العدسة – ربى الطاهر

ربما تمر على أي منا بعض اللحظات في حياتنا نود تسجيلها فنأخذ اللقطات التصويرية التي نظل نرجع لها للحديث عنها، أو محاولة استعادة تلك المشاعر اللطيفة التي سيطرت علينا في هذه الأثناء… بالطبع هذا أمر طبيعي للجميع وخاصة في المناسبات السعيدة، ولكن الأمر قد يختلف تماما مع آخرين، ربما قد ادخر لهم القدر التواجد في مكان بعينه ولحظة بعينها، وحالفهم الحظ بوجود كاميرا ليتمكنوا من خلالها من تسجيل لحظات قد تقلب حياتهم رأسا على عقب، وربما أيضًا حياة آخرين، وقد كانت بالفعل بعض الصور سببا لإصدار قوانين أو تغيرها في بعض البلدان، كما أنها كانت سببا لمآسٍ شخصية أو حتى لجوائز عالمية.

فقد حظيت بعض الصور باهتمام عالمي، وتمكن ملتقطوها بإيصال رسائل عميقة للبشرية، ومنهم من حصد الجوائز، ومنهم من حصده الموت تفاعلا مع صورة تعكس قدرا هائلا من العوز الإنساني أو المآسي التي تعكس مدى ظلم العالم تجاه الضعفاء، العديد والعديد من المواقف والصور التي لكل منها قصة حاولنا أن نوردها ونسردها في الأسطر القادمة.

تمكن مصور جريدة “بوسطن هيرالد” من خلال التقاطه لإحدى الصور من تمهيد الطريق لإصدار قوانين صارمة فيما يخص حوادث الحرائق، سواء كان ذلك في بوسطن التي التقط بها صورته، أو في سائر الولايات الأمريكية الأخرى.. وترجع قصة تلك الصورة إلى يوم 22 يوليو 1975 عندما علم المصور الصحفي بوقوع حريق في شارع ملبورو في بوسطن وعلى الفور انطلق إلى هناك لممارسة عمله الصحفي وتغطية الحدث، إلا أن مأساة إنسانية كانت بانتظاره لتسجيلها بكاميرته، حينما تمكن من التقاط صورة لسيدة وفتاة صغيرة يسقطان من ذلك المبنى، واللتين كانتا تعيشان فيه قبل أن يشتعل به الحريق، ولم يحالف الحظ السيدة ديانا التي بمجرد ارتطامها بالأرض توفيت على الفور، بعدما فشل رجل الإطفاء من إنقاذها، ولكن الحظ كان حليف الطفلة التي عاشت بعد نجاح رجل الإطفاء في التقاطها.

وغيرت تلك الصورة حياة كل سكان بوسطن بل والولايات الأمريكية، وتمكن ستانليجي فورمن  من الحصول على جائزة Pulitzer لتغطيته أحداث ذلك الحريق.

 

بينما جلبت هذه الصورة مشاكل لا حصر لها للمصور الذي التقطها، وأثارت حولها الكثير من الجدل، حيث تناسى المصور كل المشاعر الإنسانية، في مقابل أن يأخذ لقطة تحقق له الشهرة والسبق، كما اتهم وقتها، فهذه الصورة المأساوية لفتاة لم تتجاوز الـ 13 من عمرها تدعى “أوميرا سنشيز”، وقصتها أنها أثناء بركان “نيفادودلرويز”، والذي تعرضت له كولومبيا في 14 نوفمبر 1985، حبست هذه الطفلة لمدة ثلاثة أيام في المياه والإسمنت، وبعد أن تم إنقاذها بفترة وجيزة ماتت “أوميرا” لتثير صورتها ثورة غضب لذلك المصور الذي استغل مأساة الفتاة للتصوير بدلا من أن يهرع لإنقاذها، كما واجهت المصور مشاكل من نوع آخر مع الحكومة الكولومبية التي اعتبرت أن تلك الصورة هي دليل مادي على فشلها وعدم استعدادها للتدخل المناسب لإنقاذ شعبها من الكوارث، خاصة وأن هذا البركان قد ذهب ضحيته إلى ما يقارب الـ 2500 شخص.

 

أما هذه الصورة فقد أنهت حياة مصورها، بعد أن حصل بها على جائزة الـPulitzer فقد دخل كيفن كارتر في موجة اكتئاب حادة بعد التقاطه تلك الصورة التي عكست كل المعاني المأساوية لضحايا المجاعة التي تعرضت لها السودان عام 1994، وتعرض الصورة حالة ذلك الطفل الذي يحاول الزحف إلى معسكر الأمم المتحدة، الذي كان يقدم الغذاء لضحايا المجاعة، وعلى بعد خطوات منه ذلك النسر ينتظر موته كي يلتهم جثته.

وقد استطاعت هذه الصورة لفت أنظار العالم لكارثة الحرب الأهلية التي تسببت في هذه المجاعة، وانتهاك كل حقوق الإنسان، وفشل المجتمع الدولي في مواجهة تلك المجاعة، التي راح ضحيتها أكثر المناطق تضررا، منها “بحر الغزال” جنوب غرب السودان 70 ألف شخص في حين اضطر إلى الهجرة 72 ألف شخص آخرين.

ولم يستدل أحد على هذا الطفل فيما بعد، وما كان مصيره، ولكن المصور لم يحتمل كل هذا القدر من الألم النفسي الذي شعر به نتيجة لتغطية أحداث المجاعة هناك، وأقدم على الانتحار بعد أقل من ثلاثة أشهر من التقاطه لهذه الصورة.

أما “مالكومبراون” فقد لقط صورة للراهب الفيتنامي”ثيككونقدس” في 11 يونيو1963 عندما قرر هذا الراهب الاعتراض على معاملة رهبان البوذية بإشعال نفسه في أحد أهم شوارع سايقون وأكثرها ازدحاما، فقد حاول “ثيككونقدس” أن يلفت النظر لمشاكل الرهبان البوذيين التي تعرضوا لها إثر نظام حكم ديم الكاثوليكي، والذي وقع تحت حكمه جنوب فيتنام في ذلك الحين، وطالب وقتها الرهبان البوذيون مساواتهم بنظائرهم من الرهبان المسيحيين إلا أن النظام مارس ضدهم القمع ومنعهم من ممارسة طقوسهم ومعتقداتهم الخاصة، وكذلك رفع الأعلام الخاصة بهم، فما كان من هذا الراهب إلا هذا الاختيار، والذي جعله أثناء الاحتراق لم يحرك ساكنا بل لم يصدر عنه أي صوت ألم أو استغاثة.. فقط حرق نفسه في صمت وثبات!.

بأسلوبه الخاص تمكن المصور ماكساقيليري في عام 1999 من الحصول على فرصة ذهبية لتصوير أحد أهم العمليات التي تجرى لجنين وهو لا يزال في رحم أمه، لتصحيح تشوه السباينابايفيديا ولم يكن هذا الجنين قد تجاوز حينها الـ21 أسبوع إلا أن هذا الجنين الذي سمي فيما بعد صامويل سويتسر قد أخرج ذراعه من تلك الفتحة الجراحية في رحم أمه فقام الجراح برفع ذراع الجنين فإذا به يفاجئ الجميع ويمسك إصبع الجراح، الذي قام بدوره بتحريك إصبعه ليختبر قوة تمسك الجنين بها، ولكن الأخير تشبث بإصبعه ولم يتركها، وكانت تلك اللحظة هي التي لم يكن يتوقعها المصور، ولكنه لم يكن ليتركها تفوته، والتقطها لتصبح من أشهر الصور العالمية فيما بعد.

أما هذه الصورة التي اعتقد من تعمدوا التقاطها أنها ستمحو أسطورة تشي جيفارا، فقد حققت العكس تماما، وذلك بعد أن تم القبض على هذا المناضل الذي حقق شهرة عالمية، وتم إعدامه ورغب قاتلوه في إنهاء تلك القصة فقاموا بدعوة عدد من المصورين ليلتقطوا هذه الصورة لإعلان موت جيفارا بإثبات الصورة، معتقدين أنهم بذلك إذا تخلصوا منه ومن متبعيه فسيمحى أثره، ولكن هذه الصورة فعلت ما لم يكن يتوقعه قاتلوه، فقد تركت أثرًا أعمق لهذا الأسطورة، وجعلت محبيه يقارنون بينه وبين المسيح في ملامحهما المتسامحة.

وكانت البطلة وراء هذه الصورة هي زوجة العالم ويلهلم كونرادرونتجن، والذي كان أول من يحصل على جائزة نوبل للفيزياء في عام 1901عن اكتشافه العظيم الذي قدم خدمة جليلة للعالم أجمع، بعد العديد من التجارب التي اكتشف منها انبثاق وهج فلوري من الباريوم بلاتينوكيانيدي، وتمكن من خلال تلك الملاحظات بمساعدة زوجته التي أقدمت على إجراء التجربة، وعرضت كفها لتلك الأشعة لتمكن زوجها من استكمال أبحاثه، وكانت النتيجة هي الوصول لتصوير جسم الإنسان من الداخل عبر الأشعة السينية، دون أي تدخل جراحي.

أما هذه الصورة، فقد اتخذت في 9 أغسطس 1945، وهو التاريخ الذي ألقيت فيه قنبلة ناجازاكي، وكانت الصورة لتلك الغيمة التي تكونت بعد إلقاء القنبلة التي تسببت في مقتل150000 نسمة، بينما تسببت الحرارة العالية وذلك الإشعاع، بل والرياح التي نقلته، في أعلى نسب الدمار التي شهدها العالم، وكانت القنبلة الثانية بعد تلك التي ألقيت قبلها في 6 أغسطس على هيروشيما وقتلت ما يقارب من الـ 80000 ضحية، ورفضت وقتها اليابان إعلان الاستسلام، فقررت أمريكا وقتها معاقبتها بإلقاء الثانية، وقد ذكر الطيار شارلزسويني أنه كان في طريقه إلى Kokura Arsenal بطائرته الـB-29، ولكن كثرة الضباب حجبت عنه الرؤية فتوجه إلى ناجازاكي لإنهاء مهمته.

وفي 20 يوليو 1969 وطأت أول قدم على سطح القمر، والتقطت هذه الصورة لتسجيل تلك اللحظة، التي طبع فيها رائد الفضاء نيلارمسترونج بقدمه اليسرى على أرض القمر، ويقال إن الأثر الموجود بهذه الصورة سيظل موجودا لملايين السنين بسبب انعدام الرياح التي يمكن أن تزيله.

 

لم تكن كارثة منطاد هيدن بيرق، التي اتخذت لها هذه الصورة، هي الأسوأ في تلك الحوادث الجوية في ذلك الوقت، ولكنها هي الحادثة الوحيدة التي التقطت لها هذه الصورة، في 6مايو 1937، ويقال إن هذه الصورة تسببت في منع السفر بالمنطاد، حيث قد وصل عدد القتلى في ذلك الحادث إلى 35 من أصل 97 راكبًا للمنطاد “زيبلن”، وكان السفر بالمنطاد حينها يعتبر من أكثر وسائل السفر الجوي أمانا.