العدسة – معتز أشرف
قدمت المقاومة الفلسطينية ملحمة مهمة في وقت صعب في الساعات الأخيرة، رغم الوضع الإقليمي الصعب والانقسام الداخلي، حققت فيها عددًا من المكاسب، بحسب مراقبين.
5 مكاسب بارزة يرصدها (العدسة) في سياق هذا التقرير.
ضربة مشتركة!
المكسب الأول، بحسب مراقبين، هو توجيه ضربة مشتركة للاحتلال الصهيوني في ظل أجواء انقسام فلسطينية واضحة، حيث أعلنت “كتائب القسام” و”سرايا القدس”، “مسؤوليتهما المشتركة عن قصف مواقع عسكرية ومستوطنات في محيط قطاع غزة”، وفي بيان مشترك لهما، أوضحتا أن “القصف يأتي ردًّا على العدوان الصهيوني الغاشم وجرائمه بحق أهلنا وشعبنا ومقاومينا”، مشيرتين إلى أن “القصف بالقصف، والدم بالدم، ولن نسمح للعدو بفرض معادلات جديدة”.
وبعد استبعادهما وآخرين من جلسة المجلس الوطني الفلسطيني الأخيرة بقيادة الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن، توحدت المقاومة بقرار مشترك يطيح بآمال من ظنوا أن القرار بات ممهدًا في يد “أبو مازن”، بحسب البعض، خاصة أن “كتائب القسام” و”سرايا القدس”، شددتا بوضوح على أن “المقاومة لن تسمح للعدو أن يفرض معادلات جديدة باستباحة دماء أبناء شعبنا”، محذرتين من “التمادي، فكل الخيارات مفتوحة”، مشيرتين إلى أن “ردنا هو إعلان لكل من يعنيه الأمر بأن هذه الجرائم لا يمكن السكوت عليها”.
ووفق ما نشره موقع القسام، فإن بيان “القسام” و”السريا” يؤكد على أنّ المقاومة متحدة في ردودها على أرض الواقع، وأن هذا الإعلان الموحد أكبر رسالة إلى وحدة المقاومة والشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال الصهيوني، كما أن البيان العسكري المشترك ينبئ ويمهد لمواقف سياسية مشتركة تحدد مصير غزة، وأنها مستعدة لإدارتها والتعامل مع الموقف والمستجد، حيث إن حماس والجهاد والشعبية والديمقراطية وألوية وفصائل المقاومة اليوم على قلب رجل واحد، ويعملون بتنسيق مستمر، وهناك وحدة حال ورؤية”.
نقلة نوعية
الضربة المشتركة لرفيقي الكفاح الفلسطيني ،حماس والجهاد الإسلامي، نقلة نوعية في معادلة توازن القوة، بحسب المراقبين، حيث منعت الاحتلال من تحقيق أهدافه، وأفقدته عنصر الردع، وفرضت المقاومة معادلتها مجددًا بعد غياب، فصمت المقاومة انكسر، وبدأ التعامل مع الاحتلال بمعادلة قذيفة يقابلها قذيفة، وصاروخ يقابله صاروخ، خاصة أن الاحتلال ظن أنها لا تملك القدرة على الرد، أو أن الوضع الإقليمي يمنعها من ذلك.
النقلة جاءت أيضًا في ظل أن هذه هي المرة الأولى، منذ حرب 2014، التي تعلن فيها المقاومة الفلسطينية مسؤوليتها عن عمليات إطلاق النار والقذائف على مستوطنات غلاف غزة، بعد فترة طويلة من ضبط النفس على سلسلة من الجرائم الإسرائيلية وعمليات القصف المتكررة لمواقع المقاومة في قطاع غزة، حيث إن فصائل المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها “كتائب القسام” و”سرايا القدس”، أعلنت بشكل واضح مسؤوليتها عن دك المستوطنات الإسرائيلية بعشرات الصواريخ وقذائف الهاون يوم الثلاثاء وفجر الأربعاء، ردًّا على جرائم الاحتلال الإسرائيلي، التي كان آخرها قصف موقعين للمقاومة خلال اليومين الأخيرين أدى إلى استشهاد 4 مقاومين.
الرد المقاوم جاء بحسب وصف البعض كتثبيت قواعد اشتباك، وكإعلان استعدادها للذهاب إلى أبعد مدى في حال استمر الاحتلال بعدوانه، بالتزامن مع حالة ثورية ذكية وقوية وثابة وإبداعية في البر والبحر ومن تحت الأرض ومن فوقها، وهو ما يعتبر نقلة قوية في المشهد الصعب، وأن هناك طاقة متصاعدة حيرت الاحتلال وأتعبته، وما زالت تتعبه وستنهي مشروعه، بحيث نجحت المقاومة الفلسطينية في فرض معادلة رادعة للاحتلال كسرت عنجهيته، وأعادت حساباته ليلجأ من خلال وسطاء لوقف إطلاق النار.
ويعتبر ما حدث من إطلاق قذائف الهاون تجاه الأراضي المحتلة صباحًا في المواجهة الأخيرة أكبر كمية تطلق في يوم واحد منذ 4 سنوات تقريبًا-وفق المراسل العسكري لموقع “واللا” الصهيوني أمير بوخبوط-، والذي لفت إلى أن التصعيد الحالي هو الأخطر منذ الحرب الأخيرة.
إعادة معادلة الرعب
وعادت -بفضل ضربات المقاومة- أصوات صافرات الإنذار والرشقات الصاروخية واللجوء إلى المخابي، وذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، أن منظومة القبة الحديدية اعترضت وابلًا من الصواريخ أطلقت من قطاع غزة باتجاه المستوطنات المحاذية في الغلاف، فيما لم تلفح القبة باعتراض جميع المقذوفات الصاروخية.
ولفتت الصحيفة إلى أنه جرى وقف نقل الطلبة إلى المدارس في هذه المرحلة، والطلب من المستوطنين في غلاف غزة دخول الملاجئ، فيما أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي تعرض مستوطنات ما يسمى “غلاف غزة” لقصف صاروخي بنحو 25 قذيفة هاون، وحسب بيان الجيش الذي تداولته وسائل إعلام الاحتلال، اعترضت القبة الحديدية عددًا من القذائف الصاروخية، فيما سقط عدد آخر داخل المستوطنات، كما طالبت الجبهة الداخلية الإسرائيلية المستوطنين بالبقاء في الملاجئ والمناطق المحمية خشية تصاعد الأوضاع الأمنية.
واعترف العدو الصهيوني بإصابة ثلاثة من جنوده و3 مستوطنين آخرين، جراء قصف المقاومة لمستوطنات “الغلاف” القريبة من قطاع غزة، بالقذائف الصاروخية، والتي بلغت 114 قذيفة صاروخية، منذ صباح الثلاثاء، وأفادت القناة الصهيونية العاشرة، بأن ثلاثة جنود أصيبوا جراء سقوط عدة قذائف هاون على المجلس الإقليمي “أشكول” في النقب المحتل، وصفت جراح 2 منهم بالخطيرة أحدهم حالته بالغة الخطورة.
كما دعا جيش الاحتلال المتواجدين على سواحل مغتصبة “زيكيم” شمالي القطاع إلى إخلائه فورًا، لعدم وجود غرف آمنة في المكان، في الوقت الذي طالب فيه الجيش سكان الغلاف بوجه عام بالتواجد قريبًا من الغرف والأماكن الآمنة.
الالتفاف الشعبي
الشريك المخالف الساعي تحت ضغوط الخارج إلى صفقة القرن المشبوهة، لم يتحمل نجاح المقاومة شعبيًّا، حيث هاجمت حركة فتح “حماس”، بعد ساعات فقط من الإعلان عن إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار وكسر قواعد الاشتباك التي حاولت “إسرائيل” فرضها في غزة، حيث استهجن المتحدث باسم حركة فتح في قطاع غزة عاطف أبو سيف، في حديث فاضح لإذاعة “صوت فلسطين” اتفاق وقف النار، زاعمًا أن “حماس” هي من سعت إليه، وأنها ” سعت لإنجاز التهدئة مع الاحتلال، في حين تمتنع عنها مع شعبنا، وتمتنع عن تمكين الحكومة من القيام بعملها في قطاع غزة، ليتسنى بعد ذلك إجراء الانتخابات”، حسبما قال.
ووفق تقدير موقف صادر عن مركز القدس للدراسات، فإن من نتائج المواجهة السريعة التي جرت بين الثلاثاء والأربعاء أن هذه الأحداث أكدت التفاف الشعب الفلسطيني حول مقاومته، وهذا من الناحية الفكرية، مقلق إسرائيليًّا، حيث بات من الواضح أن الغالبية العظمى من أبناء الشعب الفلسطيني تتبنى المقاومة لتحقيق الأهداف الإستراتيجية العامة، وإن اختلفت الإمكانيات ما بين الضفة وغزة، فضلًا عن أن الرد الكبير للمقاومة بالأمس، سيكون دافعًا قويًّا لاستمرار مسيرات العودة، ومحفّزًا لتوسيع المشاركة بها حتى تحقيق أهدافها، مؤكدًا أنه رغم قلّة الحيلة المادية، والتي عوّضتها المقاومة بالإرادة منقطعة النظير، فقد استطاعت غزة، كلُّ غزة، مقاومة وشعبًا حاضنًا، أن تؤكد مرة أخرى أنّ الحصار الظالم وسياسية التجويع، لن تقود إلى تركيع غزة، وأن بوصلة غزة واضحة، وهدفها معلوم، لا تخترقها أجندات إقليمية أو دولية، هي غزة، القلب النابض فينا، تبث كرامتها وتفرض معادلتها، رغم فارق الإمكانيات وقلّة الداعمين.
رسالة للخارج
بالتوازي مع منع الكيان الصهيوني لسفن الحرية لكسر الحصار، جاءت ضربة المقاومة، ثم اتصالات مصر بالجانبين والتوصل إلى تفاهمات لعودة التهدئة، لتحمل رسائل للخارج برفض الوضع في القطاع، وتعديل قواعد الاشتباك بغزة، ونسف معادلة الردع التي فرضتها “إسرائيل” منذ انتهاء حرب 2014، بشكل يفضي إلى إجبار الاحتلال وداعميه الأمريكيين وأدواته الإقليمية للتخلي عن إستراتيجية خنق القطاع.
وفي تقدير موقف نشره مركز القدس للدراسات، فإن جولة النار الجديدة بغزة أحدثت متغيرات مهمة على أكثر من صعيد، وكشفت حجم التوتر ودقة السلوك المقاوم، في مرحلة تعد الأخطر على الصعيد الوطني، خاصة مع محاولة الإدارة الأمريكية فرض “صفقة القرن”، والذهاب بالأنظمة العربية إلى تطبيع علني، فضلًا عن أن غزة قدمت عبر النار إمكانية انفلات الأمور في حال استمر الحصار والعبث في الملف الإنساني.
وأضاف التقدير أن أطراف “صفقة القرن” والأنظمة العربية تجاوزتهم الرسالة، بأن القادم -في حال العبث- لن يكون سهلًا والإمكانية للتصعيد قد تكون كبيرة، كما أن جولة التصعيد وضعت ملف المصالحة مرة أخرى على الطاولة، وفق موازين قوى يمكن نقاشها، على الرغم من الحصار المهلك في غزة.
اضف تعليقا