“عم بصرخ بالشوارع.. شوارع القدس العتيقة” هكذا غنت فيروز قبل أربعين عامًا، ولا زال صدى الأغنية يتردد، ومعه تتخيل نفسك بجولة داخل تلك البلدة التاريخية العتيقة، التي لا يمكن اختصارها فقط في رموز دينية كبرى، كالمسجد الأقصى، ومسجد قبة الصخرة، وحائط البراق، وكنيسة القيامة، أو بيت لحم، بكل ما تمثله تلك الرموز من معنى لدى المسلمين والمسيحيين عبر العالم، ولكن الأمر يتعلق بجدران وحيطان وحوانيت وأزقة وحبال غسيل وأقبية وقباب، كلها تعبر عن تاريخ طويل من الهزائم والانتصارات، والحياة العادية اليومية التي شهدتها تلك المدينة عبر القرون الطويلة، ويتوارث حكاياتها الأبناء من الأجداد جيل بعد جيل، لتبقى إلى الأبد حية رغم أى احتلال.

وحسب ما تشير له كتب القواميس التاريخية والأطالس الجغرافية المعروفة، فبلدة القدس هي المدينة الرئيسية الأم بمدينة القدس المعاصرة، ويرمز لها بالبلدة الواقعة داخل سور سليمان، وهى المعروفة الآن بأسوار القدس، وهي أسوار تحيط بالبلدة،  مساحتها حوالي 1 كم²، بنيت الجدران بأمر من السلطان العثماني سليمان الأول خلال عامي 1535 و1538، عندما كانت القدس جزءًا من الدولة العثمانية. بينما تبلغ مساحة البلدة ككل 0,9 كم²، وترتفع 750 متراً عن سطح البحر، وحسب التصنيف الحالي الذي فرضه وضع الاستيطان الصهيوني، تقع “البلدة القديمة” في قلب القدس الشرقية.

وقعت البلدة القديمة تحت الحكم الذاتي الأردني منذ عام 1948، وبعد توقيع اتفاقية أوسلو أصبحت وفق القانون الدولي “أرض فلسطينية محتلة”، حيث يسيطر على إدارتها الاحتلال الصهيوني، وفي عام 1980 اقترحت الأردن إضافة البلدة إلى قائمة مواقع التراث العالمي في اليونسكو، وتمت الإضافة في العام1981، وفي عام 1982 طلبت الأردن إضافتها إلى قائمة مواقع التراث العالمي المعرضة للخطر.
تم بناء أسوار القدس بالطبع  لتحصين المدينة ضد الاختراقات والغزوات، أما اليوم فتعد عامل جذب للسياح ممن يقفون أمام بابها، ويسمعون قصص تلك الأسوار عبر التاريخ، فقد أحيطت مدينة القدس بالأسوار للدفاع عنها منذ بداية تأسيسها، حيث إنه في العصر البرونزي الوسيط تم بناء مدينة “يبوس” وهي في موقع القدس اليوم، وقد كانت صغيرة نسبيا (50،000 متر مربع) ولكنها كانت محصنة بالأسوار، وتقع بقايا جدارها فوق نفق “حزقيا.”

بعد سيطرة الرومان على القدس تم تدمير أسوارها، إلا أنه في وقت لاحق من عهد مدينة إيليا كابيتولينا الرومانية أيضا، تم إعادة بناء الأسوار بشكل جزئي، فيما بعد قامت الإمبراطورة “Aelia Eudocia” بتجديد أسوار القدس بشكل أوسع، وفي عام 1033 دمر قسم كبير من الأسوار التي شيدتها الإمبراطورة “Eudocia” بسبب هزة أرضية ضربت المدينة.

وخلال الغزو الصليبي وسقوط القدس في أيدي الصليبيين عام 1099، تم إعادة بناء أسوار المدينة، إلا أن صلاح الدين قام بتدمير الأسوار عندما استعاد المدينة من سيطرة الصليبيين، وفي وقت لاحق أمر ابن أخي صلاح الدين الأيوبي بإعادة بناء أسوار المدينة، ولكن في وقت لاحق غيّر رأيه بعد أن تم بناء معظم أبراج المراقبة؛ وذلك خوفا من أن تقع المدينة بيد الصليبيين مجددا فيتحصنوا داخل أسوارها.

وكانت بلدية الاحتلال قد بدأت استبدال أسماء بعض الأزقة والطرقات في البلدة القديمة بأسماء جديدة، وهي تقسمها إداريا إلى ثمانية أحياء رئيسية موزعة على 84 حيا فرعيا.

وتعد البلدة القديمة أحد الأحياء الرئيسية الثمانية، وتقسمها إسرائيل إلى أربعة أحياء بأسماء طائفية هي: الحي المسيحي، والحي الأرمني، والحي اليهودي، والحي الإسلامي، بينما لا زال أهاليها يطلقون عليها أسماءهم الخاصة، وأغلبها تبدأ بكلمة “باب”، حيث كانت المدينة الصغيرة أشبه بالدائرة التي تتجاور فيها الأبواب التي تفضي لحارات صغيرة، ومن أشهرها باب العمود، وباب الزهور، وباب ستنا مريم.

وقد قدر عدد سكان البلدة القديمة عام 1972 بنحو 23 ألفا و500 نسمة، كلهم فلسطينيون، ما عدا 263 صهيونياً، وقدر عددهم نهاية 1999 بنحو 33 ألف نسمة، بينهم 29 ألف فلسطيني، مقابل أقل من أربعة آلاف مستوطن صهيوني، أما في 2008, فقد بلغ عدد سكان البلدة القديمة 37 ألفا، هم 33 ألفا من الفلسطينيين، ونحو أربعة آلاف من الصهاينة.