في أوائل عام 1987، عشية الانتفاضة الفلسطينية الأولى، غادرت شيرين أبو عاقلة منزل عائلتها في القدس الشرقية وعبرت وادي الأردن لبدء الدراسة الجامعية في عمان، في رحلة مألوفة لشابة فلسطينية تريد شق طريقها: مغادرة وطنها من أجل التعليم والعثور على مكان لها في العالم.
دراسة الهندسة المعمارية كانت الخيار الأول لشيرين أبو عاقلة، لكنه لم يكن الخيار الأساسي، كانت رغبة عابرة، لكنها بعد فصل دراسي في هذا المجال، اختارت الصحافة، وانتقلت إلى مهنة ساهمت في نقش اسمها على جدران التاريخ، وتساعد في مد جسور تفاهم بين العالم العربي خلال مسيرة مهنية استمرت 25 عاماً، لتنتهي المسيرة المهنية على جانب طريق في الضفة الغربية في وقت سابق من هذا الشهر برصاصة غادرة أثناء تغطيتها اقتحام إسرائيلي لمخيم جنين.
بحلول وقت وفاتها، عن عمر يناهز 51 عاماً، أصبحت الصحفية تُعرف بصوت القضية الفلسطينية، عملت خلالها كمراسلة لقناة الجزيرة في أغلب الأوقات، وأصبحت صوتاً رئيسياً، ومدافعة عن سكان غزة والضفة الغربية، والفلسطينيين المنتشرين في جميع أنحاء المنطقة وخارجها.
منذ تخرجها في جامعة اليرموك، وعودتها إلى بيت حنينا في القدس الشرقية – حيث نشأت، ابنة نصري أبو عاقلة، ودرست في ثانوية راهبات الوردية. موهبة شيرين الصحفية ساعدتها في بث قصص شعبها إلى العالم، والتي بدورها أعطتها مكاناً محورياً في حياتها.
بعد فترة وجيزة مع الأونروا (وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين) في أوائل التسعينيات، بدأت أبو عاقلة في إعداد التقارير مع محطة إذاعة صوت فلسطين، حيث صقلت مهاراتها كصحفية إذاعية.
بحلول ذلك الوقت كان الغضب الشديد للانتفاضة قد أفسح المجال لعملية أوسلو للسلام، فاز ياسر عرفات واسحق رابين وشمعون بيريز بجائزة نوبل للسلام عام 1994، ولفترة من الوقت، تسلل شيء من التفاؤل بإمكانية حل صراع سيطر على المنطقة لعقود.
وفي عام 1997، انتقلت أبو عاقلة للعمل في قناة الجزيرة، حيث وجدت نفسها في طليعة القصة التي أصبح تغطيتها أكثر صعوبة.
لقد تم تفجير الصراع ونقله على شاشات التلفزيون والصحف كما هو في شوارع الأراضي المحتلة وإسرائيل، كما أصبح النقد الحاد رفيقًا دائمًا لتقارير أبو عاقلة، كما حدث مع الآخرين الذين كرسوا حياتهم المهنية لمحاولة فهم الأساليب الجنونية والمبهمة في الشرق الأوسط.
كان رد أبو عاقلة على النقاد بسيطا لكنه فعالا، كانت مراسلة ميدانية، سمحت لأصوات الناس بسرد قصصهم؛ التي تنقلها بطريقة سلسلة يفهمها الجميع مهما كانت صعوبة الموقف.
بحلول وقت الانتفاضة الثانية، أصبح اسم شيرين أبو عاقلة مألوفاً خارج حدود وطنها، عُرفت بأنها مراسلة تروي قصصاً بروحها، لم تستسلم أبدًا لإيقاع فقد زخمه والمشاهدين حيث تم استبدال الآمال في حل الدولتين بمأزق طاحن وسط اندلاع أعمال عنف وحشية.
مع تضاؤل قدرة القادة الفلسطينيين على سرد قصصهم، تولت أبو عاقلة دور دبلوماسي -ضمني-، حيث نجحت في إيضاح ما فشل المسؤولون في كثير من الأحيان في الوصول إليه.
قالت صديقتها الناشطة مزنة الشهابي: “كانت نقطة جاذبة للرواية الفلسطينية، لأنها كانت تقول ما نريد قوله ولم نكن نعرف كيف نقوله… كانت على علاقة جيدة مع الجميع… من مخيم اللاجئين إلى السلطة الفلسطينية إلى الأشخاص العاديين في رام الله “.
بصفتها أحد سكان القدس الشرقية، كان بإمكان أبو عاقلة التنقل بين إسرائيل والضفة الغربية، ورؤية الاختلاف الحقيقية بين المجتمعين بصورة واضحة، وبالطبع التقت أحياناً بمسؤولين إسرائيليين لكنها لم تتخل أبداً عن التزامها برواية أبناء شعبها الفلسطينيين.
أبلغت أبو عاقلة أصدقاءها أنها تتوق لتغطية اللحظة التي يحصل فيها الأسرى الفلسطينيون على حريتهم، كما طمحت أن ترى إعادة توحيد الكتل السياسية الفلسطينية، حماس التي تحكم غزة، وفتح التي تسيطر على الضفة الغربية، والذين لم يشارك أي منهم بشكل بناء مع الآخر منذ الحرب الأهلية القصيرة في غزة في عام 2007.
كانت أبو عاقلة قومية فلسطينية قوية، نموذجاً مثالياً للسلام، ولم تتخل يوماً عن تمسكها بسرد قصص الفلسطينيين وإيصال صوتهم للعالم أجمع.
في صباح 11 مايو/أيار، وقفت أبو عاقلة على جانب الطريق مرتدية الخوذة، وسترتها الواقية من الرصاص، التي كُتب عليها بوضوح كلمة “PRESS… سمعت صوت إطلاق نار في مكان قريب، ثم اندلعت نيران تجاهها وتجاه زميلها علي السمودي، أصابت شيرين رصاصة أسفل أذنها توفيت على إثرها فوراً، وبطبيعة الحال اُتهمت القوات الإسرائيلية بقتلها، لكنها لم تعترف بذلك حتى الآن، مشككة أن مسلحين فلسطينيين قاموا بقتلها أثناء الاشتباكات، وهو ما لم تقم بإثباته
على مدار حياتها، ظلت شيرين صوتاً ينقل صوت الضحايا من جميع أرجاء فلسطين، صوتاً يكشف ما يتعرض إليه أبناء شعبها من جرائم على يد القوات الإسرائيلية، وحتى مع مفارقتها للحياة، أبت شيرين إلا أن تصبح صوتاً يفضح ازدواجية سرد الأحداث.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا