“القاهرة العامرة، بلد الألف مئذنة، لم تعد آمنًة على النساء، ليس هذا فحسب، لكنها أصبحت أكثر مدن العالم خطورة عليهن”.
هذا ما خلص إليه استطلاع رأي دولي” حول حظوظ النساء في المدن التي يزيد عدد سكانها على 10 مليون نسمة، وشمل 19 دولة سُئل خبراء منها عن “مدى حماية النساء من العنف الجنسي، ومن العادات الثقافية المؤذية، ومدى وصولهن إلى مستوى جيد من العناية الصحية والتعليم والدخل”.
التقرير الذي نشرته مؤسسة طومسون رويترز، صنف القاهرة بأنها أخطر مدينة على النساء، تلتها كراتشي الباكستانية، وكينشاسا في جمهورية الكونغو الديمقراطية ثم العاصمة الهندية نيودلهي، في حين صنفت لندن كأفضل المدن الكبرى بالنسبة للنساء.
وبالرغم من الهجوم الذي شنته “مايا مرسي” رئيسة المجلس القومي للمرأة في مصر، على التقرير بزعم أنه، لم يذكر الجهود التي تبذلها الحكومة في مجال حماية المرأة، إلا أن تقارير حكومية صدرت عن جهات رسمية في مصر، تؤكد وتثبت كل المعايير السلبية التي صنفت “القاهرة” على أساسها كأكثر مدن العالم خطورة على النساء.
فلماذا أصبحت القاهرة غير آمنة لنساء العالم، ولماذا تدنت بهذا الشكل غير المسبوق في التصنيفات الدولية، وهل لتردي الوضع السياسي في عهد السيسي دخل في الموضوع؟
السيسي
العنف الجنسي
احتلت القاهرة، ووفقا للدراسة المرتبة الثالثة بعد دلهي الهندية وساو باولو البرازيلية، في معيار تعرض المرأة للعنف الجنسي، ووضعت الدراسة علامة “سيّئ” على عبارة “ يمكن للمرأة أن تعيش في هذه المدينة دون مواجهة خطر العنف الجنسي بما في ذلك الاغتصاب والاعتداءات الجنسية والتحرشات”.
وقالت الصحافية المصرية شهيرة أمين “إن كل شيء صار صعباً بالنسبة إلى النساء القاهريّات، هن يكافحن في كلّ يوم وفي مختلف الحقول، حتّى النزهة البسيطة صارت أمرًا معقدًا لأنهن قد يتعرضن للتحرش أو الاعتداءات الجسدية”.
وبالعودة إلى التقارير الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، سيتضح أن تقارير سابقة للجهاز تحدثت عن أن أكثر من 49% من الفتيات اللاتي يعشن في المناطق العشوائية في مصر يتعرضن للتحرش “الجسدي واللفظي” ومن الممعروف أن القاهرة تستحوذ على النصيب الأكبر من المناطق العشوائية في مصر.
الرعاية الصحية
الاستطلاع الدولي جعل “الرعايا الصحية” أحد معايير الخطورة على النساء في القاهرة، حيث تقاسمت القاهرة المرتبة الثالثة مع كراتشي الباكستانية درجة السوء في هذا المعيار.
ومن المعروف أن مصر تعاني بشكل عام من خلل كبير في بنية نظام الرعاية الصحية، ومن الصعب معرفة الحجم الحقيقي للإنفاق الصحي نظراً لتعدد المصادر وتنوعها.
ولا يوجد في مصر، نظام صحي آمن للمرأة، ولا نظام تأمين صحي مناسب، يشكل مأمنًا جيدًا للنساء، بالإضافة إلى أن الأمراض المزمنة احتلّت أرقامًا مرتفعة في مصر سواءً للرجال أو النساء.
وفي أحدث تقرير لمنظمة الصحة العالمية كشف عن احتلال مصر للمركز الأول عالميًا في الإصابة بمرض فيروس “سي” والفشل الكلوي؛ إذ هناك ما يقرب من 9ملايين مصري مريض بفيروس “سي”، و2.6 مليون مريض بالفشل الكلوي، إضافة إلى ما يزيد عن 5 ملايين مصاب بمرض السكري.
المثير أن نسبة الإصابة ببعض هذه الأمراض في زيادة مرعبة تصل في بعضها إلى 22% سنويًا كما هو الحال في فيروس “سي” بما يعني أن الفيروس يصيب نحو 165٫000 شخص في مصر كل عام، وفقًا لتقارير رسمية.
الممارسات السلبية
أعطت الدراسة أسوأ علامة للقاهرة من بين المدن الـ 19 التي تمّ إجراء الدراسة عليها، وبحسب الدراسة فإن المرأة في القاهرة ليست محمية من الممارسات التي يمكن أن تكون ضارة مثل الختان والزواج المبكر أو القسري والإجهاض بسبب جنس الجنين وهو ما يعرف بوأد البنات.
وفي هذا الإطار تكشف تقارير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء مستوى الممارسات السلبية التي تتعرض لها المرأة، فعلى مستوى العنف البدني فقد أكد المسح الأخير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تعرض حوالي 18% من النساء في مصر لعنف بدني أو جنسي منذ بلوغهن سن 18 عاما من قبل أفراد العائلة أو البيئة المحيطة، و17% ذكرن أنهن تعرضن للعنف البدني، و2% تعرضن للعنف الجنسي، وكان الأب هو المرتكب الرئيسي للعنف البدني ضد المرأة منذ بلوغها سن 18 سنة (50%).
كما تشهد القاهرة ارتفاعًا كبيرًا في معدل الطلاق، الذي يتزايد في مصر بشكل عام، وهو أحد أسباب معاناة المرأة المصرية بشكل كبير؛ حيث إن عدد حالات الزواج في مصر خلال العام تصل لـ 900 ألف منها 40 % تفشل ويكون مصيرها الانفصال بعد 5 سنوات، بحسب تقارير رسمية.
الأوضاع الاقتصادية
احتلت القاهرة المرتبة الثانية من حيث حصول المرأة القاهرية على حقوقها الاقتصادية مثل البحث عن العمل والتملك وافتتاح حساب مصرفي.
والمثير في الأمر أنه في الوقت الذي تعاني فيه المرأة من البطالة في مصر، فإن معدلات المرأة المعيلة ترتفع بالقاهرة وبالمدن المصرية بشكل مبالغ فيه، فبحسب إحصائية حديثة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية صدرت نهاية 2016، فإن نسبة المرأة المعيلة بلغت 34%، وأن أعلى نسبة كانت فى الأرامل وتليها المطلقات، وأنه توجد نحو 4 ملايين سيدة فى مصر ليس لديهن بطاقات رقم قومى.
فيما تفيد تقارير أخرى أن مصر بها نحو 12 مليون امرأة معيلة يقع عليهن أعباء وحمل الأسرة بأكملها، وتعاني تلك المرأة من ارتفاعات مستمرة في الأسعار وتجاهل دائم من الدولة، وغياب تام لأي برنامج تأمين صحي مناسب، فضلًا عن نقص في السلع الأساسية والأدوية وألبان الأطفال ومواد السع التموينية.
مصريات فى مهن الرجال
الاعتقالات السياسية
وبرغم من أن الاستطلاع الدولي، تجاهل الجانب الحقوقي فيما يتعلق بالمرأة في مصر، لتركيزه على النساء في القاهرة، إلا أن مراقبين أكدوا أن هذا الجانب باتت القاهرة تحتل فيه أيضًا مستوى سيئًا للغاية.
فالاعتقالات يمكن أن تطال المرأة في القاهرة في أي وقت وفي أي مكان وبدون أي مبرر، خصوصًا بعد تحركات الجيش في الثالث من يوليو 2013، التي عزلت الرئيس محمد مرسي، وتسببت في توسيع داوئر المعارضة للسلطة.
قانون الطوارئ المفروض على القاهرة وباقي محافظات الجمهورية، في عهد السيسي، يضع نساء القاهرة في خطر أيضًا، ويجعلهم في مرمى الاعتقال في أي وقت.
ومنذ الثالث من يوليو 2013، وتتعرض المرأة المصرية لاعتقالات وتضييقات واسعة من قبل السلطة، حيث تعرضت نحو 400 فتاة وسيدة إلى محاكمات مدنية وعسكرية، وتم الحكم عليهن بأحكام وصلت لـ 1223 سنة، ولازال العشرات منهن يقبعن خلف أسوار السجون لاتهامهن بقضايا سياسية أغلبها يدور في فلك معارضة السلطة والتتظاهر ضدها.
اضف تعليقا