سياق هذا التقرير.

العملات الوطنية

العملات الوطنية باتت بحسب المراقبين بديلا رائجا لدى الدول المؤثرة دوليا من أجل اسقاط الدولار.

وفي هذا الاطار باتت معركة استهداف الدولار هدفا ايرانيا واضحا، وهو ما كشفه وزير الخارجية محمد جواد ظریف، موضحا أن إيران تخطط للتعامل بالعملات الأخرى بدلا من الدولار في بيع النفط و التجارة الدولية لمواجهة الحظر النفطي الأمريكي.

 

ظريف كان صريحا للغاية في اجتماع مع الصحفيين الحاضرين في ممثلية إيران بالأمم المتحدة في نيويورك، قبل أيام مؤكدا أن إيران تخطط للتعامل بالعملات الأخرى بدلا من الدولار في بيع النفط و التجارة الدولية لمواجهة الحظر النفطي الأمريكي ، وأضاف :” الآلية الرئيسية هي إزالة الدولار”.

نفس التوجه لدى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي أكد في مطلع سبتمبر الماضي أن اعتماد التجارة الدولية على الدولار أصبح مشكلة، واقترح التحول إلى التجارة بالعملات الوطنية.

 

الصين وروسيا، أعلنا كذلك في 11 سبتمبر الماضي سعيهما لزيادة التبادل التجاري بينهما بالعملات الوطنية والابتعاد عن التعامل بالدولار، في ظل المخاطر التي يواجهها الاقتصاد العالمي.

كما اتفقت الهند وباكستان على تعزيز تعاملها بالعملات الوطنية لتقليص اعتمادها على الدولار في تجارتها البينية.

ممكن جدا

المخطط الذى تراه إيران لاسقاط الدولار بحسب وزير الخارجية محمد جواد ظریف مبني على أن الدول قد تبرم اتفاقيات لاستخدام عملتها المشتركة في التجارة الثنائية مع إيران، عبر استخدام أموالها في بيع السلع والبضائع بعملتها الحالية ، وشراء السلع بعملات الدول الأخرى، وفي نهاية فترة محددة ، يتم التبادل بعملة أخرى غير الدولار، وهو ما يراه ظريف ” ممكن جدا وربما مفيد”.

الكرملين كشف من جانبه أن الأمر  إن روسيا تقوم منذ فترة طويلة بدراسة الأمر على أعلى المستويات من أجل إجراء معاملات التجارة الثنائية مع جميع الدول بعملاتها الوطنية بدلا من الدولار

الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يولى اهتماما كبيرا في هذا الاتجاه ، وأعلن في لقاء مع نظيره الصيني أن الاهتمام باستخدام العملات المحلية يساهم في نشاط أكبر في التبادل التجاري بين البلدين وسيعزز استقرار الخدمات البنكية لعمليات الاستيراد والتصدير، في ظل ارتفاع المخاطر في الأسواق الدولية”.

 

وعمليا في سبيل تقليل الاعتماد على الدولار قلصت روسيا استثماراتها في السندات الأميركية بسرعة غير متوقعة، من 100 مليار إلى 15 مليار دولار فقط منذ مطلع العام الجاري 2018.

الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يرى أن الأمر ممكن للغاية ، وأكد في تصريحات له متكررة أن “تكثيف التجارة بالعملات الوطنية يعد شرطا ضروريا للتنمية”، وذهب عمليا من ميدان الأقوال إلى الأفعال في أعقاب انخفاض قيمة الليرة التركية، و الحملة الشرسة التي يقودها الرئيس الأمريكي على الإقتصاد التركي ، و اتخاذه لقرار رفع الرسوم الجمركية على صادرات تركيا من الحديد و الألمنيوم ، حيث صرح بأن بلاده سوف تتعامل في مبادلاتها التجارية مع الصين و روسيا و إيران بالليرة التركية.

وبحسب المراقبين أن معركة اسقاط الدولار تلقى قبولا واسعا خاصة على المستويات الوطنية والدولية ، حيث بدأ الحديث عن ضرورة وحتمية تغيير النظام المالي العالمي، عبر التخلي عن الدور القيادي للدولار في نظام الحسابات المالية الدولية وكسر الهيمنة الأمريكية على العالم بكسر هيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي.

