لقد كانت حفلة غير عادية ليولاندا براون، عازفة الساكسفون والملحنة التي قدمت هذا الأسبوع عرضًا عاليًا فوق السحاب لوفد بريطاني على متن طائرة خاصة تابعة للخطوط الجوية البريطانية متجهة إلى المملكة العربية السعودية.

كانت الرحلة جزءًا من وفد تجاري للشركات والمؤسسات البريطانية في الرياض، والتي استقبلها النظام السعودي على أراضيه ضمن خطته لغسيل سمعته عبر ضخ الملايين في مؤسسات أجنبية للدفاع عنه خارجيًا، وقد اعتبر نشطاء “فقرة” براون على الطائرة ضمن مخطط “الغسيل الثقافي” الذي بدأته السلطات السعودية قبل الفترة لمحو سجل جرائمها ضد حقوق الإنسان.

هذه الرحلة كانت ضمن الوفد المشارك في مؤتمر “مستقبل عظيم” الذي استمر يومين في العاصمة السعودية، والذي حضره 450 من قادة الأعمال والسياسيين في المملكة المتحدة وانضموا إلى حلقات النقاش وحفلات العشاء لمناقشة أنشطة تجارية مشتركة بين البلدين.

اللافت للنظر أنه من بين المشاركين كان مجموعة كبيرة من الهيئات الثقافية، وهي الخطوة التي أثارت انتقادات على الفور بأن الدولة الخليجية تقوم بـ “الغسيل الثقافي” – باستخدام المؤسسات البريطانية المرموقة لتحسين صورتها الدولية حتى مع استمرار تصاعد المخاوف بشأن سجل الرياض في مجال حقوق الإنسان.

تعليقًا على الموضوع، قالت جوي شيا، الباحثة في شؤون المملكة العربية السعودية في منظمة هيومن رايتس ووتش: “تتحمل الشركات البريطانية مسؤولية تلميع النظام السعودي وإفلاته من المسائلة عن انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها”.

بدأت الحملة الكبرى لتشجيع التجارة والسياحة في المملكة عام 2011، وفي عام 2021، ضخ النظام البريطاني مبلغ 60 مليون جنيه إسترليني لاستكمال حملة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من أجل صفقات تجارية جديدة، وكانت النتيجة 4.5 مليار جنيه إسترليني من الصادرات والاستثمارات خلال 13 عامًا، كما يدعي مؤيدوها.

إن العلاقة التجارية بين بريطانيا والسعودية تاريخية وتمتد لتشمل مجالات عديدة – من توريد طائرات Lightning و Strikemaster في الستينيات إلى صفقة اليمامة للبنادق مقابل النفط عام 1985، والتي تم الكشف عن وجود شبهة فساد فيها.

والآن، توسعت العلاقة لتشمل صناعات تتراوح من التكنولوجيا إلى الأحداث الرياضية رفيعة المستوى، وقد وبلغت قيمة الصادرات البريطانية إلى السعودية 13.1 مليار جنيه استرليني في عام 2023.

ومع استمرار تدفق أموال النفط من صندوق الاستثمارات العامة السعودي الذي يبلغ حجمه 700 مليار دولار، يحرص الوزراء والشركات البريطانية على الحصول على حصة من هذه الصفقات، في الوقت الذي ينفق فيه نظام ولي العهد، محمد بن سلمان، على مشاريع يراها البعض وهمية ولا تستحق هذا الزخم أو المبالغ المرصودة لها، مثل منتجع للتزلج في الصحراء، ومنتجع ومشروع (مصغر) لبناء مدينة “مسطحة للأراضي” بطول 105 أميال تسمى “ذا لاين”.

المؤسسة البريطانية الثقافية قررت أن ترمي بنفسها في هذه العلاقة أيضًا، وقد تحدث سفير المملكة المتحدة لدى الرياض، نيل كومبتون، عن “التغيير التحويلي” الذي شهده في منصبه، في رسالة إلى المندوبين الزائرين. وعلى خشبة المسرح، قال وزير الاستثمار البريطاني، دومينيك جونسون، إنه قاد حملة “لجذب المستثمرين البريطانيين” لدعم السعودية منذ رحلته الأولى. وكانت هناك أيضًا وجبات عشاء متعلقة بالمستثمرين في المجال الصناعي، بينها حفلة تم تنظيمها في موقع اليونسكو للتراث في الدرعية.

خلال مؤتمر “مستقبل عظيم”، حضر ممثلون عن مجالات تجارية وصناعية وثقافية والرياضية متنوعة، تراوحت بين الرياضة وصناعة البناء والسيارات، كما حضر المصمم توماس هيذرويك، ولاعب كرة القدم السابق ريو فرديناند، ومجموعة من شخصيات حزب المحافظين البريطاني، بما في ذلك الرئيس المشارك السابق للحزب، بن إليوت.

ومن الجدير بالذكر أن المدير الفني لفريق نيوكاسل يونايتد لكرة القدم النسائي المدعوم من السعودية كان حاضرا، وكذلك مديرة النادي أماندا ستافيلي، وبنك HSBC والخطوط الجوية البريطانية.

ومن أبرز المؤسسات الثقافية البريطانية التي حضرت “مركز ساوث بانك” وهي منظمة صريحة بشأن حاجتها الماسة إلى أموال جديدة؛ والمسرح الوطني، ودار الأوبرا الملكية.

 حاول ممثلو هذه المؤسسات الدفاع عن تواجدهم، ونشر تصريحات وتقارير تتحدث عن الأرباح المالية الضخمة التي ستجنيها المملكة المتحدة من هذه الشراكة الثقافية بين السعودية وبريطانيا، لكن لم يقتنع الجميع، وحول ذلك قالت شيا: “تستخدم الحكومة السعودية أموالها غير المحدودة لتنظيم فعاليات رفيعة المستوى مع المشاهير والرياضيين، والآن الفنانين والمؤسسات الثقافية، لتبييض سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان وتشتيت الجهود الرامية إلى محاسبة قيادتها على الانتهاكات الفظيعة”، وتابعت “يجب على الفنانين والمؤسسات الثقافية أن يتحدثوا علناً عن الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها البلاد، وإلا فإنهم يخاطرون بالتواطؤ فيها”.

وفي تصريح خاص لموقع ميدل إيست آي، قال جيمس لينش، المؤسس المشارك لمجموعة حقوق العمال FairSquare “هناك أسئلة جدية لهؤلاء القادة الثقافيين، ليس أقلها ما إذا كان السعي إلى إقامة شراكات مع المشاريع الضخمة التابعة لولي العهد السعودي يتناسب حقًا مع القيم التي تدعي مؤسساتهم أنها تروج لها، أو ما إذا كانوا يشاركون في تمرين غسيل فني رفيع المستوى”.

إن السعودية متهمة بالفعل باستخدام الأموال لغسيل سمعتها من خلال الرياضة، حيث تم إنفاق مبالغ ضخمة على شراء واستضافة فعاليات كبيرة، وللاستحواذ على نادي نيوكاسل يونايتد، وعلى الملف المقدم لاستضافة لكأس العالم 2034.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا