مئات الآلاف من المدنيين يحاولون الهرب من هجمات النظام السوري والعالم في غفلة عنهم

بعد سنوات من تعذيب المدنيين وتهجيرهم وتنفيذ مئات المذابح الوحشية فيهم من قبل النظام السوري وداعميه من الروس والإيرانيين عن طريق استهداف المدارس والمستشفيات والأطباء والمسعفين، بالقنابل والصواريخ والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية، لم يتوقع العالم أن بشار الأسد وحلفائه سيدخلون سوريا في موجة جديدة من البؤس والانتهاكات الوحشية.

في الواقع، هذا ما حدث مع الأسف، حيث شن الأسد وحلفائه هجمات لا زالت مستمرة من الأسبوع الماضي على إدلب، آخر حصن يسيطر عليه معارضو النظام، ما أسفر عن أكبر كارثة إنسانية شهدتها سوريا في الحرب التي دخلت عامها التاسع.

وفقاً للأمم المتحدة، شهدت إدلب وما حولها نزوح نحو 832 ألف شخص، معظمهم من الأطفال، خلال الثلاثة أشهر الماضية، بينهم 100 ألف في الأسبوع الماضي فقط.
لم تكن هذه هي موجة النزوح الأولى، ولكنها كانت الأكبر، فقد فر مئات الآلاف من قبل بفعل انتهاكات النظام السوري وجرائمه الوحشية، والذين فروا من الحرب إلى ظروف أكثر قسوة، حيث درجات حرارة شديدة البرودة، مع عدم وجود حتى خيمات للاحتماء بداخلها، ليموت بالبرد من فر من الرصاص، ومن المرجح أن تزداد الظروف سوءً، بفضل استمرار الحرب في إدلب، كما أنه من المرجح أن يرتفع عدد النازحين إلى الحدود المغلقة بالقرب من تركيا.

المناطق التي يستهدفها النظام السوري الآن تُعد ضمن مناطق خفض التصعيد التي تم ابرام اتفاق بشأن وقف اطلاق النار فيها عام 2018 بين القوات النظامية السورية والإيرانية والروسية وبين تركيا، بوساطة من أنقرة وموسكو، ومع ذلك، تم خرق هذه الاتفاقية أكثر من مرة من قبل النظام السوري، الذي برر هذا بادعائه وجود ميليشيات إرهابية في المنطقة تابعين لتنظيم القاعدة وداعش.
هجمات النظام السوري لم تستهدف الإرهابيين ولا قواعدهم، بل استهدفت المدنيين وأماكن تجمعهم والمناطق السكنية والمستشفيات والمدارس والمخابز.

تغافل العالم عن الصراع الدائر في سوريا، كأن الخسائر البشرية والمدنية والمادية التي تكبدها السوريون بفضل الحرب لم تكن سبباً كافياً للفت انتباه العالم، الذي لم يتخذ إجراءات حاسمة وإيجابية حتى الآن لإنقاذ السوريين ووقف الحرب ومحاسبة المسؤولين عن كافة الجرائم المرتكبة.
في فيلمها الوثائقي “من أجل سما” الحائز على العديد من الجوائز الدولية، وصفت المخرجة السورية وعد الخطيب الوضع في سوريا، حيث حمل الفيلم عدد من الرسائل من حلب المحاصرة تخاطب الجميع، وتعليقاً على الفيلم قالت الخطيب “شاهد الملايين تقاريري في الفيلم، لكن أحداً لم يفعل شيئاً”.

سيطر النظام الآن على الطريق السريع الرابط بين دمشق وحلب، قد يكون هناك الآن توقف مؤقت؛ ويأمل البعض ألا تتطور الأمور إلى نشوب حرب مع تركيا.

السيناريو الأفضل الآن هو سيناريو قاتم، حتى لو توقف النظام السوري، فإن المحنة الحالية للنازحين ليست محتملة ولا مستدامة.
تركيا لديها بالفعل 4 ملايين لاجئ، هدفها هو إعادتهم إلى “منطقة آمنة” في سوريا، وعدم قبول المزيد من خلال إعادة فتح حدودها.

من ناحيته قال ديفيد ميليباند، رئيس لجنة الإنقاذ الدولية، أن ملايين الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إلى الإمدادات والمأوى محشورين في هذه الشريحة من الأرض الذي وصفها بأنها – “غزة في سوريا”، كما وصف هذه الكارثة بأنها أحد أعراض الفشل المطلق للدبلوماسية ونتيجة لتخلي المجتمع الدولي عن المدنيين السوريين.

وبقدر ما كانت الزيادة المفاجئة في أعداد النازحين الفارين من هذا الوضع، فإن هذه الكارثة كانت محتملة؛ وهي نتيجة منطقية للقرارات التي اتخذت على مدى سنوات مضت منذ بدئ الحرب.
الحل الآن هو وقف فوري لإطلاق النار، والسماح للمساعدات بالوصول دون عوائق أو عراقيل، وذلك من أجل أن يُمنح هؤلاء المدنيين اليائسين أي أمل في الحياة براحة ولو مؤقتة، كما يجب على القوى الغربية أن تبذل كل ما في وسعها لإنقاذهم

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا