في 24 يونيو/حزيران، تم اعتقال نزار بنات، من قدامى النشطاء البارزين المعارضين للسلطة الفلسطينية، بصورة وحشية بعد الاعتداء عليه وضربه بصورة وحشية خارج منزل ابن عمه في الخليل من قبل قوات الأمن التابعة للسلطة – ما نتج عنه وفاته بعد ساعات قليلة في الحجز.
اعتقال بنات والاعتداء عليه جاء بسبب مقاطع الفيديو التي كان ينشرها بانتظام على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي غالباً ما كانت تتهم السلطة الفلسطينية بالفساد والقمع والتعاون مع إسرائيل، وقبل أيام قليلة من وفاته، قام بتحميل شريط فيديو اتهم فيه السلطة بالتضحية بالنضال الفلسطيني لأجل حماية الاحتلال.
يرى الكثيرون أن وفاة نزار بنات كانت اغتيالاً سياسياً، بناء عليه اندلعت الاحتجاجات في جميع أنحاء الضفة الغربية بعد وقت قصير من إعلان وفاة بنات.
كانت رسالة المتظاهرين واضحة: طالبوا بمحاسبة المسؤولين عن مقتل بنات وتحقيق العدالة لعائلته، لكن مع فشل مسؤولي السلطة الفلسطينية في الاستجابة لهذه المطالب، ومع عدم وجود إقالات رسمية، تحولت الاحتجاجات إلى دعوة أوسع لإسقاط النظام – مرددين مطالب الثورات العربية التي بدأت منذ أكثر من عقد فيما عُرف بالربيع العربي.
في رام الله، العاصمة غير الرسمية للسلطة الفلسطينية، استمرت الاحتجاجات حتى شهر يوليو/تموز، وقوبلت بقمع عنيف حيث استخدمت قوات الأمن التابعة للسلطة الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية لتفريق الحشود بعنف مفرط، كما قام عناصر أمن يرتدون ملابس مدنية بمضايقة المتظاهرين والاعتداد عليهم، خاصة النساء، كما نفذوا اعتقالات جماعية للنشطاء- كثير منهم شخصيات معروفة في المجتمع المدني.
تلاشت الاحتجاجات لبضعة أسابيع – كان للقمع تأثير مخيف – لكنها عادت مرة أخرى في أواخر أغسطس/آب، وعادت معها الحملة القمعية، حيث احتُجز العشرات في زنازين غير صحية ومزدحمة دون مراعاة لتدابير وباء كوفيد-١٩، وبحسب ما ورد، تعرض المعتقلون لسوء المعاملة والاستجواب لساعات دون تمثيل قانوني، في وقت تشتهر فيه مراكز الاعتقال والسجون التابعة للسلطة الفلسطينية بالتعذيب وسوء الأوضاع والمعاملة.
التهم الموجهة إلى المعتقلين، تظهر عبثية الاعتقالات، أحد المعتقلين متهم ببساطة بتوزيع العلم الفلسطيني، فيما يُتهم آخرون بجرائم غامضة وفضفاضة مثل “إثارة الفتنة الطائفية” و “إهانة السلطات”.
بكل أسف هذه الاتهامات منتشرة في أروقة القضاء الفلسطيني، في عام 2013 على سبيل المثال، حُكم على صحفي فلسطيني بالسجن لأكثر من عام بتهمة إهانة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ونتيجة لهذه الاعتقالات الأخيرة، أصدرت العشرات من منظمات المجتمع المدني الفلسطيني، بما في ذلك منظمة الحق (منظمة حقوقية فلسطينية بارزة) بيانًا حذرت فيه من “التدهور الخطير في الحقوق والحريات على أيدي السلطة الفلسطينية”.
السلوك الاستبدادي للسلطة الفلسطينية ليس جديدا ولا مفاجئا، تم تشكيلها بعد اتفاقيات أوسلو عام 1993 كهيئة مؤقتة لحكم الضفة الغربية وقطاع غزة، ومنذ ذلك الحين، تفوقت في تلك المناطق على سلطة منظمة التحرير الفلسطينية – الممثل السياسي الرسمي للشعب الفلسطيني في الأمم المتحدة وفي أماكن أخرى.
على مر السنين، رصدت العديد من المنظمات المحلية والدولية ليس فقط قمع الاحتجاجات من قبل السلطة الفلسطينية، ولكن أيضًا عدم وجود حرية التعبير بشكل عام وخنق الديمقراطية في أراضيها، لقد تجاوزت قيادة السلطة الآن أكثر من عقد من تقويضها للديموقراطية حيث جرت الانتخابات الأخيرة في عام 2005.
غالبًا ما يتم تأطير هذا الوضع مع السلطة الفلسطينية على أنه قضية فلسطينية داخلية، لكن هذا يتجاهل الطريقة التي تعتمد بها السلطة الفلسطينية على الدعم الدولي، وكيف تنسق في كثير من الأحيان أكثر تحركاتها قمعية مع النظام الإسرائيلي، وهذا يعني أن انتهاكاتها ليست مجرد قضية داخلية، ولكنها جزء من نظام القمع الشامل.
السلطة الفلسطينية تعتمد بشكل كبير على المانحين الأجانب والعديد من الدول، بما في ذلك المملكة المتحدة من أجل العمل، حيث توفر تلك الجهات التمويل وبرامج التدريب لقوات الأمن الفلسطينية.
بالنسبة لهؤلاء المانحين، يُنظر إلى السلطة على أنها ركيزة أساسية في الحفاظ على الاستقرار العام في الضفة الغربية – حتى لو كان ذلك يعني قمع الاحتجاج الشعبي، حيث نصت اتفاقيات أوسلو على أن السلطة يجب أن تعمل مع الإسرائيليين في إطار تحقيق “سلام أمني”، وهذا يعني أنهم ملزمون بالعمل في تعاون كامل مع النظام الإسرائيلي، من خلال أشياء مثل التدريب المشترك والمشاركة الاستخبارية المكثفة.
وبالفعل، فإن العديد من المعتقلين لدى السلطة الفلسطينية في الأسابيع الأخيرة تم سجنهم أيضاً من قبل النظام الإسرائيلي، بما في ذلك الأسير صاحب الإضراب عن الطعام الشهير خضر عدنان والباحث أبي عبودي.
كما تسهل السلطة الفلسطينية في كثير من الأحيان دخول الجيش الإسرائيلي إلى المناطق الخاضعة لسيطرتها، كان هذا هو الحال في عام 2017 عندما داهمت وحدة من القوات الخاصة التابعة للجيش الإسرائيلي منزل الناشط باسل الأعرج وقتلته، والجدير بالذكر أن الأعرج لم يكن مجرد ناشط ناضل ضد النظام الإسرائيلي، بل كان أيضاً من أشد منتقدي السلطة الفلسطينية.
من الواضح أن هذا التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والجهات الإسرائيلية لعب دوراً في وفاة بنات أيضاً، حيث كان بنات يقيم في منطقة “H2” في الخليل، والتي ظلت تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية منذ اتفاق 1997 مع السلطة الفلسطينية، وهي منطقة تضم 34 ألف فلسطيني و 700 مستوطن إسرائيلي غير شرعي وحوالي 1500 جندي إسرائيلي.
لكي تدخل قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية (أو أي مسؤول فلسطيني في هذا الشأن) إلى هذه المنطقة، يجب أن تحصل على إذن كامل من الجيش الإسرائيلي، بعبارة أخرى، حصلت السلطة الفلسطينية على إذن من الإسرائيليين للدخول وتنفيذ الغارة التي قتلت بنات في نهاية المطاف.
هذه العلاقات الوثيقة والتعاون بين السلطة الفلسطينية والنظام الإسرائيلي هي قصة غالباً ما تُركت دون أن تروى في وسائل الإعلام الدولية.
قد يجادل بعض الفلسطينيين بأنه ليس من الجيد نشر “ثيابنا” القذر، بينما يريد نشطاء التضامن الدولي والحلفاء تجنب التورط في القضايا الفلسطينية “الداخلية”.
ومع ذلك، مع لجوء السلطة بشكل متزايد إلى الاستبداد، من الضروري أن نفهم أن قمع النشاط السياسي الفلسطيني هو جزء لا يتجزأ من الاحتلال الإسرائيلي، علاوة على ذلك، فإن هذا القمع يتم بمساعدة وتحريض من قبل العديد من الجهات الفاعلة في المجتمع الدولي.
تعتمد كل من السلطة الفلسطينية والنظام الإسرائيلي على بعضهما البعض، فالأول يحتفظ بقبضته العسكرية على شعبه، والآخر للحفاظ على شعب فلسطيني مهزوم لا يملك رأي سياسي، وهذا يعني، أكثر من أي وقت مضى، أن الفلسطينيين لن يتحرروا من الاضطهاد الإسرائيلي تحت قيادة هذه السلطة الفلسطينية.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا