العدسة – معتز أشرف:

في تقدير موقف أصدره “مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط” التابع للمجلس الأطلنطي في واشنطن، أكد أن الفرصة متاحة لتأمين مستقبلٍ أفضل لليبيا في الفترة المقبلة، بشرط أن يتحرك الجميع في اتجاه تعويض غياب الجنرال خليفة حفتر، الذي له أبعاد خطيرة حتى الآن قد تنفجر في وجه البعض .

أمل متاح

وأكد تقدير الموقف الذي وصل (العدسة)، أنه يمكن أن يوفر موت “حفتر” فرصة لإعادة إحياء الحوار السياسي، لكن يمكن أيضًا أن يؤجج الصراع بين الفصائل المتنافسة في ليبيا، مما سيزيد من تمزيق البلاد، مشيرًا إلى أن “حفتر” قد عزز قوته في شرق البلاد خلال السنوات القليلة الماضية، ونبذ بشكل متزايد حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة والاتفاق السياسي الليبي، وبالرغم من أنه تعهد بخوض الانتخابات الرئاسية المرتقبة والمدعومة من الأمم المتحدة، إلا أن “حفتر” حذر من أنه سيعلن نفسه رئيسًا لـ ليبيا إذا “فشلت” الانتخابات (بعبارة أخرى: إذا خسر التصويت)، على نحو مشابه، ومباشرة عقب اجتماعه مع رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج، في باريس في منتصف 2017، اتهم “حفتر” حكومة الوحدة بأنها واقعة “في قبضة الإرهابيين”، ولذلك فإنه بموت “حفتر” أو عجزه، فإن حكومة الوفاق الوطني يمكنها أن تسعى لإعادة التفاوض مع مجلس النواب المدعوم من “حفتر” في الشرق، والدفع في اتجاه التصديق على الاتفاق السياسي الليبي.

وأوضح التقدير الذي أصدره مركز رفيق الحريري الأطلسي، أن شخصيات هامة حاولت في الجيش الوطني الليبي إبعاد شائعات موت “حفتر” للحيلولة دون تمزق الجيش، حيث قال المتحدث الرسمي باسم الجيش الوطني الليبي أحمد المسماري أن حفتر في “صحة ممتازة”، كما أصدر عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، بيانًا ادعى فيه أنه على اتصال دائم بـ”حفتر”، لكن الجدير بالذكر أن المبعوث الخاص للأمم المتحدة في ليبيا، غسان سلامة، لم يتجاوب مع شائعات مرض “حفتر” بشكل مباشر، لكنه قال في تصريح أنه تحدث مع “حفتر” عبر الهاتف، إلا أن الجهود من أجل تجنب القتال في الشرق تبدو عقيمة، وهو ما يعني أن موت “حفتر” أو عجزه سيؤديان إلى فراغ في القيادة، ما سيدفع بخصومه إلى السعي للاستفادة من ذلك بلا شك.

توابع صعبة

وأشار التقدير إلى أن “حفتر” جمع مجموعة من القوى المتباينة تحت مظلة الجيش الوطني الليبي، بما في ذلك ميليشيات القبائل الجنوبية والشرقية والسلفيين المتشددين، وإذا غاب دوره

القيادي، قد تنهار مجموعة المقاتلين المتباينة هذه، خاصة في ظل الأخبار التي تقول بأنه قد سقط في غيبوبة، حيث قام مقاتلون يعملون تحت مظلة الجيش الوطني الليبي لديهم مظالم بالهجوم على مكاتب الجيش الوطني الليبي في بنغازي، وقد تتصاعد التوترات بين الموالين لـ”حفتر” وأولئك في بنغازي، الذين يعارضون هيمنة قبيلة فرجان التي ينتمي إليها “حفتر”، كما أن سكان بنغازي ليسوا سعداء بالوجود المتزايد للمقاتلين السلفيين المؤيدين لـ”حفتر” في المدينة، ويفتقر رئيس أركان الجيش الوطني الليبي عبدالرازق الناظوري إلى السلطة اللازمة للحفاظ على النظام، في حالة اندلاع الاشتباكات، خاصة في الوقت الذي يشن فيه الجيش الوطني الليبي هجومًا على آخر المعاقل الصامدة للجماعات المسلحة في مدينة درنة.

ولفت التقرير الانتباه إلى أنه يمكن للجماعات الإسلامية، والتي كانت في مرمى نيران “حفتر” منذ عام 2014، أن تسعى لشن هجوم على الجيش الوطني الليبي الذي تم إضعافه، إلا أنه من غير الواضح من الذي يمكن أن يقود القوات الإسلامية، إذا وضعنا في الاعتبار هزائمهم المتتالية وتشتتهم في الشرق، فالهزائم المتتابعة من قبل الجيش الوطني الليبي في عام 2017، أجبرت كتائب دفاع بنغازي، والتي كانت قوة رائدة في الحرب ضد عملية الكرامة المناهضة للإسلاميين بقيادة “حفتر”، للانسحاب من مواقعها وحلها، كما أن هناك سيناريو أقرب إلى الواقع، ألا وهو أن الانقسامات الموجودة بالفعل في تحالف “حفتر” ستطفو على السطح، وتتسبب في انقسام الجيش الوطني الليبي، مما سيؤدي إلى فراغ أمني يشجع الجماعات المتطرفة، بما في ذلك تنظيم “داعش”، على استعادة نفوذهم.

وأكد أن تجدد الفوضى في الشرق قد يعرض خطة عمل الرجل الأممي، غسان سلامة، للخطر، حيث يأمل “سلامة” أن يقوم بتنظيم انتخابات في ليبيا في نهاية عام 2018، وهو جدول زمني طموح، إذا ما وضعنا في الاعتبار انعدام التوافق الداخلي فيما يتعلق بالمصالحة السياسية، لذا، فإن تدهور الوضع الأمني سيحول دون تنظيم انتخابات آمنة وشرعية، وفي ذات الوقت، فهناك شخصيات ليبية مثيرة للجدل كانت قد عبرت عن رغبتها في خوض الانتخابات الرئاسية، ومن ضمنها ابن معمر القذافي سيف الإسلام، ويمكن أن ينتهزوا فرصة فراغ المجال الانتخابي لتقوية موقفهم المهزوز سياسيًّا.

مواقف الأطراف

وشدد تقدير الموقف على أن هذه الديناميكيات الداخلية تقع، بطبيعة الحال، فريسة سهلة لمصالح اللاعبين الإقليميين أيضًا، فمنذ أن شن “حفتر” حربه على الفصائل الإسلامية في عام 2014، تتنافس كل من مصر والإمارات العربية المتحدة وقطر وتركيا – والسعودية بقدر أقل – على بسط النفوذ على مستقبل ليبيا السياسي، وحتى الآن، هذه القوى تمكنت من تحقيق التوازن فيما بينها، مما أدى إلى حالة من الجمود سمحت لهذه البلاد أن تضع ليبيا في آخر الأولويات، فضلا عن أن هناك أولويات إقليمية أخرى مثل حربي سوريا واليمن، والخلاف الناشب بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي، ومغازلة اللاعبين الجغرافيين السياسيين الأكبر، وهذه الأولويات أخذت اهتمامًا أكبر، مقارنة بالترتيب المستقر نسبيًّا داخل ليبيا، إلا أن هذا الترتيب يعتمد على استمرار قيادة “حفتر”، قد يهز موته أو عجزه هذه الديناميكيات، ما يفتح الباب مرة أخرى أمام الغموض وعدم وضوح الرؤية.

وأوضح أنه لم تخف كل من مصر والإمارات سرًّا أنهما تنظران للإسلاميين بوصفهم تهديد وجودي لنظام إقليمي مستقر، حيث تدعم الإمارات، بشكل كامل، حملة السيسي ضد الإسلاميين في المنطقة، وتوفر الدعم المالي للحكومة المصرية من أجل هذا الهدف – بخلاف تدابيرها الخاصة ضد مؤيدي الإسلام السياسي في بلادها، وكلا الحكومتين قامتا بعمليات شبه سرية في ليبيا، موجهين ضرباتهم الجوية ضد الميليشيات الإسلامية، وذلك لتوفير دعم لقوات “حفتر” في عام 2014 (بالرغم من إنكار تورطهما)، وعلى الرغم من أن مصر أقل تدخلًا نيابة عن حفتر، إلا أنها شنت هجمات ضد أهداف لتنظيم “داعش” في عمليات انتقامية لقتل المصريين المسيحيين في عام 2015، ولم يحدث أن فعلًا كبيرًا كهذا قد تكرر منذ ذلك الوقت، إلا أن الأمم المتحدة اتهمت في تقرير لجنة عقوبات ليبيا في عام 2018، والذي لم ينشر بعد، البلدين بانتهاكات مستمرة لحظر السلاح عبر تدريب وإمداد القوات المعادية للإسلاميين، وفقًا لبعض المقتطفات المسربة من التقرير، هذه السياسات تشير إلى أن مصر والإمارات ستتدخلان مرة أخرى عسكريًّا إذا ما رأوا أن ليبيا ما بعد “حفتر” تنحاز للإسلاميين.

أما ما يخص كل من تركيا وقطر، فتميل بحسب تقدير الموقف، بشكل معتاد، إلى موقف يؤيد الإسلاميين، لكنهما مشغولتان بمشاكلهما الإقليمية، حيث احتفظ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بسياسة فتح الباب للإخوان المسلمين المنفيين، وهاجم بشكل علني الرئيس السيسي بسبب سياساته ضد الإسلاميين، كما أن دعم تركيا للإسلاميين المتمردين في سوريا أمر موثّق، بالإضافة إلى ذلك، دفعت محاولات قطر لبسط نفوذها الإقليمي إلى الرهان على الإسلاميين في ليبيا أيضًا، إلا أن الديناميكيات الحالية تعوق بشدة قدرتهم على توفير أية مساعدة ذات بال، كما تواجه قطر غضب جيرانها من دول الخليج (بالأساس السعودية والإمارات) بسبب انحيازها للإسلاميين، واختياراتها المستقلة فيما يتعلق بسياساتها الخارجية.

وبحسب التقدير، تشير الديناميكيات العامة إلى فصائل متجذرة داخل الجيش الوطني الليبي، الذي يعاني من الضعف، لديها رغبة في التحرك ودفع أجندتها الخاصة للأمام، فعلى المستوى الإقليمي، فإن القوات المعادية للإسلاميين لديها رغبة وقدرة أكبر في العمل من أجل دعم الجيش الوطني الليبي ومجلس النواب للدفاع عن موقفهم، أما إذا اختارت الميليشيات الإسلامية الهجوم، فإن الأرجح، أن مصر والإمارات ستتدخلان عسكريًّا، حتى وإن تدخلتا عبر عمليات عسكرية سرية، حيث إن موقفهما ضد الإسلاميين محفز كبير لهما للعمل كمفسدين لأي اتفاق سياسي يمكن أن يزيد من نفوذ الإسلاميين، تشير كل هذه العوامل إلى أن انعدام الاستقرار المتزايد الذي تعاني منه ليبيا قد يتسبب في المزيد من الضحايا وانعدام الأمن والتشريد، وفتح الأبواب لمزيد من اللاجئين الذين يتدفقون عبر البحر المتوسط، والأوضاع التي يمكن أن تسمح للجماعات الإرهابية بالظهور مرة أخرى.