العدسة: محمد العربي

وسط غياب شبه كامل للملوك والأمراء والرؤساء والحكام العرب، تبدأ القمة الاقتصادية العربية بالعاصمة اللبنانية بيروت، ما اعتبره البعض إعلانا لفشل القمة، التي كتب عليها أن تواجه العديد من الأزمات والانشقاقات العربية والإقليمية.

القمة التي بدأت الأحد شهدت متابعة كبيرة قبل انطلاقها بعد حديث متصاعد عن مشاركة سوريا بأعمالها، في إطار الخطة الأمريكية لإعادة دمج دمشق في المحيط العربي مرة أخرى، بالإضافة إلى الأزمة الليبية اللبنانية، والتي بدأت بحرق العلم الليبي، لتنتهي بمقاطعة طرابلس لقمة بيروت.

لماذا لبنان

ويبدو السؤال الذي مازال يبحث عن إجابة مقنعة عن هذا الغياب العربي، فهل لأنها تعقد في لبنان، أم أنه بسبب غياب التكامل الإقتصادي والتنموي بين الدول العربية، أم أن غياب أي أثر إيجابي للقمم الثلاثة السابقة، كان سببا في عدم تشجع الحكام العرب في الذهاب للبنان.

وحسب تحليلات عديدة فإن السبب في عدم الاهتمام العربي بقمة بيروت، يعود لأسباب لبنانية وأخرى عربية، وثالثة إقليمية، أما ما يتعلق بالأسباب اللبنانية الداخلية، فيرى بعض المراقبين للحالة اللبنانية أن الساحة الداخلية تؤكد أن الدولة غير القادرة على تشكيل حكومة حتى الآن لا تقدر بطبيعة الحال على تنظيم قمة عربية ناجحة، إلا إذا اعتبرنا النجاح هو أن يقال إن بيروت، رغم تعطل كل المسارات محليا ورغم كل شيء، استطاعت أن تستضيف قمة عربية بغض النظر عن نتائج هذه القمة، ولذلك فقط اعتبر البعض أن الاشتباك السياسي الداخلي وتصفية الحسابات بين القوى السياسية اللبنانية أديا لإفشال قمة بيروت حتى قبل انعقادها.

ووفقا لأراء متعددة  فإنه بالإضافة لتمزيق العلم الليبي في شوارع بيروت، فإن الحالة اللبنانية تشهد تمزقا متعددا ومتباينا سواء بعلاقة لبنان بالدول العربية، أو في الأزمة اللبنانية الداخلية، فلبنان لم يعد هو البلد الذي يتمتع بعلاقات قوية مع باقي الدول العربية، وبالتالي لم تعد لدى الدول العربية حسابات متعلقة بتأثير العلاقة الإستراتيجية بينها وبين لبنان إذا غابت عن هذه القمة، وهو ما أرجعه المراقبون إلى الحالة التي وصلت إليها لبنان نتيجة سيطرة حزب الله على مقاليد الأمور السياسية والأمنية والعسكرية، ما جعل لبنان محكوما من الضاحية الجنوبية معقل الشيعة ومقر حسن نصر الله وليس من قصر بعلبك مقر الرئاسة والحكم اللبنانيين.

خلاف إقليمي

وانطلاقا من النقطة الأخيرة، فإن المتابعين لتطور الأحداث في لبنان، يرون أن القضية تجاوزت العلاقات الثنائية، إلى الحسابات الإقليمية المعقدة، حيث يعتبر القادة العرب أن ذهابهم لبيروت معناه اعترافا بنجاح إيران التي تسيطر على المشهدين السوري واللبناني، ويعتبر المراقبون أن قيام عناصر من حركة أمل الشيعية التابعة لرئيس البرلمان نبيه بري، بحرق العلم الليبي والخروج بتظاهرات وتحركات في الشارع ضد مشاركة ليبيا بأعمال القمة، كانت سببا هاما في خفض مستوى التمثيل العربي.

ويربط المراقبون بين تصريحات النائب السابق فارس سعيد التي قال فيها إن لبنان تحت الاحتلال الإيراني، وأن طهران نجحت في تدمير القمة العربية في بيروت، وأن فشل القمة هو انتصار لحزب الله، وبين آراء أخرى لمعارضين لحزب الله، والذين اعتبروا أن حلفاء إيران يبعدون لبنان عن الحضن العربي يوميا عبر سياساتهم وعبر تصفية حساباتهم على أرض لبنان، وإفشال قمة بيروت يأتي في هذا السياق، ليؤكد عمق الأزمة وحجم النفوذ الإيراني في البلاد.

وتشير تحليلات أخري إلي أن لبنان تحول لساحة حرب بين المحاور الإقليمية والدولية، مستدلين بزيارة مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل للبنان قبل أيام،ـ وما صاحبها من تصريحات ساخنة من حسن نصر الله ضد الدول الخليجية.

وذهب البعض إلى أن الغياب العربي على مستوي القمة يعتبر تطورا سلبيا تجاه لبنان وما يمكن أن ينطوي عليه من دلالات وتساؤلات حول تداعياته على موقع ومركز لبنان عربيا والموقف من هذا البلد، ووفق جريدة الراي الكويتية التي اعتذر أمير بلادها عن حضور القمة، فإن لبنان تحضر بشكل جدي للقمة وبشكل استثنائي لتقديم أفضل صورة له خصوصا في عهد الرئيس ميشال عون، وقد عكَس خفض الدول لمستوى تمثيلها بعدما كانت قد أكدت الحضور على مستوى القادة خوفا من أن تكون القمة “انتهتْ قبل أن تبدأ” كحدَث استثنائي بالنسبة للبنان”.

وبحسب أوساط سياسية للصحيفة فإن المشهد الباهت الذي سيكون الأحد يرتبط بمسألتين: الأولى ترى أن “اللغم الليبي” الذي رمته الثنائية الشيعية في طريق انعقاد القمة عبر احتجاجات بلغت حد حرق أعلام ليبيا دافعة طرابلس الغرب إلى المقاطعة قسرا أدت إلى إعلان العديد من الدول العربية خفض مستوى تمثيلها تضامنا.

والمسألة الثانية ربطت بعدم الحماسة العربية لمشاركة مرموقة في القمة بوجود مآخذ لدى غالبية الدول المدعوة على الواقع اللبناني واختلال التوازنات فيه لمصلحة إيران و”حزب الله”، ما جعل دولا عربية مؤثرة توجه رسالة من خلال مستوى التمثيل المرسل إلى القمة في لبنان.

محاولة إنقاذ

ويرى المحللون أن لبنان حاولت التقليل من غياب القيادات العربية، بتأكيدها أن مخرجات القمة ملزمة لكل الأطراف سواء حضر القيادات والحكام والرؤساء أم لم يحضروا، بالإضافة لمحاولات الرئيس اللبناني إنعاش القمة بطرحه مبادرة ترتبط باسم بلاده على غرار مبادرة السلام العربية التي طرحتها السعودية في قمة بيروت قبل أكثر من عشر سنوات، وهو التوجه الذي يشير لرغبة المسؤولين اللبنانيين تخفيف الآثار السلبية لعدم حضور القيادات والزعمات العربية، ورغم أن الإعلام اللبناني لم يوضح مدلول هذه المبادرة، إلا أن كل المعلومات تشير إلى أنها متعلقة بإعادة إعمار سوريا، وهو ما تشير إليه تحركات وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل لتضمين البيان الختامي توصيات تتعلق بالعودة الآمنة والكريمة للنازحين السوريين، وعدم ربط تلك العودة بالحل السياسي في سوريا.

ووفقا لكلمة باسيل في اجتماع وزراء الخارجية العرب على هامش اعمال القمة، فإن بلاده تأمل بأن تخرج القمة بقرارات مثل إنشاء شبكة سكة حديد عربية، وخط غاز من لبنان إلى العراق ونفط العراق إلى لبنان، وأن يكون هناك ربط كهربائي، وبمرافئ تجعل المتوسط على حدود العراق والبحر الأحمر على حدود سوريا، وبسدود من لبنان تغذي الأردن وبمعامل من الأردن تغذي لبنان.

ضياع القمتين

وتشير أراء لبعض المتابعين أن فشل قمة بيروت الاقتصادية، جرس إنذار لفشل قمة تونس السياسية التي تعقد بعد أسابيع، ومن بين هذه الأراء ما كتبه طلال سلمان رئيس تحرير صحيفة السفير، الذي أضاف للأسباب السابقة سببا آخر وهو رغبة الولايات المتحدة، في إفشال أي تجمع عربي، حتى ولو كان شكليا، ويرى الصحفي اللبناني أن المنطقة العربية لم تشهد هذه الكثافة في الموفدين الأجانب، الذين يتقدمهم الأميركيون، ممثلين في وزير الخارجية، وبعض كبار المسؤولين، والعديد من أجهزة المخابرات، وهو ما يثير التساؤلات عما يقف وراء هذه الجولات الأمريكية التي شملت العديد من العواصم العربية، والتي كان من نتائجها ما جاء على لسان نتنياهو علنا عن عبثية استمرار حالة الحرب مع العدو الإسرائيلي، وضرورة البحث عن سياسات عملية ترتكز إلى السلام وليس إلى العداء.

ويرى سلمان أن ما سبق كان كفيلا بأن يحل لغز هذه الزيارات، كما كان كفيلا بأن يحول دفة العداء مع إسرائيل في اتجاه آخر، وهو ما عبر عنه مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون السياسية ديفيد هيل، مع المسؤولين في لبنان، عندما تحدث عن مسألة “الوضع المتوتر” في الجنوب نتيجة الإنفاق التي كشفها العدو الإسرائيلي عند خط الحدود، مشيراً إلى أن العديد من المسؤولين العرب يشاركونه “هذا القلق..”

وحسب نفس الرأي فإن كل قمة عربية، أصبحت تتطلب جهوداً استثنائية لإتمام عقدها، وجهوداً إضافية للاتفاق على البيان الختامي والقرارات التي لا تنفذ، والتي يأتي كلها من غير مضمون، أو بمضمون ناقص أو مشوه أو مخادع للجمهور العربي، الذي لم يعد يأبه لانعقاد مثل هذه القمم، بل يتخوف منها على وطنه، خاصة وأن كل قمة تُنزِل العرب عميقاً إلى تحت، فتُغطي هزيمة أو تنازلات سابقة، أو هزيمة وتنازلات لاحقة.