قبل عشر سنوات في تونس، انهارت حكومة قمعية وسلطوية لأنها أثبتت عدم قدرتها على تلبية مطالب الناس، لماذا الآن يتعامل البعض على أن عودتها هي حل كل المشكلات؟
في عام 2011، كانت تونس الدولة العربية الأولى التي أطاحت بنظامها الديكتاتوري، والوحيدة التي بقيت فيها ديمقراطية حقيقية على مدار العقد الماضي، لكن ما حدث في تونس العاصمة هذا الأسبوع يشير إلى أن البلاد تشهد ثورة مضادة قد تعيدها إلى عقود الظلام.
الأحد 25 يوليو/تموز، أقال الرئيس قيس سعيد رئيس وزراء البلاد وحكومته، وقام بتجميد أعمال البرلمان، كما علق الحصانة البرلمانية للنواب، في تحذير يحمل دلالات واضحة للمعارضين السياسيين، قيام قوات الأمن باقتحام عدد محطات تلفزيونية كذلك ليس بعلامة جيدة على الإطلاق.
المعارضة التونسية، وعلى رأسها حزب النهضة الإسلامي الذي يتمتع بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان، وصفت قرارات قيس سعيد بأنها انقلاب على الثورة.
في الواقع، من الصعب الاختلاف مع هذا الوصف بسبب معطيات كثيرة أبرزها مخالفة هذه القرارات للدستور نفسه، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في أن عدد كبير من الشعب والنخب يؤيدون تلك القرارات، بل ويمتدحون الديكتاتورية السابقة التي حكمت البلاد -عهد زين العابدين بن علي، لنجد أن دفء الربيع العربي قد تحول بالتأكيد إلى برد الشتاء القارس.
من وجهة نظر الغارديان، يعود السبب وراء ذلك إلى أن قطاعات من الشعب، وبسبب الأزمة الاقتصادية الحالية، يرون الحرية والديمقراطية لم تحققا الاستقرار السياسي والاقتصاد المزدهر، بل على العكس، يرون الفساد يستمر، مع ارتفاع معدلات التضخم والبطالة.
لقد كشف وباء كورونا أيضاً عن مدى الاختلال الذي وصلت إليه الدولة التونسية، حيث وجدت دراسة استقصائية أجراها المعهد الوطني للإحصاء في تونس أن ثلث الأسر كانت تخشى نفاد الطعام العام الماضي. ومع ذلك، يبدو أن الحكومة، وفقاً لوثائق مسربة، كانت مستعدة لإلغاء دعم الخبز في المفاوضات للحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، وهو الرابع في 10 سنوات.
ومع ذلك، لم يتفاقم الغضب من تعامل الحكومة مع الوباء إلا بسبب مستوى الدين الوطني: فقد أصبحت مدفوعات القروض الآن ستة أضعاف حجم ميزانية الصحة في البلاد.
التدهور الاقتصادي الذي شهدته البلاد، والذي أثر سلباً على الأوضاع المعيشية للمواطنين، تسبب في نزول الكثير من التونسيين إلى الشوارع للمطالبة بمحاسبة الفاسدين، ولعل هذا الغليان الذي شهده الشارع أوحى للبعض أن الحجة القائلة بأن المؤسسات الديمقراطية في تونس لا تقدم ما يحتاجه الجمهور لها أرضية شعبية، وبدلاً من إيجاد حلول لهذه الأزمة، قام قيس سعيد بخرق مواد الدستور.
من الأمور الخطيرة التي يجب الانتباه إليها أيضاً، إن عدم قدرة قيس سعيد على العمل مع رئيس وزراء اختاره تشير إلى أنه غير مناسب لهذا المنصب، فضلاً عن إن مدحه للديكتاتورية العسكرية المصرية يثير الشكوك حول نيته في ترسيخ مبادئ الديموقراطية في البلاد.
لقد كانت الديمقراطية التونسية انتصارا لسياسة التوافق، لكن الحكومة الائتلافية تعني في كثير من الأحيان تأجيل القرارات خوفا من تفكك التحالفات. وقد أدى ذلك، خاصة بعد انتخابات 2019، إلى عدم الالتفات إلى الدعوات المطالبة بتحسين مستويات المعيشة والعدالة الاجتماعية، ومن خلال التقارب بشكل أوثق، يبدو أن الممثلين المنتخبين قد شجعوا عدم الاستقرار السياسي الذي أرادوا تجنبه.
أزمة سياسية كبيرة تشهدها تونس الآن، وما من سبيل لحلها إلا بمعرفة أسباب “حالة الطوارئ” ومعالجتها، وليس من خلال الإصرار على الحجج المناهضة للديمقراطية التي تجاوزت تاريخ انتهاء صلاحيتها.
قولاً واحداً: إن ما تحتاجه تونس الآن هو أن يتبنى السياسيون وجهة نظر أكثر واقعية حول المكان الذي يجب أن تذهب إليه البلاد، إن العودة إلى عهود الاستبداد لن تضمن استقرار النظام ولا الدولة.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا