في السودان، حيث ارتفعت أسعار الخبز والوقود بشكل حاد بعد انقلاب أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عاد الناس إلى الشوارع مرة أخرى للاحتجاج والتظاهر، خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي تسبب في نقص عالمي للقمح.
قبل خمسة أشهر، نفذ الجيش السوداني انقلاباً، مما أدى إلى وضع نهاية مفاجئة للانتقال قصير الأجل في البلاد نحو الديمقراطية، وتمكين فئة قمعية، كان العديد منها في السلطة عندما كان الرئيس السابق، عمر البشير، هو قائد البلاد، والذي لم يهدأ السودانيون بعد رحيله لتطلعهم إلى دولة ديموقراطية يسود فيها القانون ومبادئ العدالة والحرية.
استخدم الجيش القوة الغاشمة لقمع المتظاهرين، وأطلق النار عليهم بالذخيرة الحية وقنابل الغاز المسيل للدموع واعتقل بشكل استباقي الأفراد الذين يُنظر إليهم على أنهم نشطاء فاعلين داخل مجموعات الاحتجاج.
ما نراه في السودان ليس من عمل عدد قليل من “التفاح الفاسد”، بل تصرفات جهاز مُدار جيدًا مصمم على حرمان الناس من الحقوق الأساسية، ومحاولة كسر إرادة حركة الاحتجاج مع شراء الوقت أيضاً لتعزيز سلطتهم.
منذ الثورة، كان رأي المتظاهرين السودانيين واضحاً: بدون إنهاء الإفلات من العقاب وإصلاح القوى المسيئة، فإن الطريق إلى الديمقراطية مسدود، وأن المشاركة الاستراتيجية الإقليمية والدولية مع السودان تحتاج إلى معالجة كلا القضيتين – الإفلات من العقاب والإصلاح – وجهاً لوجه وليس مقايضتهما أو تأخير حلهما إلى أجل غير مسمى مقابل تنازلات سياسية أو راحة.
لسوء الحظ، اختار شركاء السودان الدوليون والإقليميون الطريق الذي يرفضه الثوار، وختموا اتفاقيات تقاسم السلطة التي تضع العدالة ومطالب الإصلاح في ذيل القائمة.
حان الوقت لتغيير المسار، هناك حاجة لاتخاذ إجراءات ملموسة، بما في ذلك فرض عقوبات موجهة ضد الأفراد المتورطين في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب، لتغيير سلوك قوات الأمن وكبح القمع.
إذا رأى قادة السودان أن المجتمع الدولي على استعداد لاتخاذ موقف وفرض عقوبات، فيجب أن يتمتع المتظاهرون السلميون بحرية أكبر في التعبير عن أنفسهم.
أمر قادة عسكريون يسيطرون على الخرطوم بعمليات ضد المتظاهرين أسفرت عن مقتل 87 شخصاً، بينهم 11 طفلاً، وإصابة الآلاف، على أمل كسر إرادتهم، كما تعرض المتظاهرون للضرب والاعتداء الجنسي، واحتُجز المئات منهم، كثير منهم احتجزوا بمعزل عن العالم الخارجي.
كانت هناك محاولات لمنع صدور التقارير الإعلامية المستقلة، ومداهمات لمكتبيْن إعلاميين على الأقل، واعتقال ومضايقة الصحفيين، كما استهدفت قوات الأمن منشآت الرعاية الصحية.
لا ينبغي لأحد أن يقلل من إصرار السودانيين على المخاطرة بحياتهم من أجل تغيير حقيقي، لكن في تصريح خاص قال ناشط مخضرم، احتُجز ابنه البالغ من العمر 16 عامًا في مظاهرة، وتعرض للضرب والإهانة في الحجز: “يريدون منع أولادنا من الانضمام إلى الاحتجاجات، ويريدون أيضاً إرسال إشارة إلى العائلات لزرع الخوف في نفوسهم على مصير أبنائهم حتى لا يسمحوا لهم بالتظاهر “.
يصف المحامون والأهالي كيف تنكر السلطات معرفة مكان وجود المعتقلين وتتذرع بحالة الطوارئ التي فُرضت بعد الانقلاب، والتي تمنح قوات الأمن تفويضًا مطلقًا لاحتجاز الأشخاص يمكنها أن ترفض الإفصاح عن مكان وجود شخص محتجز اختفاءً قسريًا، وهي جريمة بموجب القانون الدولي.
من جانبهم، نفى مسؤولو الشرطة استخدام القوة المفرطة والمميتة على الرغم من الأدلة الدامغة على عكس ذلك، وبعد إعادته لمنصبه كرئيس للوزراء، في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، أقال عبد الله حمدوك قائد الشرطة آنذاك ونائبه، لكن هذه الخطوة لم توقف عمليات القمع التي شنتها قوات الأمن.
وقال مدع عام في الخرطوم إن وجود العديد من القوات يخلق ارتباكا مما يجعل من الصعب على المحققين التعرف على المسؤولين.
يجب على شركاء السودان الإقليميين والدوليين إطلاق استجابة منسقة لاستغاثات الشعب، بما في ذلك فرض العقوبات ضد مرتكبي الانتهاكات، والتي ينبغي تصميمها بعناية بحيث يكون لها تأثير إنساني سلبي ضئيل.
يمكن أن تشمل حظر التأشيرات وتجميد الأصول الذي سيساعد على منع الأفراد الذين يقودون القمع من الازدهار بينما يخنقون الاقتصاد السوداني الضعيف ويشرفون على آلية القمع الوحشية.
يجب ربط المعايير الواضحة التي تشير إلى متى وكيف يمكن رفع العقوبات بتغيير السلوك من قبل الجيش والآخرين، ويجب أيضاً تحديدها من البداية، يجب أن تؤدي هذه المعايير إلى تحقيق الإصلاحات التي تسعى إليها الحركة الاحتجاجية.
يجب عدم منح قادة الانقلاب مزيدًا من التنازلات التي تسهل جهودهم لتقويض مستقبل بلد أكثر عدلاً واحترامًا للحقوق والذي يواصل الشعب السوداني السعي من أجله.
إن التحرك الدولي العاجل، بما في ذلك العقوبات ضد أولئك الذين يقودون القمع، سيسمح للسودانيين الذين يناضلون من أجل مستقبل ديموقراطي وعادل.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا