العدسة – منصور عطية

تحت شعار “سيناء 2018” أطلق الجيش المصري عملية عسكرية وأمنية واسعة، صباح الجمعة 9 فبراير الجاري، بهدف تطهير سيناء وغيرها من المناطق من البؤر الإرهابية والسيطرة على منافذ الدولة الخارجية، بناء على تكليف من الرئيس عبدالفتاح السيسي.

وبناء على ما نقلته تقارير إخبارية، فإن اللحظات الأولى للعملية شهدت غارات جوية وقصف مدفعي على مناطق جنوب الشيخ زويد وغرب رفح بسيناء بلغت نحو 20 قذيفة، كما انقطعت شبكات الاتصالات والإنترنت عن مناطق شمال ووسط سيناء تزامنا مع بداية العملية العسكرية.

كما أفادت تقارير أخرى بإغلاق جميع الطرق الرئيسية بين شمال ووسط سيناء حتى إشعار آخر، وعبور تعزيزات عسكرية وشرطية قناة السويس متجهة إلى شمال سيناء.

ليست سيناء وحدها

وبناء على البيان الذي أعلن به المتحدث العسكري للقوات المسلحة العقيد تامر الرفاعي، فإن وزارة الداخلية تشترك في تنفيذ العملية لمواجهة الإرهاب والعمليات الإجرامية الأخرى، بالتعاون الوثيق مع كافة مؤسسات الدولة.

ويلاحظ من البيان أيضًا أن العملية العسكرية الأساسية لا تقتصر على سيناء فقط بل تشمل العديد من المناطق الحساسة الملتهبة والتي تشهد بين الحين والآخر هجمات مسلحة واضطرابات أمنية، مثل دلتا مصر والظهير الصحراوى غرب وادى النيل.

وبجانب تلك العملية الأساسية، تبدو عمليات أخرى فرعية تشمل تنفيذ مهام ومناورات تدريبية وعملياتية أخرى علي كافة الاتجاهات الاستراتيجية، وفق البيان.

بنك الأهداف المنتظر تحقيقها من العملية تبدو متعددة ومترامية، وجاءت كالتالي: إحكام السيطرة علي المنافذ الخارجية للدولة المصرية، وضمان تحقيق الأهداف المخططة لتطهير المناطق التي يتواجد بها بؤر إرهابية وتحصين المجتمع المصري من شرور الإرهاب والتطرف، بالتوازي مع مجابهة الجرائم الأخرى ذات التأثير على الأمن والاستقرار الداخلي.

وبهذا التفصيل فإن الأمر لا ينطوي على مجرد مواجهة عسكرية للتنظيمات المسلحة في سيناء على غرار عمليات سابقة، بل يمتد ليشمل تلك العبارة المطاطية التي استخدمها البيان “مجابهة الجرائم الأخرى”، دون تفصيل لطبيعتها.

وجدد البيان باسم القيادة العامة للقوات المسلحة مطالبة متكررة للمواطنين بـ”الإبلاغ الفورى عن أى عناصر تهدد أمن واستقرار الوطن”.

لماذا انتشر السرطان؟

اللافت في هذا الإعلان أنه يكشف عملية الانتشار الواسع للهججمات الإرهابية في طول البلاد وعرضها، بعد أن كان الأمر مقتصر على شمال ووسط سيناء فقط في أعقاب إطاحة الجيش بالرئيس الأسبق محمد مرسي في يوليو 2013.

وإلى أن استلم السيسي مقاليد السلطة في 2014 حتى تفرعت التنظيمات المسلحة واتسع نطاق عملياتها خارج حدود سيناء في محافظات الدلتا والوجه القبلي حتى وصلت إلى قلب القاهرة.

وتحول الأمر من مجرد إرهاب محتمل بشر به السيسي وقت أن كان وزيرا للدفاع في خطابه الشهير لطلب التفويض يوليو 2013، إلى إرهاب حقيقي يضرب جميع أنحاء البلاد بوتيرة متسارعة.

ولعل البحث في أسباب هذا الانتشار يحتاج إلى دراسات مستفيضة، إلا أن ثمة مجموعة عوامل رئيسية ساهمت في الوصول لهذه الدرجة، يبدو في مقدمتها عجز السلطة وفشل أجهزتها العسكرية والأمنية في دحر التنظيمات المسلحة.

وربما لا يوجد دليل أقوى وأوضح على هذا الفشل من استمرار الهجمات المسلحة الخطيرة والتي تكشف تطورا نوعيا في تكتيكات تسليح وتدريب العناصر المنفذة للهجمات.

ففي أواخر يناير الماضي، قالت وكالة الأنباء الألمانية إن “قتلى وجرحى سقطوا من الجيش المصري في قصف طائرة مسيرة (بدون طيار) لموقع أمني بالقرب من قرية خريزة بوسط سيناء.

وفي ديسمبر وقعت محاولة اغتيال وزيري الدفاع الفريق صدقي صبحي والداخلية مجدي عبدالغفار في تفجير مروحية بمطار العريش.

بعدها بأيام، قُتل 10 عسكريين، بينهم الحاكم العسكري لمدينة بئر العبد، ومدني وأُصيب آخرون في مجموعة متزامنة من الهجمات المسلحة التي استهدفت مدرعة شرطة وقوة عسكرية ووحدة في مناطق متفرقة من محافظة شمال سيناء.

مهلة السيسي والدعاية الانتخابية!

المثير أن تلك التطورات تأتي في وقت تقترب منه مهلة السيسي التي أعطى من خلالها في 29 نوفمبر الماضي، تكليفًا علنيًا لرئيس أركان حرب الجيش الفريق محمد فريد حجازي، باستعادة الأمن والاستقرار في سيناء خلال 3 أشهر، واستخدام “القوة الغاشمة” في سبيل تحقيق هذا الهدف.

وها نحن نقف الآن وليس بننا وبين تلك المدى سوى أقل من 3 أسابيع لكن النتيجة كما سبق بيانه استمرار وتيرة الهجمات على نحو أكثر خطورة وتطور بالنسبة لكفاءة وتسليح التنظيمات المسلحة.

وعليه، فإن الغرض الرئيسي الذي يبدو من اختيار توقيت هذه العملية العسكرية الشاملة يشير إلى رغبة السيسي في حفظ ماء وجه وإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد أن ورط نفسه وورط الجيش في ضرورة دحر الإرهاب خلال المهلة المحددة، وإلا فإن البديل سيكون إما التضحية بوزير الداخلية ورئيس الأركان أو أن يتحمل السيسي نفسه المسؤولية ويقر بالفشل وهو الأمر المستبعد.

ولا يمكن في هذا السياق استبعاد الارتباط الوثيق بين توقيت العملية وقرب الانتخابات الرئاسية المحسومة لصالح فترة رئاسية ثانية للسيسي، ما يمكن اعتباره بمثابة دعاية انتخابية يسعى خلالها السيسي ليس لكسب أصوات ناخبين لكن ربما لتحسين صورته التي علقت بها آثار سلبية نتيجة ما مارسته السلطة بحق المرشحين المحتملين الذين كان ينتظر منهم منافسته.

ارتباطا بالانتخابات، فمن الممكن أن تكون العملية متعلقة برغبة النظام في الوصول لمرحلة من الاستتباب الأمني في كل ربوع مصر بما لا يسمح لأية قلاقل أن تثير أزمات خلال سير العملية الانتخابية بمختلف مراحلها.

بعيدا عن هذا وذاك، فمن المتوقع أن يكون لدى أجهزة الدولة معلومات بشأن هجمات مسلحة قد تنوي بعض التنظيمات تنفيذها خلال الفترة المقبلة، ولذلك تسعى لوأدها في المهد.

ويبقى تساؤل هام: هل تصاحب العملية العسكرية انتهاكات قد ترتكبها قوات الجيش في سيناء ضد المدنيين، على غرار ما وثقته منظمات حقوقية على مدار السنوات الماضية؟.

منظمة سيناء لحقوق الإنسان أفادت بأن ما لا يقل عن 30 مدنيا بينهم 7 أطفال و3 نساء قتلوا، وأصيب نحو 28 آخرين، جراء انتهاكات واعتداءات نفذتها قوات الجيش والشرطة في أبريل الماضي فقط، في حين قتل إجمالا خلال النصف الأول من العام 2017نحو 203 مدنيين، وأصيب 195 آخرين، ووقع ما لا يقل عن 435 انتهاكا.