العدسة – معتز أشرف
عقد قمة تركية عربية اقتصادية للمرة الأولي في ولاية مرسين جنوبي تركيا، بالتزامن مع منتدى الأعمال التركي اليمني، بمشاركة وفود تضم قرابة 250 شخصا، من وزراء ودبلوماسيين ورجال أعمال من دول عربية، من المؤكد أنه يفتح حديثا واسعا وعميقا، بحسب المراقبين، عن التوسع التركي المتزايد في المنطقة العربية خلال الفترة الأخيرة على وجه التحديد بالتوزاي مع التوسع الإفريقي وتوقيع اتفاق “سواكن” مع السودان، وبالتزامن مع حديث متواصل من الخصوم والأصدقاء عن أحلام عودة الإمبراطورية العثمانية.
التوسع القادم
الأحلام التوسعية المشروعة لتركيا، يمكن تفهمها مع قرب انتهاء مدة معاهدة لوزان 1923 في عام 2023 المقبل، والتي يربطها البعض بتصريحات الرئيس التركي بدخول بلاده عهدا جديدا، بالإضافة إلى مواقف “أردوغان” مع العالمين العربي والإسلامي، ودخوله القرن الإفريقي كذلك ، مع لقاءاته الدورية مع المخاتير الأتراك، وهو ما يحفز الكثير لقراءة الرسالة من البعد الاقتصادي البارز مع البعدين السياسي والتاريخي، ومنهم الوحدة الاقتصادية لمركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية التي أكدت في دراسة حديثة باهتمام تركيا بالتوسع الاقتصادي، والبحث عن مخرج من معاهدة لوزان، لاستعادة حقوقها الاقتصادية، كالتنقيب عن البترول، واعتبار مضيق البسفور الرابط بين البحر الأسود وبحر مرمرة، ثم إلى البحر المتوسط ممرًّا تركيًّا خالصًا، متسائلة بكل وضوح: هل عند انتهاء مدة “معاهدة لوزان 2” ستعود تركيا إمبراطورية عثمانية حديثة في المنطقة؟ وهل ستتغير الخريطة الجيوسياسية والاقتصادية، ويشهد العالم دخول مرحلة جديدة برجوع الإرث العثماني؟ ومن هنا يمكن مباشرة، في أحد السيناريوهات، قراءة التقارب التركي العربي الاقتصادي، بعد الجولة الإفريقية الأردغاونية، تحسبا لمستقبل فيه أحداث قد تكون مفاجئة.
إذن هو تحرك مدروس، ليس عشوائيا، وصدى لخطاب “أدروغان” لأنصاره مؤخرا، الذي أكد فيه أن تركيا مستهدفة في كل ما يحدث في المنطقة، وأنه لا شيء عشوائي، وبالتالي، فالتحرك ناحية البحر الاحمر، والدخول في لعبة حرب الموانئ بالحصول التركي على ” سواكن”، والتناغم مع الادارة السوادنية، مع فتح أفق اقتصادي مع رجال أعمال ودول في المنطقة العربية، من المؤكد أنه يحمل في كواليسه الكثير من الإجابات عن أسئلة المستقبل لخلفاء العثمانيين .
هذا الملمح التاريخي للعثمانيين، كان حاضرا على لسان وزير الصناعة والتجارة اليمني محمد عبد الواحد الميتمي، عندما قال في جلسات القمة : ” شيوخنا في اليمن يقولون لولا الدولة العثمانية ودفاعها عن البحر الأحمر، لكان اليمن سقط في أيدي القوات البرتغالية أو الهولندية”، وتابع القول: ” في الحقيقة يمكن إيجاز العلاقات التركية اليمنية بمقبرة الشهداء الأتراك في العاصمة صنعاء، لقد أجرى 162 من رجال أعمال اليمن زيارة لهذا البلد الشقيق تركيا، لتعزيز العلاقات الاقتصادية معها”، وهو ما تناغم معه وزير التنمية التركي، لطفي ألوان، في كلمته بالمؤتمر عندما قال: ” نحن شعوب نعيش في جغرافية واحدة، ونتقاسم قيمًا مشتركة، لكننا- رغم ذلك- نرى أن الإخوة يتقاتلون مع بعضهم البعض، ليس هناك شيء لا يمكننا تحقيقه، طالما أننا متحدون ومتضامنون”.
القمة التركية العربية الاقتصادية الأولى بهذه الحماسة للمشروع التركي التوسعي، تناولت فرص الاستثمارات العربية والتركية، وسبل زيادة حجم التبادل التجاري، فضلاً عن إمكانية إعادة الإعمار بالدول التي شهدت تهديماً إثر الثورات، من خلال عرض فرص ومشروعات على رجال أعمال عرب وأتراك وأجانب، ممثلين من 17 دولة في القمة، بينها: تركيا، واليمن، ولبنان، والعراق، وليبيا، وسوريا، والأردن، والجزائر، والمغرب، وتونس، والكويت، والسعودية، وفلسطين، والبحرين، وقطر، ومصر، وجمهورية شمال قبرص التركية.
هذا الملمح الخاص بالإعمار قديم في دولاب الأفكار التركية فيما يبدو، حيث تحدث عنه تقرير مبكر في عام 2011 لمجلة السياسة الدولية، التي يصدرها مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية بمصر، حيث أكد د. على عوض، المدرس المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، في ورقة “تقدير موقف”، أن تركيا دخلت في الأتون الربيعي، من واقع حسابات حملت طابعًا براجماتيًّا، وتغليب مصالح تركيا الاقتصادية بالأساس، بجانب حسابات أخرى تتصارع مع البعد الاقتصادي البراجماتي.
وتوقع “عوض” في “تقدير موقف” أنه رغم التأثيرات السلبية للثورات في اقتصاد تركيا، إلا أنه من ناحية ستفتح هذه الأوضاع المجال لاستحضار دور تركي مساهم في إنقاذ اقتصادات هذه الدول، في إطار الحديث عن مشروعات تعكس سعي تركيا لتنشيط علاقاتها التجارية والاستثمارية معها، وهو ما تحدثت عنه أوراق القمة الاقتصادية اليوم .
تاريخ قديم
واقعيا شهدت العلاقات الاقتصادية بين العرب والأتراك محطات متعددة، انطلقت- بحسب المركز الديمقراطى العربى، في دراسة تحت عنوان “الاقتصاد التركي والاستثمارات الاجنبية “- عقب الأزمة القبرصية الأولى(1963-1964)، وتداعياتها وفتور علاقات تركيا مع المجموعة الأوربية، ومن ثم انضمامها إلى عضوية منظمة المؤتمر الإسلامي عام 1976، وعقب تأثر الموقف الاقتصادي التركي بشكل خاص، إثر أزمة النفط العالمية عام 1973 وتصاعد أسعاره، كون تركيا دولة مستوردة للنفط ،حيث بعد ذلك تنامت إيراداتها عربياً مع التوسع في النفقات التنموية مع مختلف الدول العربية، ولا سيما الدول النفطية منها.
وبحسب محللين اقتصاديينب، فإن التطور الأهم في العلاقات الاقتصادية العربية التركية، انطلق مع وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة أواخر عام 2002، حيث أدت إلى زيادة الاستثمارات، ورفع حجم التبادل التجاري مع الدول العربية، من خلال زيارات المسؤولين الأتراك، وإبرام اتفاقات وعقد منتديات اقتصادية، بلغت 12 منتدى، وتشير بيانات تركية رسمية إلى أن نسبة الشركات العربية التي أقامت شراكات مع شركات تركية تصل إلى نحو 57% من أصل مجموع الشركات التي تأسست بتركيا خلال العام الماضي، والبالغة 5396 شركة، كذلك تعود نسبة 12% من حجم الاستثمارات الأجنبية في تركيا، البالغة 140 مليار دولار، إلى دول عربية.
أرقام متصاعدة
وبحسب إحصاءات الحكومة التركية، فإن 8% من مجمل تجارة تركيا الخارجية مع العرب، كما نمت الاستثمارات الخليجية خلال الفترة من العام 2003 إلى العام 2008، لتصل إلى ملياري دولار أمريكي تقريبا، كما نمت التجارة البينية بين دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا من 17 مليار دولار عام 1998 إلى 166 مليار دولار عام 2008، كما تشير إحصائيات اقتصادية إلى أن 16% من التجارة الخارجية التركية تتم مع الدول العربية، حيث بلغت الاستثمارات العربية في تركيا 36 مليار دولار.
وبلغ حجم تدفق استثمارات دول الخليج إلى تركيا بحسب موقع “تركيا بوست ” في ” 2014″ 425 مليون دولار أمريكي، فيما بلغ حجم التبادل التجاري بين الدول العربية وتركيا عام 2014، ما يقرب من 45 مليارا و260 مليون دولار، حيث لعبت الشركات التركية دورا ملحوظا في إنجاز العديد من مشاريع التنمية، وخاصة في مجال البنية التحتية في قطر، كالمساهمة في إنشاء الجسور والطرق والعديد من المرافق الخدمية.
مستقبل جاذب
وفي إطارٍ مُكَمِّلٍ، يمكن فهم الحضور الحاشد لرجال الأعمال العرب، وهم رجال مصالح في الأساس حسب القواعد الاقتصادية لمثل هذه القمة، عندما نطالع الطفرة الاقتصادية التركية الواعدة، رغم محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016، حيث إن البنك الدولي عدّل من توقعاته حول نمو اقتصاد تركيا لعام 2017 للمرة الرابعة على التوالي، ورفعها إلى 6.7 %، متوقعا أنه خلال العام الجديد 2018، سيحقق الأتراك كل شهر رقماً قياسياً جديداً، وستتمكن تركيا من تحقيق هدفها المتمثل في الوصول إلى 169 مليار دولار.
وكالات التصنيف الائتماني من جانبها أكدت الصورة الذهنية الاقتصادية الجديدة لتركيا، حيث رفعت توقعات النمو للاقتصاد التركي إلى حدود 5.2%، بعد أن نشروا تقارير تشير إلى تباطؤ النمو بفعل محاولة الانقلاب الفاشلة، كما تقدمت تركيا 9 مراكز في تقرير توقعات ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2018، الصادر عن البنك الدولي، من المركز الـ 69 عالمياً في تقرير 2017، إلى المركز 60 عالمياً لعام 2018 .
ويرى مراقبون أن الاقتصاد التركي من الاقتصادات الإقليمية الصاعدة، في ذات الوقت الذي يعتبر العالم العربي محور طاقة إستراتيجي إقليمي وعالمي، وسوقا ذا طاقة استيعابية واسعة في مجال المنتجات الصناعية والزراعية والاستهلاكية، وفي الاتصالات، وقطاع الإنشاء، والتمويل والاستثمار المتبادل، والخدمات السياحية وغيرها، وهو ما يجعل الشراكة التركية العربية فرصة للجميع للنهوض في وسط واقع اقتصادي صعب عالميا وإقليميا .
اضف تعليقا