شاهدنا مؤخرًا العديد من الرياضيين العالميين، سواء في مجال كرة القدم أو الجولف أو غيرها، ممن تنازلوا عن مبادئهم وقيمهم في الدفاع عن حقوق الإنسان ووافقوا على الانتقال للعب في السعودية التي تنتهك حقوق الإنسان بشكل واضح وصريح، خاصة تلك التي يدافع عنها هؤلاء الرياضيين.
تغير مواقف هؤلاء الرياضيين تُظهر كيف أن ثروة السعودية تعيد تشكيل المشهد الرياضي وتثير أسئلة جديدة حول العلاقة بين الرياضة والسياسة. على مدار العقد الماضي، شرعت الرياض بوعي في استخدام الرياضة والثقافة كوسيلة لتأكيد قوتها الناعمة، للخروج من وضعها “المنبوذ” واكتساب الاعتراف على المسرح العالمي. تعد هذه الاستراتيجية جزءًا أساسيًا من “رؤية 2030”، وهو برنامج ضخم وضعه ولي العهد محمد بن سلمان لتنويع الاقتصاد بعيدًا عن اعتماده على النفط والغاز، كما يدعي.
حازت السياسات الاجتماعية التحررية التي ينتهجها محمد بن سلمان على إشادة المعلقين الغربيين، حيث تحدث توماس فريدمان من صحيفة نيويورك تايمز بحماسة عن “الربيع العربي” في المملكة العربية السعودية. ومع ذلك، فإن ما أنجزه محمد بن سلمان حقًا هو إصلاح اجتماعي طفيف يصاحبه الاستبداد السياسي المستمر وسحق أي معارضة.
عملية اغتيال الصحفي المعارض جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول كشفت عدم تقبل النظام السعودي لأي نوع من المعارضة، وأكدت عدم تسامحه مع أي نقد، لدرجة تصل إلى الاعتقال، والتعذيب، والخطف، والقتل.
جريمة قتل خاشقجي تسببت في تشويه سمعة النظام السعودي بشكل كبير على المسرح العالمي، خاصة بعد أن كشفت تحقيق استخباراتي أمريكي عن تورط بن سلمان بشكل مباشر في الجريمة، فضلًا عن الحرب الدامية التي قادها في اليمن لمدة 10 سنوات، وتسببت في أسوأ كارثة إنسانية في العالم، لذلك يحاول النظام السعودي حاليًا وبكل الأدوات الممكنة أن يلمع صورته ويغطي على هذه الجرائم.
الغسيل الرياضي كان أبرز أدوات النظام السعودي لتلميع صورته، إذ توفر الرياضة لغة عالمية، وفي عالم الرياضة اليوم لغة المال هي المفهومة، من الملاكمة إلى كرة القدم إلى سباق السيارات إلى الجولف، سمحت الأموال السعودية للنظام بالتسلل إلى ساحات عالمية جديدة.
يوجد تاريخ طويل من الدول الاستبدادية والديمقراطيات الليبرالية التي تستخدم الرياضة كوسيلة لتأكيد السلطة وتشكيل النقاش السياسي، ومع ذلك، فإن استخدام السعودية للغسيل الرياضي وصل مراحل غير مسبوقة، إذ لم تهتم السعودية بمجال محدد أو استغلت حدثًا عالميًا معينًا للترويج لنفسها، ككأس العالم مثلًا، لكنها تحاول الآن وتسعى إلى أن تصبح مركزًا لصناعة الرياضة العالمية، وبالتالي تشكل الرياضة العالمية.
ما سهل على السعودية القيام بذلك هو أن الرياضة تحولت بالفعل إلى سلعة عالمية، لا تفهم سوى لغة المال، ولا تتحدث سوى بلغة المال، والتفوق لمن يدفع أكثر.
عندما بدأ الدوري الإنجليزي الممتاز في عام 1992، كانت الإيرادات في موسمه الأول 170 مليون جنيه إسترليني؛ في العام الماضي، بلغت الإيرادات 5.5 مليار جنيه إسترليني.، على سبيل المثال نادي مانشستر سيتي (المملوك للشيخ منصور، أحد أفراد العائلة المالكة الإماراتية)، حقق بمفرده عائدات تزيد بثلاثة أضعاف عن إيرادات الدوري الإنجليزي بأكمله في عام 1992.
في حين أن الدوري الإنجليزي الممتاز قد يكون الأغنى، إلا أن عائدات الدوريات الأخرى أيضًا لافتة للنظر: حقق الدوري الإسباني 3.3 مليار يورو (2.9 مليار جنيه إسترليني)، وحقق دوري الدرجة الأولى الفرنسي عائدات بلغت ملياري يورو.
أدرك السعوديون أن الرياضة لم تعد تهتم بالأخلاق كما في السابق، وأن المال هو سيد الموقف دائمًا، قال لاعب الغولف الأمريكي فيل ميكلسون عن مشاركته في جولة LIV الممولة سعوديًا: “نعلم أنهم قتلوا خاشقجي ولديهم سجل مروع في حقوق الإنسان…مع ذلك وافقنا على عرضهم لأن هذه فرصة تحدث مرة واحدة في العمر “.
بغض النظر عن مدى استيائنا من هذه التصريحات والواقع الذي تسبب في هذا، فإن استيائنا ليس من ميكلسون أو الجولف أو الرياضة، ولكن من نظام تحتل فيه الأخلاق المرتبة الثانية بعد التجارة والسياسة الواقعية، من نظام يتحدث فيه السياسيون وصناع القرار ورواد الأعمال بصوت عالٍ عن “حقوق الإنسان” ثم يحتضنون بهدوء أمثال محمد بن سلمان عندما يجدون التعاون معه أكثر ربحية.
في العام الماضي، تمت تجارة بقيمة 17.3 مليار جنيه استرليني بين المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية، وفقًا للحملة ضد تجارة الأسلحة، منذ بدء الهجوم السعودي على اليمن، باعت بريطانيا ما يقرب من 27 مليار جنيه استرليني من مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، بين عامي 2015 و 2019، كانت أكبر مستورد للأسلحة في العالم، ثلاثة أرباعها تقريبًا من الولايات المتحدة.
وفي عام 2021، حظر جو بايدن مبيعات الأسلحة الهجومية للرياض، لكنه مع ذلك وافق العام الماضي على بيع صواريخ باتريوت بقيمة 3 مليارات دولار (2.3 مليار جنيه إسترليني).
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا