حملات التضامن التي تتواصل مع د. محمد البلتاجي أبرز القيادات الميدانية في ثورة 25 يناير وجماعة الإخوان المسلمين بمصر ، فتحت بشكل عاجل الملفات السوداء للسجون في عهد الانقلاب العسكري منذ بيان 3 يوليو 2013 ، خاصة فيما يخص جريمة القتل البطيء الممنهج التي وثقت على نطاق واسع ومتواتر وبات رفضها أحد عوامل الوحدة الثورية مؤخرا.
825 ضحية للإهمال الطبي المتعمد في السجون منذ 2013 حتى تاريخه وفق ما حصل عليه “العدسة” من مصادر حقوقية مستقلة ، تؤكد أن الخطر الذي يهدد حياة البلتاجي وأمثاله من المؤمنين بالربيع العربي والمتطلعين لحياة أفضل لشعوبهم بات وشيكا ويقتضي دق كل نواقيس الخطر والمطالبة بالحياة لكل “بلتاجي”.
“البلتاجي” في خطر
نداءات عديدة في الأيام الأخيرة ، كشفت عن مخاوف كبيرة من إزهاق حياة د.محمد البلتاجي بسجن العقرب سيئ السمعة.
وبحسب بيان أسرته في 18 مارس الجاري “ما يزال التعنت في منع الدكتور محمد البلتاجي من العرض على المستشفى مستمرًا، رغم أن الأسرة قامت بتسليم إدارة (سجن العقرب) نفقات خروجه للعلاج وصدر قرار من المحكمة بالسماح له بذلك لكن لم يتم تنفيذه”.
د.البلتاجي وفق ذات البيان يعاني منذ 10 يناير الماضي من ضعف شديد في عضلات الطرف العلوي الأيمن سيما عضلات اليد اليمنى أسفر عن سقوط الكف، واضطراب الإحساس والتنميل والخدر باليدين وارتفاع مستمر في ضغط الدم مع الشعور باختناق وضيق شديد بالصدر واضطراب شديد في النوم وغيرها من الأعراض إضافة للأمراض الأخرى التي أصيب بها أثناء السجن في السنوات السابقة وما يزال يعالج منها وهي : قصور شديد في وظائف الكلى ، والتهابات كلوية مناعية، وقصور شديد في وظائف الغدة الدرقية ، والتهاب المفاصل.
وأطلق النشطاء حملة واسعة لمواجهة هذا الاستهداف تحت وسم ” #الحياة_للبلتاجي” طالبوا فيها بوقف القتل البطيء بالسجون المصرية وحملوا رئيس النظام المصري الحالي عبد الفتاح السيسي كافة التبعات الجنائية على ما يحدث للمعتقلين السياسيين ومنهم د.محمد البلتاجي الذين اعتبروا أنه يتعرض لتصفية جسدية ممنهجة لدوره البارز في ثورة 25 يناير و اعتصام رابعة العدوية.
اللافت في الحملة أنها ساهمت في تجميع الصف الثوري في مصر ، وشارك فيها د.محمد البرادعي رئيس جبهة الإنقاذ قبيل انقلاب 3 يوليو 2013 والذي قال في تغريدة حازت على مشاركة كبيرة :”لم ألتق في حياتي بالدكتور البلتاجي ويقيني أنني مختلف معه فكرياً في الكثير من الأمور ولكني لا أفهم إطلاقاً مايحدث معه وغيره من السجناء من حرمان من حقوق أساسية، ويجب أن تتوفر لكل انسان وتحت أي ظرف! ليست هذه مصر التى أعرفها ولا مصر التى نريد أن نراها”.
قتل ممنهج
“البلتاجي” ليست مأساة تنوح لوحدها ، بل وثق حقوقيون عديدون أعدادًا كبيرة من ضحايا القتل البطيء في السجون مؤكدين أنها سياسة ممنهجة من نظام “عبد الفتاح السيسي” منذ انقلابه في 3 يوليو 2013.
الحقوقي أحمد مفرح مدير منظمة كوميتي فور جستس كشف عن ارتفاع عدد المحتجزين الذين توفوا منذ يونيو 2013 بداخل السجون المصرية إلى 825 حالة بعد وفاة المعتقل السياسي أحمد عبد الغني 48 عاما عقب إصابته بداخل سجن دمنهور بمرض الكبد دون تلقي الرعاية الصحية اللازمة.
ووفق التقرير السنوي لمنظمة كوميتي فور جستس حول انتهاكات مقار الاحتجاز في عام 2018 فقد احتل انتهاك القتل خارج إطار القانون والوفاة أثناء الاحتجاز المرتبة الثالثة في الانتهاكات بعدد 245 حالة خلال العام الماضي.
وترى منظمة هيومن رايتس مونيتور من جانبها أن القتل البطيء في السجون سياسة ممنهجة ، موضحة أنها في يومي 18 و19 مارس وثقت حالتي وفاة بالإهمال الطبي المتعمد داخل سجون مصر وهما أحمد عبد الغني وعبد الرحمن الوكيل، نتيجة للإهمال الطبي بحق الأول بسجن الأبعادية، حيث تدهورت حالته الصحية بشدة ودخل في غيبوبة كبدية، نقل على إثرها إلى مستشفى دمنهور العام ليموت فيها ، بينما توفي الثاني بسجن مركز شرطة بلبيس بالشرقية قبل تنفيذ قرار بإخلاء سبيله.
وقالت سلمى أشرف، المديرة التنفيذية للمنظمة في تصريحات صحفية لها :” إن حالات القتل البطيء تزداد يوميًا بسبب الإهمال الطبي داخل السجون في مصر، الذي يؤدي إلى فقد المعتقلين لأرواحهم، وكأن النظام الحاكم يعاقبهم على آرائهم وأفكارهم وتوجهاتهم”.
وفي هذا الشأن وثقت المفوضية المصرية للحقوق والحريات جريمة الإهمال الطبي التي يتعرض لها المدافع عن حقوق الإنسان إبراهيم متولي داخل محبسه بسجن طرة شديد الحراسة 2 والمعروف بسجن العقرب، واتخذت إجراءً قانونيا في 13 مارس الجاري بتقديم شكوى تطالب بعلاجه فورا والتحقيق مع المتورطين في الانتهاك ضده موضحة أن ما يحدث معه ينافي الدستور والقانون والمعايير والمعاهدات الدولية، ويعد “قتلا بطيئا”حسب تأكيدها.
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أطلقت نداءً في هذا الإطار منذ العام 2017 عنوانه :” يا تعالجوهم، يا تفرجوا عنهم” ، وثقت فيه مع آخرين حالات إهمال طبي متعمد ، وقالت :” منع العلاج ـ رغم توفره ـ حتى الموت هو جريمة قتل عمد دون أي قدر من المبالغة، وتصفية جسدية بدون رصاص، وهذه الجريمة ليست أمرا نادر الحدوث كما قد يظن البعض، بل تحدث كل يوم تحت أنظار مسئولي الدولة وبعلمهم، تحدث في سجونها ومعتقلاتها وأقسام شرطتها وفي كل أماكن الاحتجاز فيها”.
وأوضحت أن ” السجن كعقوبة – دون التطرق لمدى عدالة/عدم عدالة المحاكمات هنا – لا يجب أن يتضمن حرمان الشخص من حقه في الصحة والعلاج بأي صورة من الصور، والجريمة المتهم بها السجين أو التي أدين بارتكابها لا تعطي الحق لأحد أو لسلطة مهما كانت أن تقتله بالبطيء وهو في حوزتها بحرمانه من حقه في الصحة”.
“العقرب “.. الأشرس
ووفق تقارير متواترة يأتي سجن العقرب شديد الحراسة على رأس أماكن الاحتجاز التي وقعت فيها حالات الوفاة ثم سجن الوادي الجديد، وسجن برج العرب وسجن جمصة بحسب منظمات حقوقية أكدت أن أسباب الوفاة تكون نتيجة للإهمال الطبي.
المقلق بحسب البعض أن د.محمد البلتاجي محتجز بسجن” العقرب” الذي يوصف بأنه الأسوأ في سجون مصر ، حيث تشرف عليه جهات خمس منها رئاسة الجمهورية بجانب الأمن العام والمخابرات الحربية والأمن الوطني والمخابرات العامة .
ومن أبرز الأسماء التي ارتقت في السجون المصري جراء الإهمال الطبي المتعمد الشيخ عصام دربالة رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية في مصر ود.فريد إسماعيل رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في برلمان الثورة 2012 والقيادي كذلك بجماعة الإخوان المسلمين وعزت السالموني، أحمد غزلان، ومرجان سالم الجوهري، ومحمود حنفي، وكان القاسم المشترك بينهم هو الحرمان من العلاج.
وفي 13 مايو 2015 ارتقى الدكتور فريد إسماعيل، بداخل عيادة سجن العقرب بمنطقة سجون طره، بعد دخوله في غيبوبة كبدية تامة، وإصابته بجلطة في المخ داخل سجن العقرب بعد أن رفضت مصلحة السجون المصرية نقله للعلاج بمستشفى مجهز نظرا لسوء حالته.
وبحسب معلومات موثقة فإن الشيخ عصام دربالة طلب أن يتم تزويده بأدوية لعلاج مرض السكري وارتفاع ضغط الدم، ولكن رُفض طلبه من قبل إدارة سجن العقرب والمحكمة ليموت في 9 أغسطس نتيجة لحرمانه من الوصول إلى الدواء في مقر احتجازه بالسجن سيء السمعة.
وقد نعى حزب البناء والتنمية (الذراع السياسية للجماعة الإسلامية) دربالة، متهما السلطات المصرية بتعذيبه ومنع دخول الأدوية إليه في سجنه مع رفض محاولات نقله إلى المستشفى، معتبرا أن ما حدث “قتل مع سبق الإصرار واغتيال واضح يستوجب ملاحقة المسؤولين عنه جنائيا”.
اضف تعليقا