900.000 يفرون من “ام 5” بحثاً عن الأمان في ظل محاولات الأسد ونظامه لاستعادة آخر معقل للمتمردين

الأيام الماضية شهدت تهجير آلاف الأسر السورية بعد الهجمات الشرسة التي شنتها قوات الأسد بمعاونة القوات الروسية. من بين تلك العائلات، عائلة “حسين”، التي اضطرت لمغادرة منزلهم في سراقب عند الفجر بعد هجوم الطائرات الحربية الروسية والسورية ، المحملة بالقنابل والبراميل المتفجرة، دون الوضع في الاعتبار كون تلك المنطقة مدنية، مليئة بصغار السن والرضع، حيث كان يحيى ابن حسين أحد هؤلاء الرضع (7 أشهر) الذين ذعروا من أصوات القنابل والمدفعية.
قضى حسين وزوجته بنان أسبوعين في معاناة ما إذا كانا سيغادران المنزل ويأخذان الطريق السريع، تحديداً منطقة “ام 5” شمالاً إلى المجهول، لكن في النهاية اضطروا إلى المغادرة بعد ان اشتدت الحملات شراسة ضد إدلب -آخر معقل للمعارضين في البلاد.

انضمت عائلة “حسين” إلى 900.000 آخرين شقوا طريقهم في أكبر موجة نزوح داخلي للسوريين حتى الآن في الحرب الممتدة في سوريا منذ 9 سنوات بالنسبة للمدنيين الذين ليس لديهم مكان آخر يفرون إليه. كان الطريق السريع “ام 5” باتجاه الشمال هو الطريق إلى الأمان النسبي، على الرغم من أن الطريق الآن أصبح تحت السيطرة الكاملة لقوات الأسد، الذي يعتبره الطريق إلى النصر.

طريق “ام 5” أو “الطريق الدولي” في سوريا، يربط كل المدن الرئيسية في سوريا والمقاطعات الست معًا، حيث يصل الشريان الذي يبلغ طوله 450 كم (280 ميل) بالعاصمة السياسية دمشق إلى المركز الاقتصادي في حلب، كما يمتد “ام 5” إلى تركيا في الشمال والحدود الجنوبية الأردنية، والتي ربطت سوريا بدول الخليج بعد ذلك، هذا بالإضافة إلى الفائدة الاقتصادية لـ “ام 5” حيث كان يتم نقل ما يقدر بنحو 25 مليون دولار في السلع والسلع يومياً قبل اندلاع الحرب في عام 2011.

إعادة السيطرة على طريق “إم 5” كانت أولوية قصوى بالنسبة لنظام الأسد، حيث كان واقعاً تحت سيطرة الميليشيات المقاتلة للنظام على مدار الأعوام الثمانية الماضية، ولكن وبمساعدة روسيا تمكنت الحكومة السورية من استعادة السيطرة ببطء على الطريق منذ عام 2014، حيث أفرغت البلدات والمدن على طول الطريق عبر سلسلة من الهجمات الجوية العنيفة، وفرض الحصار عليها.

بحلول صيف 2018، كانت إدلب، وهي مقاطعة ريفية في شمال شرق البلاد، هي الجزء الوحيد من سوريا الذي ظل خارج سيطرة نظام الأسد، ومن ناحية أخرى تضخم عدد سكان مدينة إدلب والريف المحيط بها من مليون إلى حوالي 3 ملايين، حيث كان يفر الناس إلى إدلب خوفاً من هجمات النظام على أحيائهم.

على الرغم من أن المنطقة كانت محمية باتفاق وقف التصعيد الذي توسطت فيه تركيا- والذي يدعم بعض جماعات المعارضة- كما توسط فيه حلفاء الأسد في موسكو، فإن النظام السوري لم يلتزم بالاتفاق كون جزء من طريق “ام 5” يقع في إدلب، وعليه أطلقت قوات النظام في ديسمبر/كانون الأول حملة جديدة شرسة لاستعادة آخر قطعة في الطريق، ليتم الاستيلاء عليه أخيراً استولت على آخر قسم يسيطر عليه المتمردون حول قرية خان العسل الأسبوع الماضي.

نجاح النظام في استعادة السيطرة على طريق “إم 5” جاء على حساب المدنيين، حيث . تسببت حركة المرور من المصد إلى المصد في انسداد الطريق M5 والطرق الأخرى المؤدية شمالًا باتجاه الحدود التركية المغلقة

طرق الهروب التي يتبعها المدنيون أصبحت خيارات خطرة: فقد تسببت نيران القناصة والمدفعية التي تستهدف القوافل المدنية في مقتل 15 شخصًا على الأقل، ليرتفع عدد من قتلهم النظام إلى 300 شخص في تفجيرات ضربت منشآت طبية ومخابز وغيرها من البنى التحتية المدنية في الأشهر الثلاثة الماضية.
يُذكر أنه ظهرت لقطات على وسائل التواصل الاجتماعي لقوات النظام يُزعم أنها تدنس المقابر في البلدات المتمردة التي استعيدت حديثًا.

داني مكي، المحلل السوري، وصف استعادة الأسد السيطرة على طريق “إم 5” بأنه انتصار كبير للأسد ونظامه، حيث علق قائلاً “إن استعادة الطريق السريع سيؤدي حتما إلى تحفيز حكومة الأسد اقتصاديًا واستراتيجيًا، على الرغم من الخسائر التي تكبدتها من قبل سواء بشرية أو مادية على مدار السنوات الماضية أثناء سعيها لتحقيق ذلك”.

من ناحيته، ألقى الرئيس السوري نفسه خطابًا متلفزًا نادرًا يوم الثلاثاء عقب الاستيلاء على الطريق، وهنأ قواته وتعهد بالمضي قدماً في الحملة، وقال “هذا التحرير لا يعني نهاية الحرب ولا يعني أن أعداؤنا سيستسلمون”.

الخطاب حمل في طياته رسائل مخيفة إلى سكان إدلب، الثلاثة ملايين مدني الذين يذبحون هناك. الوضع مزري بالفعل، حيث حذرت الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة من أن المنطقة قد تواجه “أسوأ كارثة إنسانية في القرن”.
وفي المقابل فإن المحاولات التركية لصد تقدم النظام من خلال تدفق 12000 جندي لم تؤد إلى شيء حتى الآن.

الأوضاع في سوريا في تدهور مستمر، المدنيون الفارون من الحرب يحاولون تأمين أي حياة لهم للبقاء على قيد الحياة، يوم الأربعاء أظهرت لقطات تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي مئات الآلاف من النازحين وهم يحاولون الحصول على ما يمكنهم أخذه من مستودعات الإغاثة، وأظهرتهم أيضاً وهم متكدسون على الحدود التركية بلا مأوى في ظل ظروف الشتاء القاسية.

حسين وأسرته يروا أنفسهم محظوظون، حيث تمكنوا من العثور على شقة غير مفروشة في عزاز، والتي تخضع للسيطرة التركية، رغم أنهم يتوقون بالفعل للعودة إلى ديارهم.

“سمعت أن جنود النظام أشعلوا النار في منازل من يعارضون النظام في سراقب ورأيت صوراً لجنود ينهبون”، هكذا قال حسين، وتابع “مستقبلنا غير واضح”.

واختتم حديثه قائلاً “لا أعتقد أنني أخاف أن أموت في الحرب وفي القصف… لكنني أعلم على وجه اليقين أنه لا يمكنني العيش إلى جانب الرجال الذين يقاتلون من أجل الأسد – الحيوانات التي فعلت هذا بنا “.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا