العدسة _ ربى الطاهر

تناولت العديد من الدراسات التي أجريت حول العالم، التأثيرات النفسية الإيجابية للاحتضان، وأثبتت جميعها أن ممارسة هذا السلوك له العديد من الانعكاسات النفسية التي تمنح النفس شعورا بالراحة والاطمئنان، والتي من شأنها أن تبعدك عن الطبيب.

كما قد أظهرت هذه الدراسات أن الاحتضان يساهم في مساعدة المخ على إفراز مادة الأندورفين، التي لها قدرة علاجية عالية، إضافة إلى تأثيره في التخفيف من الضغط الدموي، كما أنه يخفف من الآلام التي تعانيها المرأة في فترة الحيض.

كما قد امتد تأثيره إلى التخفيف من آلام الرأس والانفعال العصبي، وكذلك يخفف من الشعور بالإرهاق والاكتئاب والأرق والقلق، كما يساعد الاحتضان كذلك في منح الشخص التقدير الذاتي لنفسه، ويحد من شعوره بالوحدة والخوف.

كما أن الاحتضان يحفز بعض الهرمونات التي تساعد في تحسين حالة المرء النفسية، ومنها مثلا هرمون السيروتونين الذي يقوم بدور هام في تحسين المزاج، حيث ينغمس الجسد كله في الشعور بالأحاسيس العاطفية.

وعلى الرغم من صعوبة علاج الاضطرابات النفسية، إلا أن اتباع سلوك مثل العناق يكون له تأثير شديد في علاج مثل هذه الاضطرابات، حيث إنه يساعد كذلك في إفراز هرمون آخر يسمى “هرمون الحب”، وهو هرمون الأوكسيتوسين والذي يلعب دورا مهما في تحسين الصحة النفسية، وله فوائد متعددة في علاج الأمراض النفسية.

ويؤكد هذا البروفيسور رينيه هورلمان، من المستشفى الجامعي في بون، الذي أوضح أن لهذا الهرمون تأثيرًا في التخفيف من أعراض الأمراض العقلية، ومنها مثلا أمراض التوحد، أو اضطراب الشخصية الحدي أو اضطراب القلق.

وليس هذا فقط، فقد تبين أن للأوكسيتوسين دورا هاما في اتباع بعض السلوكيات الاجتماعية وكذلك الجنسية، فهو مثلا يساهم في خلق هذه العلاقة التي تربط الأم بأطفالها، إضافة إلى أنه يقلل من اضطربات القلق، والتي تعتبر من أكثر الأعراض المرضية التي تنتشر بين الأوروبيين.

وقد أقرت دراسات علمية أخرى بأن الأوكسيتوسين يعطي الإنسان الشعور بمزيد من الثقة، ويصقله بالمهارات الاجتماعية، وهو كذلك يقلل من التوتر الاجتماعي.

وقد يكون اتضاح تلك التأثيرات النفسية لهرمون الأوكسيتوسين هو ما دفع الباحثين للاعتكاف على دراسة المزيد من تأثيرات هرمون الأوكسيتوسين على الأمراض النفسية، وما هي النسبة المحددة للاستفادة من تأثيراته، وقد قال البروفيسور هورلمان أنه بالرغم من إنتاج الجسم لهذا الهرمون بشكل طبيعي إلا أنه يمكن الاستفادة من تأثيراته بجرعات إضافية من خلال استخدامه كبخاخ للأنف حتى يصل إلى المخ ويستقر به.

وربما كانت هذه النتائج هي ما دفعت مدرسة في العلاج النفسي إلى الاعتماد على العناق المتبادل في علاج بعض الحالات المعقدة من الاكتئاب.

كما يؤثر كذلك العناق في إفراز هرموني الدوبامين والسيروتونين، وهما مسؤولان عن إعطاء الإنسان الشعور بالاطمئنان والراحة النفسية لفترة زمنية طويلة، وأشارت الدراسات إلى أن النساء هن أكثر تاثرا بهذا السلوك النفسي، ويستفدن من تلك التأثيرات التي ذكرت سابقا أكثر من الرجل.

العناق رسائل إيجابية

أما بالنسبة للأطفال، فقد ذكرت إحدى الدراسات أن الطفل بحاجة إلى 18 حضن يوميا، فهو يساعد في تطوير معدل الذكاء لديهم وتخطى تلك التخوفات التي قد تقلقهم، فهذا السلوك الذي يعتمد على الاتصال بين الأجساد بالتلامس يسمح بمرور العديد من الرسائل الإيجابية بين المتعانقين وهو ما يساهم بارتفاع الطاقة الإيجابية لدى كل منهما، كما أنه يمنحهما السلام النفسي، وبالتالي، شيوع السلام الاجتماعي.

فالاحتضان يساهم في منح الإنسان مشاعر هامة للحياة بشكل أفضل، فهو يضفي هذا الإحساس بالحماية، حين يحضنه شخص آخر، حيث يصدر له مشاعر الثقة التي تساعده في الانطلاق إلى عالم الإبداع والعمل ويزيد من طاقة العطاء للآخرين .

وربما يرجع أيضا الشعور بالتفاؤل والحيوية لممارسة هذا السلوك الذي قد يجعل الإنسان قادرا على مواجهة التحديات، ويشعره بالأمان، وهو ما يزيد شعوره بالاستقرار النفسي والاجتماعي كذلك، مما يترتب عليه رفع مستوى النشاط والتألق، إضافة إلى اكتساب المزيد من القوة الشخصية والطاقة.

كما تختلف الرسائل التي يمنحها العناق باختلاف الأشخاص وباختلاف درجة ارتباطنا العاطفي به، فمثلا احتضان صديق يمنح الشعور بالصداقة والثقة، أما احتضان الوالدين فيمنح الشعور بالحماية والأمان، أما احتضان الحبيب فيمنح الشعور بالحب والعشق.

الفوائد التي تعود على صحة الإنسان

أنه أحد أهم السلوكيات التي تحسن المزاج كما أنه يتيح الفرصة للتركيز على المشاعر، ويعد أحد أنشطة التأمل، كما أنه يمنح الفرد الاستمتاع بلحظات من الهدوء بعيدا عن صخب المشاكل الخارجية، ويحقق الاسترخاء الكامل للنفس والجسد كما أنه يقلل من مستويات الكورتيزول “هرمونات التوتر” بالجسم.

كما أثبتت دراسة بجامعة إيموري أجريت عام 2000، أن هناك ارتباطًا بين الاحتضان، وبين تقليل التوتر والإجهاد.

كما يساعد الاحتضان والتقبيل على تحسين شكل عضلات الوجه، بل إن الأمر ينعكس كذلك على صحة الفم، حيث يتم إفراز المزيد من اللعاب أثناء الاحتضان؛ مما يساعد على قتل البكتريا الموجودة بالفم، والتي قد تسبب تسوس الأسنان وتمنع تراكم المواد الدهنية.

ويقلل كذلك الاحتضان من الأجسام المضادة في الدم، والتي تقوم بدور هام في إفراز الهستامين المسؤول عن العطاس وعن الدموع التي تفرزها العين أثناء الإصابة بالحساسية.

كما يقوم القلب بإسراع الدقات أثناء الاحتضان؛ مما يزيد من إفراز الأدرينالين وناقلات عصبية أخرى في الدم، ويعمل الأدرينالين على حرق السعرات الحرارية وتسريع عملية الأيض، وقد أثبتت دراسة قام بها الدكتور ألكسندر ديوس أن الحضن إذا استمر لأكثر من 20 ثانية فإن بإمكانه حرق ما يتراوح بين 2 -3 سعرات حرارية في الدقيقة الواحدة.

كما يؤثر الاحتضان على التحكم في مستويات ضغط الدم واعتدال مستوى الكوليسترول أيضا، ويسهم في التقليل من الشعور بالإجهاد، والذي قد يعرض صاحبه للإصابة بأمراض القلب، فهو يحمي القلب والأوعية الدموية أيضًا.

ومن أهم الملاحظات التي رصدت كنتيجة للاحتضان، زيادة مناعة الجسم ومقاومة الجراثيم، وهو ما يحمي من العديد من الأمراض.

كما قد يغني العناق عن اللجوء للمكسنات، ويؤدي إلى التخفيف من حدة الألم، فهو يساعد الجسم على إفراز الأندروفين، وهي مادة كيماوية يفرزها الجسم تصل في قوتها إلى نسبة أعلى من مادة الموروفين في تخفيف الألم.

وتساعد المعانقة أيضا في الحماية من الإصابة بالسكتات الدماغية والنوبات القلبية، حيث إن من يمارسون سلوك الاحتضان بانتظام تنتظم لديهم الضربات القلبية.

وقد يساعدك اتباع هذا السلوك على تخطي الشعور بالاختناق من الأماكن المزدحمة، ويعطي شعورا بالراحة والثقة الاجتماعية، فهو يعزز الثقة بالنفس حيث إنه يملأ الوجدان بسيطرة مشاعر الحب والاهتمام والجمال.

وقد نشرت مجلة العلوم النفسية دراسة علمية أجرتها الباحثة ساندرا كولي وفريقها البحثي، حول المخاوف واحترام الذات توصلت إلى أن الاحتضان يقلل كثيرا من المخاوف التي تتعلق بالوفيات بشكل كبير، وأشارت إلى أن العناق حتى لو كان عناقا لدمية فإنه يساعد في زيادة الشعور بالأمان.

هذا بالإضافة إلى تأثيرات الناقل العصبي الأوكسيتوسين، والذي يختص في العمل بالجهاز الطرفي، وكذلك المركز العاطفي للمخ، وزيادة مشاعر الرضا، والسيطرة على مشاعر القلق والتوتر، وفيما يخص الذكور فإنه يساهم في زيادة مشاعر الحب لديهم ويساعدهم على إقامة علاقات اجتماعية أنجح ويولد لديهم الرغبة بإقامة علاقات حميمية.