ويؤكد المتابعين للملف أنه بإمكان الدول  و التكتلات الإقليمية  استبدال الدولار في السوق الدولية والاستعاضة عنه بـ”سلة عملات” أو عملات وطنية في ظل وجود رغبة حقيقية متزايدة في الاقتصاد العالمي لإيجاد بديل للعملة الامريكية ، في ظل دور قد يكون محوريا للصين وروسيا في كسر هيمنة الدولار.

ويشير د. طارق ليساوي الأكاديمي المتخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق آسيوي إلى أن الأزمة تمكن في ” اتفاقية Bretton Woods ” الذي كان سببا في هيمنة الدولار الأمريكي على النظام المالي العالمي  والتي وقعت في العام 1944م، بمشاركة 44 دولة من حول العالم، وكان من أهم مقررات المؤتمر كان اعتماد الدولار الأمريكي كمرجعٍ رئيسي لتحديد سعر عملات الدول الأخرى، غير أن الأزمة المالية لعام 2008 و التي عصفت بالاقتصاد الأمريكي أضعفت هيمنة الولايات المتحدة بشكل عام و هيمنة الدولار بشكل خاص،و مما عمق من ذلك صعود توجه دولي تقوده الصين و روسيا يحاول الحد من هيمنة الدولار في الحسابات الدولية و المبادلات التجارية.

ولعل أكبر مؤشرات تخلي بعض الدول الاوروبية عن الدولار ظهرت في تصريحات رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي، جان كلود يونكر المعروف بصداقته مع النخبة السياسية في واشنطن، حيث دعا في خطابه مؤخراً أمام البرلمان الأوروبي إلى وجوب اتخاذ الخطوات اللازمة لتعزيز مكانة اليورو في النظام المالي العالمي اعتباراً من العام القادم 2019.

وسبقت دعوة يونكر خطوات عملية من بينها اتفاق دول الاتحاد الأوروبي على حماية الشركات الأوروبية التي تتعامل مع إيران من العقوبات الأميركية من خلال تمكينها من التعامل باليورو خارج نظام التعاملات الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة.

النموذج الصيني !

الصين بدأت المواجهة مبكرا ، ففي العام 1996 أعلنت الصين تأسيس “خماسية شنغهاي” ، بين الصين وروسيا وكازاخستان وقرغيزيا وطاجيكستان، وفي 2001 تحول الاسم إلى “منظمة شنغهاي للتعاون”، بعد انضمام أوزبكستان، وزادت المنظمة من قوتها مع انضمام الهند وباكستان، خلال قمة العام 2017 ، ووصل عدد أعضائها إلى 8، يهدفون صراحة لاسقاط الدولار.

 

وتوصلت الصين إلى صياغة اتفاق بين  بلدان “منظمة شنغهاي” ينص على تبني العملات الوطنية في التبادلات التجارية البينية، كما عبرت روسيا واليابان وفرنسا،عن نيتها في وقف التعامل بالدولار في حسابات النفط فضلا عن إيران ، وبدل الدولار يتم تبني “سلة عملات” تضم الين الياباني واليوان الصيني واليورو والذهب وكذلك العملة الموحدة  دينار الخليج الذي كان من المتوقع إصداره قبل حصار قطر و نسف حلم العملة الموحدة.

وبحسب احصائيات رسمية للبنك الدولي، فقد تجاوز إجمالي حجم الاقتصاد لـ”منظمة شنغهاي للتعاون”، بعد انضمام الهند وباكستان إليها في العام 2017 ، 15 تريليون دولار أمريكي، وهو ما يشكل ما نسبته 20% من الاقتصاد العالمي البالغ 74 تريليون دولار.

 

وفي العام  2009 حاولت الصين قيادة حملة دولية  لكسر هيمنة الدولار، حيث دعا البنك المركزي الصيني،  إلى عملة “عابرة للدول” يجب ان تحل مكان الدولار، ودعا البنك الى اتباع قواعد اكثر صرامة فيما يتعلق بالدول التي تطبع كميات اكبر من العملة للحد من هيمنة الدولار.

كما اطلقت الصين في شنغهاي بورصة عالمية لتداول عقود النفط بالعملة الصينية اليوان، في خطوة تمثل ضربة قوية لاحتكار الدولار بحسب المراقبين.