بن سعيد انتصر في المعركة الانتخابية رغم عدم انتمائه لأي حزب سياسي

في معركة عكست المشهد السياسي المتغير في تونس ما بعد الثورة، حصل قيس بن سعيد على أكثر من 70٪ من أصوات المنتخبين، متقدماً بذلك بأكثر من 40 نقطة على نظيره نبيل القروي، المرشح الرئاسي الآخر، وهو أحد المتحكمين في المشهد السياسي التونسي، لينتظر العالم اعلان النتيجة الرسمية الاثنين المقبل.

تقدم بن سعيد بالشكر لشباب البلاد “على فتح صفحة جديدة”، وتعهد بمحاولة بناء “تونس جديدة”، حيث أن حوالي 90٪ من الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 25 عاماً قاموا بالتصويت لصالح بن سعيد، وفقاً لإحصاءات معهد “سيغما”، مقارنة بالناخبين الذين تجاوزت أعمارهم 60 عاماً، حيث شكلت نسبة تصويتهم لبن سعيد 49.2٪.

على الرغم من أن الإعلان الرسمي عن نتيجة الانتخابات الرئاسية لم يصدر بعد، إلا أن الآلاف خرجوا إلى شوارع العاصمة “تونس” للاحتفال بفوز بن سعيد، واقترنت احتفالاتهم بالنشيد الوطني التونسي، مع التهليل وهتافات عبارات مثل “قيس بن سعيد… صوت الشعب”.

في تعليق لأحد المواطنين على نتائج الانتخابات، قال بصيري عبيدي (ميكانيكي-39 عاماً) “إنه يوم تاريخي: تونس تجني ثمار الثورة”، مضيفاً “سيضع قيس بن سعيد حداً للفساد، وسيكون رئيساً عادلاً”.

من ناحيته صرح نبيل القروي، في مؤتمر صحفي، إنه حُرم من فرصة التنافس بصورة عادلة، وسيقرر في الأيام المقبلة إذا كان سيستأنف على نتائج الانتخابات أم لا.

المحللون رأوا ان اختيار شريحة واسعة من الشعب لشخص مرتبط في أذهانهم بالثورة، وابتعادهم عن أي من رجال النظام القديم، نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، يعكس استياء الشعب من الوضع الاقتصادي المتردي للبلاد، ولعله كان العامل الرئيسي الذي دفع التونسيون إلى الشوارع عام 2011.

في حوار لصفوان المصري- أستاذ السياسة الشرق أوسطية وشمال أفريقيا بجامعة كولومبيا، قال “خيبة الأمل الكبيرة من الوضع الاقتصادي الحالي وحاجتهم إلى إصلاح اقتصادي حقيقي في البلاد كان أهم ما يحرك التونسيين الناخبين”، مضيفاً “اخفاق رئيس الوزراء التونسي ووزير الدفاع في الانتخابات الرئاسية كان له رسالة قوية من الشعب مفادها: لقد سئمنا منكم، لم نعد نتحمل مؤسساتكم ووعودكم الفاشلة”.

المعركة الانتخابية شهدت مناظرة قوية بين المرشحين النهائيين، بن سعيد وقروري، مساء الجمعة الماضية، تحدث فيها بن سعيد -وهو ليس عضواً في حزب سياسي وخلال الحملة الانتخابية لم يلتق بالتجمعات الجماهيرية- أمام الجمهور باللغة العربية الفصحى، بينما تحدث قروري بلهجة محلية، مع وعود بتنفيذ خطة حملته الانتخابية المعنية بمساعدة الفقراء.

يدير قروري محطة “نسمة” التليفزيونية الخاصة منذ عام 2002، والتي من خلالها يظهر في برنامج “شعبي” منذ سنوات يقوم فيه بتوزيع الأجهزة الكهربائية على العائلات المحتاجة.

في المقابل، بن سعيد لم يمتلك ذات الشهرة، فعلى مدار العقود الماضية انشغل في تدريس القانون الدستوري في إحدى الجامعات بتونس حتى تقاعده عام 2018، لتنطلق حملته السياسية فيما بعد.

بعض المحللون يرون أن افتقاره النسبي للكاريزما السياسية المعروفة قد يصب في مصلحته، فحتى الآن لا يُعرف عنه إلا أنه غير قابل للفساد وذو عقلية مدنية صارمة، وربما هي الأسباب التي تستند عليها جاذبيته.

طالب بن سعيد، في برنامجه الانتخابي، بإلغاء النظام البرلماني في البلاد لصالح تطبيق نموذج ديموقراطي لامركزي ومحافظ اجتماعياً، كما أعلن تأييده لعقوبة الإعدام ورفضه لمشروع القانون الحالي الذي يقضي بتوزيع الميراث بالتساوي بين الرجال والنساء، كما تحدث بسخرية عن المثلية الجنسية التي يرفضها، كما قال إنه سيسعى للحد من عمل المنظمات غير الحكومية الأجنبية في البلاد.

أما قروري، فقد قُبض عليه بتهمة الفساد عشية انطلاق حملته الانتخابية في وقت سابق من العام الجاري، لتأتي عملية القبض عليه في توقيت اعتبره الكثيرون حيلة لكبح شعبيته، إلا أنها أتت بنتائج عكسية بنسبة، ومع ذلك، لا زالت قضيته قيد التحقيقات كما لا يمكنه السفر للخارج.

استطاعت تونس على مدار السنوات الماضية أن تنتشل نفسها من الفوضى التي تلت الثورة، والتي تسبب فيها القوى المختلفة التي تقاتلت للسيطرة على البلاد، كالقوى العلمانية والإسلامية، ولعل المرحلة الأصعب في تلك العملية الانتقالية كانت في 2013 حين تم اغتيال العديد من القادة اليساريين على أيدي متطرفين إسلاميين -بحسب التحقيقات، وهي الحوادث التي أدت إلى تعميق الاستقطاب بين الفصائل السياسية المختلفة في البلاد.

ولكن تغير المشهد بفضل جهود جماعات المجتمع المدني (التي مُنحت جائزة نوبل للسلام لعام 2015)، وجهود القادة السياسيين، والذين سوياً أبرمواً اتفاقاً ضمنياً بتقاسم السلطة عام 2016، وهو الاتفاق الذي حقق الاستقرار للبلاد ولكن في المقابل أوقف الإصلاحات التي قد تكون لها ساعد في كبح الفساد أو تخفيف البيروقراطية المنتفخة في البلاد.

يُعد بن سعيد المرشح الأوفر حظاً من بين كافة المرشحين، حيث حظى بدعم حزب النهضة الإسلامي، الذي حصل على أكبر نسبة في البرلمان التونسي حتى وإن لم تكن أغلبية، ومع ذلك، يرى صفوان المصري إن سلطة بن سعيد الرئاسية ستكون محدودة، فالإصلاحات السياسية التي يتطلع بن سعيد لتحقيقها تتطلب على الأقل أن يتم تأييده من قبل ثلثي البرلمان، وأضاف “المصري” عن بن سعيد أنه “سيكون زعيماً سياسياً منعزلاً لأنه ليس لديه حزب سياسي”.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا