ذكرت صحيفة “الغارديان” البريطانية أن الاهتمام السعودي المفاجئ بالسودان مردّه إلى خوف العائلة السعودية الحاكمة من شرار نجاح ثورة الشعب السوداني وأثر ذلك عليها.
وتابعت الكاتبة نسرين مالك، في مقال لها بالصحيفة: إنه “يمكن أن ندرك طبيعة السياسة السعودية تجاه السودان خلال الأسابيع القليلة الماضية؛ حيث كان واضحاً أن الرياض ليست لديها النية للسماح لثورة السودان بتحقيق هدفها المتمثل في إزاحة الجيش نهائياً وتثبيت حكومة مدنية”.
ففي الفترة التي سبقت الثورة كانت السعودية قد أصبحت بعيدة نسبياً عن السودان، ولم ترَ فيها سوى دولة يمكن أن تزوّدها بالمقاتلين في حربها باليمن.
وتضيف الكاتبة: إن “الرئيس السوداني المعزول، عمر البشير، كان يتوسّل حلفاءه في المنطقة؛ بعد أن شعر أن هناك حركة معارضة له بالشارع، ولكن السعودية لم تكن مهتمة به، خاصة بعد أن أدركت أنه لن يبقى طويلاً في الحكم”.
السعودية، بحسب الكاتبة، أدت دوراً كبيراً خلال السنوات والعقود الماضية في دعم الحركات الدينية؛ من خلال تزويدها بالأموال وفتح المدارس الدينية، غير أنها في الآونة الأخيرة بدأت تؤدي دوراً آخر يتمثل في إحباط التغيير السياسي بالمنطقة كلما أمكن ذلك.
وفي غضون أيام من إزالة حكم البشير، بدأت السعودية ومعها الإمارات بتقديم التعهدات لمساعدة المجلس العسكري في السودان، فوعدت بتقديم 3 مليارات دولار لدعم الاقتصاد السوداني بمعنى دعم الحكومة العسكرية، رافق ذلك حملة غير مسبوقة ومقلقة للدعاية للعسكر من خلال وسائل إعلام سعودية أو متعاطفة معها.
كما ركزت الصحف السعودية في افتتاحياتها عقب تنحي البشير على أهمية السودان باعتباره أكثر دول أفريقيا والعالم العربي أهمية استراتيجية، في حين حاول أحد كبار الوزراء في حكومة الإمارات التعبير عن اهتمام بلاده بالسودان عندما قال إن المنطقة شهدت فوضى شاملة ولا تحتاج إلى المزيد منها، وذلك في تعليقه على ما يجري في السودان.
لكن هذا الاهتمام المتزايد بالسودان يرتبط بالخوف لدى العائلة السعودية المالكة، التي بات مصيرها مرتبطاً بالاستقرار في المنطقة، فبعد أن اعتاد السعوديون على توسيع قوتهم الناعمة في جميع أنحاء العالم للوقوف ضد أعدائها؛ مثل إيران أو قطر، فإنها باتت اليوم تخوض مغامرات خارجية من نوع جديد يتمثل في خوفها الشامل من تغيير الأنظمة ومحاولتها منع حصول ذلك.
وتتابع الكاتبة، أنه على الرغم من أن العائلة السعودية الحاكمة تحتكر السلطة لنفسها وتُعدم معارضيها فإن خوفها من الثورة في السودان يؤكد من جديد أن هذه الأنظمة تظل تعيش حالة رعب من الإرادة الشعبية؛ لأنها ببساطة تعني أنه لا يمكنك أن تعدم الشعب كله.
لقد اعتبرت السعودية والأنظمة المستبدة الأخرى في المنطقة التي لا ترغب بالتغيير إخفاقات الربيع العربي بمنزلة نعمة لها، غير أن الثورة السودانية عبثت من جديد باستقرار تلك الأنظمة التي تسوّق لنظرية واحدة مفادها أن الجيش والأسرة الحاكمة هما الضمان الرئيسي للاستقرار، وبغيابهم ودخول المدنيين للحكم يدخل الإرهابيون، كما تقول الكاتبة.
من هنا، تضيف الكاتبة، كان يتعين على السعودية أن تمنع وصول مدنيين إلى السلطة؛ بدعوى عدم الرغبة في نشر الفوضى والحفاظ على الاستقرار، وهو ما تقوم به حالياً في السودان، وبرضى ضمني من قبل الولايات المتحدة.
إن على المتظاهرين في السودان مواجهة ما يُحاك لهم بحزم، ومواجهة الحكومة الانتقالية الحالية بقوة، والإصرار على مطلبهم بضرورة إنشاء حكومة مدنية، وفي ظل الدعم السعودي وحلفائه لحكومة العسكر الحالية فإن العبء على الثورة السودانية بات أثقل، ولكن في حال نجحت فإنها ستهز عروش جميع الحكام المستبدين بالشرق الأوسط.
اضف تعليقا