مدينة الإسكندرية التي لطالما حفظت لها ذواكر التاريخ حول العالم مكانة مرموقة كونها عاصمة العالم القديم ومدرسة العلماء والحضارة، أعاد السيسي اكتشافها وجدد تعريف دورها في التاريخ الحديث، فلم يعد يترد عن “مدينة التاريخ” سوى أخبار العمارات المتهالكة والضحايا تحت الأنقاض والتراب.

ولم تكن فضيحة عقار الأزاريطة آخر الأحزان، حتى لحق بها عقار آخر في حي محرم بك، هذه المرة انهار العقار ذو الطوابق الخمسة فقتل سيدة مارة بالشارع لحظة سقوطه وطمر جسدين من السكان لا يزال البحث عنهما جاريا تحت الأنقاض.

 الانهيارات مستمرة

الفساد المتفشي في الإدارات المحلية بالإسكندرية والتي تمنح تلك التراخيص بالبناء رغم المخالفة وعدم الملاءمة الهندسية، هو السبب الرئيس في انهيار العقارات، سواء تلك التي تم زيادة عدد طوابقها بالمخالفة للقانون، أو تلك التي صدرت لها التراخيص وتم توصيل المرافق لها رغم عدم ملاءمتها فنيا.

وكالعادة في مصر، ومع كل حادث انهيار عقار، يفلت الجاني الحقيقي من المساءلة القانونية؛ إذ يلجأ المقاولون والملاك المخالفون إلى كتابة تلك العقارات باسم آخرين يتحملون المسئولية القانونية بدلا منهم مقابل إعطائهم مبلغا من المال.

وفي الوقت الذي يخسر الضحايا والمجني عليهم مساكنهم وربما أرواحهم ،لا يجدون حماية كافية ولا يحصلون على أدني حقوقهم، فإن المدينة الساحلية بسبب طبيعة مناخها وارتفاع نسبة الرطوبة ، يتسبب كل ذلك في سرعة احتياج مبانيها إلى الترميم، الأمر الذي قد يعجز عنه السكان بسبب ضيق ذات اليد وارتفاع تكاليف الترميم، وعدم وجود مأوى يلجأون إليه خلال مدة الترميم، الأمر الذي تتغافل الدولة عن دورها في إيجاد حل له .

عقار محرم بك

وكان آخر العقارات التي تعرضت للانهيار، عقار محرم بك، الذي انهار في الساعات الأولى من صباح الأربعاء 6 سبتمبر، مكونا من 5 أدوار، وتبين وجود شخصين تحت الأنقاض.

وبوقاحة شديدة، غسل البيان الصادر عن محافظة الإسكندرية يديها من دماء السكان، إذ ذكر أن العقار المنهار قديم مكون من 4 أدوار وصادر له قرار ترميم رقم 44 لسنة 1991 ولم يتم تنفيذه، وتم تحرير محضر بعدم التنفيذ رقم 50 لسنة 91. هذا كل شيء!

البيان ألقى إذن بالكرة في ملعب السكان الذين رفضوا الترميم، وبالتالي فلا مسئولية على المحافظة ولا الحكومة ولا أجهزة الدولة، لكن البيان الصادر عن المحافظة لم يذكر كيف أن الجهة التنفيذية تركت السكان يعيشون في مبنى آيل للانهيار لمدة 27 عاما، أي ما يزيد على ربع قرن من الزمان، كما لم يأت على ذكر أسباب السكان في الامتناع عن الترميم، وكيف ولماذا اضطروا للمغامرة بحياتهم؟!.

برج الإسكندرية المائل

لم ينس نشطاء التواصل الاجتماعي فضيحة “برج الإسكندرية المائل” كما أطلق عليه موقع seven news الإخباري التابع لموقع ياهو، حيث أشار تقرير للموقع لعمليات إخلاء السكان من المبنى الذي سيتم هدمه والمكون من 14 طابقا.

أما موقع بيزنس انسيدر فأشار إلى أن المبنى تم إخلاؤه من السكان ولكن يعتقد أن السبب هو إزالة مبنى أخر مجاور كان مكونا من 3 طوابق وكان بمثابة دعامة يستند عليها العقار المائل.

أما صحيفة “ديلي ميل” فاستخدمت أكثر من وصف الأول هو “برج الإسكندرية المائل” وناطحة السحاب على الرغم من أن عدد طوابق العقار والمبنى المقابل له لا تتجاوز 14 طابقا.

وأشارت الصحيفة إلى أن الإسكندرية تشهد منذ 2011 أزمة بناء عقارات مخالفة بدون تصاريح، وأن هذه العقارات بالألاف.

ترميم معبد خاو

وفي مفارقة غريبة، حين تختل البوصلة ويصبح إرضاء المجتمع الدولي هو الغاية، أعلنت السلطات المصري بدء حملة ترميم ضخمة؛ ليس الترميم للمنازل الآهلة بالسكان، وإنما لترميم معبد يهودي خاوٍ على عروشه في مدينة لا يسكنها من اليهود إلا ثمانية من المسنين.

صحيفة “جارديان” البريطانية قالت إن الحكومة المصرية “تعهدت بإصلاح المبنى كجزء من حزمة إجراءات بقيمة 1.27 مليار جنيه مصري (حوالي 55 مليون جنيه إسترليني) لاستعادة ثمانية آثار؛ ولكن القرار “الغريب” صدم الكثيرين، نظرا لأن عدد اليهود في مصر يعتقد أنه أقل من 50 شخصا فقط”.

التقرير الذي نشرته الصحيفة على موقعها الإلكتروني بعنوان “مصر ترمم كنيس في مدينة الثمانية يهود”، كشف عن أن ترميم المعبد الخاوي على عروشه يتزامن مع سعي مصر مرة أخرى لرئاسة المنظمة الدولية “اليونسكو” بترشيح الوزيرة والدبلوماسية السابقة مشيرة خطاب لمنصب مدير المنظمة خلفا للبلغارية إيرينا بوكوفا.

السكان يتحدثون

سكان العقار رووا تفاصيل مروعة، وقالوا إن العقار القديم المنهار كان يوجد أسفل منه كميات كبيرة من مياه الصرف الصحي والحي لم يعالج هذه المشكلة، ولما لم يجر أي ترميم له أدى ذلك لانهياره بسبب تراكم المياه بكثرة أسفله.

وأكدوا أن العقار مائل منذ عامين تقريبا والحي يراه ولكنه لم يطالب بإخلائه، ولم يتبين إذا كان هناك محاولات سابقة من الحي في إخلاء العقار أم لا ولكن ما حدث الآن قد أنهي كل شيء.

وقال أحد شهود العيان في تصريحات صحفية إنه سمع أصوات مرتفعة وشديدة تشبه (الفرقعة)، وسبب انهيار العقار القديم العقار المائل، مؤكدًا على إخبارهم الحي والجهات التنفيذية بالمنطقة أكثر من مرة قائلًا: “مفيش حد بيسمعلنا”.