هربًا من ملاحقات وتهديدات النظام البحريني فر المعارض والناشط يوسف الجمري من بلاده إلى المملكة المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول 2017 باحثًا طالبًا لحق اللجوء معتقدًا أنه بذلك سيصبح في مأمن من شرور سلطات المملكة الخليجية، لكنه اكتشف أن آذاها طاله حتى في منفاه بعد تمكن النظام من اختراق هاتفه والتجسس عليه بواسطة برنامج التجسس الإسرائيلي “بيغاسوس”.

منذ كان في عمر الـ 16، تعرض الجمري للاعتقال والتعذيب على يد الأمن البحريني أكثر من مرة، أولها امتدت فترة احتجازه إلى 5 أشهر دون تهمة تخللها العديد من الانتهاكات الوحشية ضد كافة حقوقه كمعتقل وكإنسان قبل كل شيء.

عام 2011، خلال الربيع العربي، تعرض الجمري لاستجوابات ومضايقات منتظمة من قبل السلطات بسبب نشاطه الملحوظ في تلك الفترة ودعوته للاحتجاج ضد النظام، واستمرت تلك الممارسات الوحشية من اعتقال وتعذيب على يد الأمن الوطني وصل حد الاعتداء الجنسي والتهديد بالاغتصاب، حتى قرر مغادرة البلاد هو وأسرته عام 2017.

عن قرار الرحيل قال يوسف: “لم يكن قرارًا سهلًا… كنت موظفًا حكوميًا في البحرين وكنت محاطًا بعائلة محبة… لكني فقدت كل هذا وكان علي أن أبدأ حياة جديدة في المملكة المتحدة”، وأضاف “منحتني سلطات المملكة المتحدة حق اللجوء وهذا منحني إحساسًا حقيقيًا بالأمان”.

لكن يبدو أن إحساس الأمان لم يكن حقيقيًا، إذ اكتشف يوسف أن الأذى لاحقه في بريطانيا حسب ملف قانوني قدمه الجمري في إنجلترا ضد السلطات البحرينية ومجموعة NSO الإسرائيلية بعد اكتشافه أن الحكومة تجسست عليه بواسطة برنامج “بيغاسوس” بعد اختراق هاتفه المحمول في أغسطس/آب 2019.

تأتي الرسالة القانونية – وهي خطوة إجرائية يتخذها المدعون في المملكة المتحدة قبل تقديم شكوى قانونية رسميًا – في الوقت الذي تواجه فيه مجموعة NSO بالفعل تحديات قانونية في الولايات المتحدة.

على مدار السنوات الماضية، منحت الشركة تراخيص برنامج التجسس بيغاسوس للحكومات في جميع أنحاء العالم، وحسب المعلومات المتوفرة يمكن للبرنامج اختراق أي هاتف بصورة خفية، مما يمكّن العملاء من قراءة الرسائل المشفرة والتحكم عن بُعد في الوصول إلى كاميرا ومسجل الهاتف.

ورغم أن الشركة زعمت أن برنامجها مخصص لملاحقة المجرمين والإرهابيين، عشرات الحالات التي وثقتها صحيفة الغارديان ووسائل الإعلام الأخرى أظهرت أن البرنامج استخدم من قبل السلطات المختلفة للتجسس على النشطاء والصحفيين وقادة المعارضة السياسية والدبلوماسيين.

في العام الماضي، وضعت إدارة بايدن NSO على قائمة سوداء بعد أن وجدت أن الشركة تصرفت “بما يتعارض مع السياسة الخارجية ومصالح الأمن القومي للولايات المتحدة”، وحاليًا تواجه الشركة دعاوى قضائية من قبل WhatsApp في الولايات المتحدة ومن قبل الصحفيين في El Faro ، صحيفة السلفادور الرقمية ، الذين زعموا أيضًا أنهم استهدفوا من قبل السلطات باستخدام برامج التجسس.

يشير تحليل هاتف الجمري إلى أن الاختراق حدث بعد أيام من بدء الجمري بالتغريد عن حادثة وقعت في 26 يوليو / تموز 2019، إذ اتخذت الشرطة في لندن خطوة غير عادية للدخول بالقوة إلى سفارة البحرين من أجل إنقاذ أحد المتظاهرين الذي صعد على السطح وادعى أنه تعرض للاعتداء.

الواقعة تخص الناشط على الأسطح، موسى محمد، الذي كان يحتج على الإعدامات التي نفذتها البحرين آنذاك.

شاهد حوالي مليوني شخص تغريدات الجمري حول عمليات الإعدام بين 26 و 28 يوليو / تموز، وحسب الخبراء فإنه تعرض للاختراق بين 3 و 5 أغسطس/آب من ذلك العام.

بالنسبة لخبراء المراقبة، توضح القضية كيف توفر برامج التجسس للأنظمة الاستبدادية وبعض الديمقراطيات القدرة على تعقب المحتجين والمعارضين السياسيين في جميع أنحاء العالم.

قال بيل ماركزاك، الباحث في Citizen Lab الذي عمل على قضية الجمري: “تسمح هذه الأنواع من التقنيات للحكومات بالوصول إلى ما هو أبعد من حدودها… بُعد المسافات لم يعد ضمانًا للأمان.”

تأتي الدعوى القانونية في أعقاب حكم منفصل صدر في أغسطس / آب، قضى فيه قاض بريطاني بإمكانية المضي قدمًا في قضية ضد المملكة العربية السعودية رفعها معارض سعودي في لندن استُهدف ببرنامج تجسس بعد أن رفض طلب السعودية بالحصول على حصانة سيادية.

من جانبه قال سيد أحمد الوداعي، مدير معهد البحرين للحقوق والديمقراطية الذي يعمل به الجمري “يوسف نفذ عمل بطولي بمواجهته كل من الحكومة البحرينية ومجموعة NSO وبدء عملية رفع دعوى قضائية ضدهما… فعل ذلك على الرغم من الخطر الجسيم الذي قد يواجهه للانتقام منه ومن المقربين منه”.

وأضاف الوداعي “إنه القرار الصحيح الذي يجب اتخاذه… ورغم أن محاكم المملكة المتحدة سبق ومنحت الأفراد الحق في مقاضاة الدول لاختراق أجهزتهم، فإن القضية المرفوعة ضد مجموعة NSO لم يُبت فيها بعد “.

في سياق متصل قالت الناشطة البحرينية مريم الخواجة ابنة المعتقل عبد الهادي الخواجة داخل السجون البحرينية: “إن اختراق هاتف الجمري يوضح أهميته كناشط ومقدم للمعلومات حول ما يحدث داخل البحرين من خلال شبكة مصادره، خاصة وأن وسائل الإعلام المستقلة لم يعد لها مكان لنقل الحقيقة من داخل البلاد”.

وأشارت الخواجة التي تقيم في المنفى حاليًا إلى محاولات الحكومة لتلميع صورة للبحرين، مضيفة “أشخاص مثل يوسف يجعلون من الصعب على الحكومة البحرينية أن تبدو أفضل على الصعيد الدولي بسبب فضحهم المستمر لانتهاكات النظام”.

يُذكر أن تقرير حقوق الإنسان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2021 حول البحرين وجد أن قضايا حقوق الإنسان المهمة في المملكة الخليجية تضمنت تقارير موثوقة عن التعذيب والاعتقالات التعسفية والقيود الخطيرة على حرية التنقل والقيود غير المعقولة على المشاركة السياسية.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا