العدسة – معتز أشرف

على خطى الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات يمضي الديكتاتور المصري عبد الفتاح السيسي في توسيع سياسة الاعتقالات لتشمل في الفترة الأخيرة جميع الألوان السياسية، بحيث تجاوزت سياسة القمع ضد الإسلاميين والإخوان المسلمين خاصة، ووصلت إلى اليسار والليبراليين ويمين الوسط، بحيث باتت السجون من كل لون في صعود لمنهجية السادات في سبتمبر الأسود عام 1981 الذي شملت اعتقالاته في هذا الوقت 1536 شخصية من السياسيين المعارضين، وهو ما نتوقف عند مؤشراته!

ألوان جديدة

شهدت الأيام الأخيرة وتيرة جديدة من الاعتقالات وقرارات الاحتجاز في مصر بجانب الاعتقالات المعتادة في صفوف جماعة الإخوان المسلمين التي تقدرها الجماعة بخمسين ألف معتقل؛ حيث استهدفت السلطات الأمينة ألوانًا سياسية جديدة من نشطاء حراك 30 يونيو 2013 خاصة من التيار اليساري والليبرالي الذين شاركوا في ثورة 25 يناير ودعموا السيسي في بداياته، حيث قررت نيابة أمن الدولة برئاسة المستشار خالد ضياء حبس شادي الغزالي حرب 15 يومًا على ذمة التحقيقات، في القضية رقم 621 لسنة 2018 حصر أمن دولة عليا، المتهم فيها بنشر أخبار كاذبة من شأنها التأثير على الأمن القومي للبلاد، والانضمام لجماعة أسست خلافًا لأحكام القانون والدستور، مع متهمين من نفس قوى الحراك أبرزهم الحقوقية أمل فتحي، المدير التنفيذي للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، وشادي أبوزيد معدّ برنامج أبلة فاهيتا السابق، بالإضافة إلى الناشط السياسي شريف الروبي، ومحمد أوكسجين؛ عضوي حركة 6 أبريل..
ولم تهدأ هذه الموجة حتي فؤجئ الرأي العام باعتقال الناشط الاشتراكي هيثم محمدين، وقرار من نيابة أمن الدولة بحبسه 15 يومًا على ذمة التحقيقات في القضية 718 لسنة 2018 حصر أمن دولة، المعروفة “بأحداث الاعتراض على تذاكر مترو الأنفاق”.
لقي هؤلاء جميعًا نفس الاتهامات التي وجهت لجماعات رفض الانقلاب ومنها جماعة الإخوان المسلمين التي تصدرت هجوم نشطاء 30 يونيو في العام 2013، حيث تستند النيابة للمتهم الاشتراك مع جماعة إرهابية لتعطيل العمل باللوائح مع العلم بأغراضها، وتكدير السلم الاجتماعي، والاشتراك والتحريض على تظاهرة، وتعطيل مصالح المواطنين.
وسبقت هذه الاعتقالات موجة استهدفت أبرز المنشقين عن الإخوان والذين شاركوا في حراك 30 يونيو، حيث جرى توقيف الدكتورعبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية وتجديد حبسه بذات التهم، بالإضافة إلى نشر وإذاعة أخبار كاذبة من شأنها الإضرار بالمصالح القومية للبلاد، وتولي قيادة بجماعة أنشئت على خلاف أحكام القانون، الغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها والاعتداء على الحرية الشخصيةِ للمواطنين والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، وشرعية الخروج على الحاكم، وتغيير نظام الحكم بالقوة، والإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر.
الاعتقال استهدف محمد القصاص، القيادي البارز في حزب مصر القوية وأبرز المعارضين للإخوان والقيادي السابق في ائتلاف شباب ثورة يناير، وقرر المستشار خالد ضياء، المحامى العام لنيابات أمن الدولة العليا، حبسه على خلفية اتهامات بتورطه مع جماعة الإخوان فى تنفيذ عمليات إرهابية وفق النيابة التي وجهت له تهمة الانضمام لتنظيم الإخوان الإرهابى والتحريض ضد مؤسسات الدولة، وعقد لقاءات تنظيمية مع عناصر الحراك المسلح التابعين لجماعة الإخوان الإرهابية لتنفيذ عمليات بالتزامن مع انتخابات رئاسة الجمهورية!

دائرة تتسع!

العسكريون الذين كانوا بمنأى عن الاعتقالات طالتهم يد السيسي الباطشة قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية، فاعتقل الفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق والقائد الأعلى للسيسي نفسه في وقت سابق، وجرته إلى التحقيق العسكري، وقال بيان للجيش إن عنان سيتم التحقيق معه لارتكابه جريمة التزوير في المحررات الرسمية بما يفيد إنهاء خدمته بالقوات المسلحة، محملًا بيان عنان بالترشح لانتخابات الرئاسة بالتحريض ضد الجيش، فيما قضت محكمة عسكرية في مصر بالسجن لفترات متفاوتة على 26 ضابطًا بالجيش برتب مختلفة بعد إدانتهم بتهم شملت التخطيط لانقلاب عسكري في 2015، ومن بين المحكوم عليهم أربعة ضباط متقاعدون برتبة عقيد، حسبما قالت مصادر عسكرية لبي بي سي.
وطالت الاعتقالات جهاز الشرطة كذلك؛ حيث أوقفت السلطات الأمنية مطلع العام الجاري العميد محمود قطري، ضابط الشرطة السابق وأبرز المتحدثين عن الإصلاح الشرطي قبيل ثورة 25 يناير على خلفية مداخلات فضائية له صنفت أنها تناهض النظام، بالتزامن مع حملة اعتقالات ضربت تحركًا غاضبًا لأمناء الشرطة في مصر للمطالبة بحقوقهم، ليصدر في أبريل الماضي حكم قاسي من محكمة جنايات القاهرة، المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة بطرة، برئاسة المستشار حسن فريد، بالسجن 3 سنوات لقائد الحراك منصور أبو جبل و10 آخرين والسجن 5 سنوات لمتهمين، فى اتهامهم بالتحريض على جهة عملهم بالمخالفة للقانون، وتحريض المواطنين ضد وزارة الداخلية.
القضاة كذلك ذاقوا مرارة الاعتقالات بأمر السيسي، أبرزها طالت المستشار هشام جنينة سكرتير عام نادي قضاة مصر الأسبق والرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، ليجد نفسه مدانًا بخمس سنوات، وذلك بتهمة ترويجه معلومات خاطئة عن القوات المسلحة في تصريحات صحفية، وسبقه المستشار حسن النجار رئيس محكمة الاستئناف السابق ورئيس نادي قضاة الشرقية الأسبق، الذي كان أول قاضٍ من أعضاء تيار استقلال القضاء، يحصل على حكم بالحبس 4 سنوات والغرامة في أبريل 2015.
الصحفيون والإعلاميون طالتهم الاعتقالات بصورة غير مسبوقة منذ وصول السيسي لسُدّة الحكم، وفي الفترة الأخيرة علي وجه التجديد، وبحسب المرصد العربي لحرية الإعلام تصاعدت وتيرة قمع حرية الصحافة في مصر خلال شهر أبريل 2018، وأخذت أشكالًا وأبعادًا جديدة، ويبدو أن جعبة النظام لا يزال بها الكثير من المفاجآت، مع إطلالة الولاية الثانية لرأس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، حيث تعرض 3 رؤساء تحرير منهم رئيس تحرير موقع مصر العربية عادل صبري لتحقيقات في اتهامات نشر أسفرت عن حبس “صبري” وإطلاق سراح الاثنين الآخرين، إضافة إلى التحقيق مع 15 صحفيًا آخر، تم إطلاق عشرة منهم، ولا يزال 5 تحت الحبس الاحتياطي أو الاختفاء.

نزيف مستمر

وبحسب تقرير للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا صدر تحت عنوان “النزيف.. الاعتقال السياسي في جمهورية مصر العربية”، أكدت المنظمة أنه منذ الثالث من يوليو 2013م تشنّ السلطات المصرية حملة اعتقالات واسعة طالت العديد من المعارضين للانقلاب العسكري، حيث شملت الاعتقالات كافة شرائح المجتمع المصري، وهي في تزايد فحملات الاعتقال مستمرة لا تنقطع ولا تتوقف، وامتدت لشرائح مجتمعية مختلفة لم تميز بين القُصّر والبالغين أو الرجال والنساء فوقع الجميع ضحية للاحتجاز التعسفي، ولم يسلم الأطباء الذين اقتصر دورهم على القيام بأدوار إنسانية، خالصة في إسعاف المصابين جراء اعتداء الأمن على الفعاليات المعارضة للسلطة.
وسعيًا من السلطات لوأد الحقيقة ومنع نقل حقيقة ما يجري من انتهاكات جسيمة بحق المواطنين المصريين تم استهداف الصحفيين واعتقال عدد كبير منهم حيث وصل عدد الصحفيين الذين اعتقلوا 166 على الأقل، وتم إغلاق العديد من القنوات الفضائية والصحف دون مبرر قانونى، وإهدارًا لحق المعتقلين فى محاكمات عادلة وتحقيقات نزيهة تم اعتقال عدد كبير من المحامين الذين تولوا الدفاع عن المعتقلين على ذمة قضايا معارضة السلطات، وذلك لإرهابهم ومنعهم من القيام بواجبهم بالدفاع عن موكليهم بشكل مستقل ليصل عدد المحامين المعتقلين والملاحقين أمنيًا إلى 234 محاميًا على الأقل.
منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية أكدت تعليقًا على حملات القمع الممنهج قبيل الانتخابات الرئاسية أن “القمع الشديد واستخدام تهم متصلة بالإرهاب ضد النشطاء السلميين يشكل تجسيدًا لاستراتيجية الحكومة لإسكات المنتقدين”، وقالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة إنّ “اعتقال شخصيات بارزة، على ما يبدو لنشاطها السلمي، لا يقوض سيادة القانون فحسب، بل يمكنه أيضًا أن يزيد من عدم الاستقرار، الذي تستخدمه الحكومة المصرية لتبرير مزيد من القمع” فهل تعود أجواء سبتمبر 1981 التي اغتيل بعدها الرئيس المصري أنور السادات في ظل كافة المؤشرات التي تتحدث عن عدم استقرار؟!