العدسة – معتز أشرف:

أخي المواطن المصري القاطن في أي مكان من القاهرة إلى أسوان.. هذا نداء مهم: لا تأكل “الكحك” إلا بعد تحرٍّ، فقد يكون فيه سم قاتل، خاصة مع انتشار شحنات الدقيق المسرطن التي دخلت مصر خلال الفترة الماضية القريبة، وفي ظل إعلان الجهات الرسمية في السنوات الأخيرة عن “ضبط كميات من الكعك الفاسد غير الصالح للاستهلاك الآدمى”، دون أن توضح، بالتزامن مع دخول الحكومة على الخط لتوفير الكعك على بطاقات الدعم، وتقديم تخفيضات عليه في المجمعات في تطور لافت.

ولهذا النداء أصل نرصد ملامحه وندق ناقوس الخطر.

شحنات “المسرطن”

واصلت حكومة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الإهمال في أخطر ملفات المصريين، وهو ملف القمح المستورد، حيث عاودت الحكومة السماح باستيراده في نهايات عام 2017 حتى لو احتوى نسبة من الفطريات القاتلة وفي مقدمتها فطر «الإرجوت» شديد الخطورة على صحة الإنسان، والمسبب لمرض السرطان.

وبحسب تقارير إعلامية محلية في مصر، أصدر الدكتور عبدالمنعم البنا، وزير الزراعة، في 12 ديسمبر 2017، قرارًا يؤكد مجددًا الموافقة على واردات القمح التي تحتوي على نسبة لا تزيد على 0.05% من فطر الإرجوت الشائع في الحبوب والمسبب للسرطان، وجاء في نص القرار الذي يحمل عنوان «قرار وزاري رقم 1761 لسنة 2017»، أن أية شحنات من القمح تحتوي على فطر الإرجوت بأعلى من تلك النسبة سيتم رفضها، لكن الشحنات التي تحتوي على نسبة أقل من ذلك سيجري معالجتها وقبولها.

ووافقت الحكومة على دخول المحصول المصاب بالفطر، وفقًا للمواصفات المصرية التي تم تعديلها لتناسب قرار رئيس الوزراء من صفر إرجوت إلى 0.05%، على الرغم من تقرير اللجنة العلمية التى شكلتها النيابة العامة في عام 2016، الذي حذر من استيراد تلك الشحنات.

وفجر الدكتور سعد موسى، رئيس الإدارة المركزية للحجر الزراعي الفضيحة قبل أن يقيله وزير الزراعة واستصلاح الأراضي السابق، الدكتور عصام فايد، في شهر فبراير 2016، على خلفية مخالفة الأخير قرارات إدارة الحجر الزراعي 3007 لسنة 2001، بإدخال شحنات قمح مصابة بفطر الإرجوت المسبب للسرطان، بعدما رضخ لقرارات وزيري التموين والتجارة والصناعة الداخلية.

الأزمة وصلت إلى النيابة العامة وتقدم وقتها فريد واصل “النقيب العام للفلاحين” ببلاغ للنائب العام، للتحقيق في صفقة استيراد شحنة قمح من فرنسا محمل بفطر “الإرجوت” تزن 2300 طن لصالح “شركة روجينا” للصناعات الغذائية، كما تقدمت نادية هنري “عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب”، بطلب إحاطة لوزراء التموين والزراعة والصحة، وكل الأشخاص الذين كانوا سببًا وراء دخول صفقة القمح المحملة “بفطر الإرجوت” مسبب السرطان.

 “الكحك الفاسد”!

منصات إعلامية محسوبة على النظام المصري استخدمت عقب دخول القمح المسرطن إلى مصر في العام 2016، عبارة “الكحك الفاسد” ضمن حملات الأجهزة الرقابية لملاحقة الأسواق قبيل عيد الفطر، ومنها حملة في يونيو 2017، حيث نظمت الإدارة العامة لمباحث التموين والتجارة، برئاسة اللواء ياسر صابر، حملة لمصانع المواد الغذائية والحلويات، وأسفرت الحملات عن ضبط كميات كبيرة من الكعك والبسكويت بلغت طنًّا و841 كيلو سلعة غذائية (بسكوت، كعك العيد، بيتى فور) كمنتج نهائي، و3 أطنان و276 طنًّا سلعًا غذائية تحت الإنتاج، و813 كيلو هوالك (كسر بسكويت، كسر كعك، بواقى عجوة).

ورصدت صحف حكومية مصرية، منذ عام 2015، غزو ما أسموه “كعك العيد الفاسد” للأسواق دون إشارة إلى شحنات القمح المسرطن، أو نفي لاستخدامها في الكعك الفاسد، مشيرة إلى إعدام وزارة الصحة أطنانًا من كعك العيد غير الصالح للاستهلاك الآدمي، وإيقاف تشغيل العديد من المنشآت الغذائية غير الملتزمة بالمعايير الصحية السليمة.

نسب استخدام القمح المسرطن تبدو عالية، ووفق عطية حماد، رئيس شعبة المخابز، كشف عن أن “هناك بعض منعدمي الضمير يسعون للغش في صناعة الكعك باستخدام دقيق ليس فاخرًا وربما منتهي الصلاحية، وبه شوائب وحشرات، وبواقي سكر ضارة بالصحة، ومكسبات طعم ورائحة منتهية الصلاحية، وكذلك مواد حشو رديئة، وزيوت صناعية لا تصلح لصناعة الكعك، من أجل تقليل تكلفة الإنتاج وجنى المزيد من الأرباح، وبعضهم يقوم بعرض ما صنعه من كعك خلال العام الماضي، ويتلاعب ببيانات المنتج من تاريخ الإنتاج والصلاحية، دون مراعاة خطورة ذلك على صحة المواطن».

وفي تقرير موثق كشف وجود قمح ودقيق مسرطن داخل شركة مطاحن جنوب القاهرة، قال محمود يوسف عضو مجلس إدارة رئيس الشركة، في الفيديو الذي عرض ببرنامج «العاشرة مساء»، المذاع على فضائية «دريم» في يناير 2016، إن الواقعة: تم اكتشاف اختفاء 1200 طن من مخازن الشركة بمنطقة الهرم، والتي تقدر بسعر 4 ملايين جنيه، وأوضح أن مسؤولي المخزن عندما استشعروا قيام مجلس إدارة الشركة بإجراء جرد للمخزن قاموا بإدخال ما يقرب من 500 طن فاسد ومسرطن للتستر على جريمتهم، ولفت إلى أنه أجرى اتصالًا هاتفيًّا بوزير التموين الذي أصدر توجيهاته لمباحث التموين، والتي قامت بفحص المخزن، وتحفظت على 600 طن من الدقيق المسرطن، وهو ما يفتح الحديث عن تسرب دقيق مسرطن إلى مواقع تصنيع الكعك ولوازم حلوى العيد.

 شبح السرطان

وبحسب أرقام شبه رسمية، فإن نسب الإصابة بالسرطان في مصر، بلغت في العام 2015 حوالي 113 حالة جديدة لكل 100 ألف من السكان سنويًّا، من الإصابات الجديدة، طبقًا لإحصاء عام 2011، فيما يبلغ معدل حدوث السرطان في كل أنواعه، هو إصابة حالة جديدة كل 5 دقائق في مصر، ستصل إلى 3 حالات كل 5 دقائق بحلول عام 2050، وبحسب الأرقام الصادرة عن وزارة الصحة المصرية، فإن 75% من مرضى السرطان يعالجون على نفقة الدولة في مصر، بكلفة تزيد عن 900 مليون جنيه لعلاج الأورام، وفي العام 2017 ظهر آخر إحصاء شبه رسمي، مؤكدًا أن نسبة المُصابين في مصر تصل إلى 166,6 من كل 100 ألف حالة سنويًّا، بمعنى أن كل ساعة تظهر حالة سرطان جديدة.

وفي مارس 2018، أكد خبراء بالمؤتمر الدولي الـ23 لمركز القصر العيني لعلاج الأورام، أن معدلات الإصابة بالسرطان في مصر أقل من نظيرتها في الدول العربية، حيث تبلغ هناك 45 حالة من كل 100 ألف نسمة، مقابل 30 حالة لدينا، لكن تلك النسبة تتجه إلى الزيادة بسبب العادات السيئة، مثل أكل الوجبات السريعة والدهون والتدخين.

ويربط كبار أطباء الأورام في مصر بين ارتفاع معدل الإصابة بمرض السرطان، وبين دخول كميات كبيرة من المبيدات المسرطنة مصر على مدى العشرين سنة الماضية، وهي المبيدات المحظورة، والتي قام بإدخالها يوسف والي وزير الزراعة الأسبق، ومن أخطر المبيدات المهربة والمغشوشة التي دخلت مصر مؤخرًا “كابيتان 50%” مسحوق قابل للبلل.. وتوزعه تونس، و”ديدوميل” حبيبات قابلة للانتشار في الماء، و”ددتوبيك” مبيد حشائش، و”سيريس 10%” مسحوق قابل للبلل، و”ميكال إم 70%” مسحوق قابل للبلل، و”توبسين إم 70%” مبيد فطري جهازي صيني، إضافة إلى أن المبيدات المسرطنة لم تقض على التربة فقط، وإنما تقضي على صحة الإنسان، حيث تصيب الإنسان بأمراض السرطان، وخاصة “سرطان الغدة الدرقية، وسرطان الكبد، والفشل الكلوي، والالتهاب الكلوي.

كما رصد الأطباء وقوف “القمح المسرطن” وراء انتشار السرطان في مصر، مشيرين إلى أن جميع أنواع القمح المستوردة من الخارج في ظل نظام الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك منتهية الصلاحية، ومصابة بالفطريات بنسبة كبيرة، ومنها فطر “أفلاتكسن” الذي يسبب السرطان على المدى البعيد، وشاركه في عام 2016 فطر الإريجوت.