أحمد حسين
مجددا تغرد الكويت خارج السرب الإماراتي، ليتعمق الجرح الخليجي النازف بسبب الأزمة مع قطر، لكن أبعاد المشكلة هذه المرة تخطت حدود الخليج العربي.
من قلب العاصمة السورية دمشق، اندلع حريق جديد في سياق الأزمة الخليجية، عندما أعلنت الإمارات إعادة العمل في سفارتها بدمشق، ما يعني عمليا التصالح مع نظام بشار الأسد.
البحرين اتخذت موقفا مماثلا، والسعودية تقترب من النهج ذاته، ولا يخفى على أحد طبيعة العلاقات بين مصر والأسد، إلا أن الكويت كان لها رأي آخر اصطدم بقوة بمعسكر دول حصار قطر.
الكويت تغرد منفردة
نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجارالله، أعلن الإثنين، أنه لا عودة لعمل سفارة بلاده في دمشق إلا بعد قرار من الجامعة العربية.
وأعرب المسؤول عن أسف الكويت واستنكارها “للافتراءات الواردة في القائمة التي أصدرها النظام السوري لتمويل الإرهاب” وضمت 30 كويتيا، أبرزهم الجارالله ذاته إضافة إلى وزير الأوقاف والعدل الكويتي الأسبق نايف العجمي، والنائبين الحاليين محمد هايف المطيري ونايف المرداس العجمي، ونائبين أسقطت المحكمة الدستورية الكويتية عضويتهما وهما وليد الطبطبائي وجمعان الحربش.
وضمت القائمة كذلك نوابا سابقين ودعاة إسلاميين تصدروا المشهد في الكويت وقادوا حملات تبرعات للثورة السورية.
وفي 27 ديسمبر الماضي، أعادت دولة الإمارات فتح سفارتها في العاصمة السورية دمشق، بعد إغلاق دام 7 سنوات، فيما أعلنت البحرين بعدها بيوم واحد استمرار العمل في سفارتها لدى سوريا، واستمرار الرحلات الجوية بين البلدين.
تقارير إعلامية نقلت عن دبلوماسيين سعوديين إن السعودية أبلغت بعض عواصم الدول العربية إنه لا مانع لديها من عودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية.
ورأى محللون أن الرياض سترحب بالتعاون مع الجانب السوري والمشاركة في إعادة الإعمار؛ حال تحقق بعض الاشتراطات على أرض الواقع.
مصر الضلع الرابع في دول الحصار مواقفها المعلنة تعبر عن علاقات أوثق مع نظام الأسد، ولا أدل على ذلك من الزيارة العلنية التي قام بها علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني السوري إلى القاهرة قبل أيام، ولقاء رئيس جهاز المخابرات العامة المصري عباس كامل ومسؤولين أمنيين رفيعي المستوى.
في السياق ذاته تسارعت الأحداث التي تصب في خانة عودة سوريا إلى الجامعة العربية، مثل زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق ولقائه الأسد، والإعلان عن زيارة مرتقبة للرئيسين العراقي والموريتاني، وكذلك عودة الدفء للعلاقات الأردنية السورية بتصريحات متفائلة عن مستقبلها.
كما دعا البرلمان العربي، في وقت سابق من ديسمبر الماضي، إلى استعادة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية. ووصف الأمين العام للجامعة، أحمد أبو الغيط، قرار تعليق عضوية سوريا بـأنه كان “متسرعا”.
2019 لا يبشر بجديد
وبهذا يبدو أن الكويت أبت أن يمر 2018 إلا وتلقي بحجر جديد في مياه الأزمة الخليجية، بعد أيام فقط من التصريحات التي جاءت على لسان وزير خارجيتها الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، بمناسبة اليوم الوطني في قطر.
الصباح الذي هنأ أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بهذ المناصبة، وصف علاقة البلدين بـ”القوية والمتينة”، مشيرا إلى أنهما سيفرحان معا في استضافة الدوحة لمونديال 2022.
وأشاد الوزير بالإنجازات التي حققتها قطر و”الطفرات الكبيرة التي حققتها في البنى التحتية وصولا إلى عام 2022 لنفرح سويا في إقامة أكبر حدث في المنطقة وهو كأس العالم”.
التطورات السابقة على تلك المواقف تبشر بأن 2019 لن تكون مختلفة عن سابقتها فيما يخص الأزمة، بل تكون مرشحة لأن تشهد دخول الكويت بشكل أكثر حدة إلى صف قطر، رغم أنها تلعب دور الوسيط لإنهاء الأزمة.
في أوائل ديسمبر الماضي أذاعت فضائية الجزيرة حلقة وثائقية جديدة من برنامج “ما خفي أعظم”، كشفت فيه تفاصيل عملية غزو عسكري لدولة قطر بدعم مباشر من الإمارات والسعودية والبحرين عام 1996، بلقاء حصري مع “بول باريل” الذي قالت إنه قاد العملية ويتحدث لأول مرة عن هذا الملف.
وفي سبتمبر، قال الجبير بلهجة حادة، إن بلاده لا تريد أن يكون لها أي تعامل مع قطر التي تدعم الإرهاب منذ التسعينيات، على حد قوله.
وخلال ندوة نظمها مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن، رد على سؤال بشأن ما وصفه صحفي بتوتر العلاقات مع الدوحة، قائلا: “هو ليس توتر علاقات، نحن لا نريد أن يكون لنا أي تعامل معهم”.
مع السعودية مواجهات أخرى
وعلى مدار الأشهر الماضية، تسببت تصريحات متبادلة بين مسؤولي السعودية والكويت في نشوب أزمات دبلوماسية كادت أن تتطور، لولا أن الطرفان التزما الهدوء وسيطرا على الوضع، حتى الآن.
ففي مارس الماضي أطلق نائب رئيس الوزراء، وزير الدفاع الكويتي، ناصر صباح الأحمد الصباح تصريحات قال فيها إن “التعاون مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية ضروري باعتبارها جارا ذا حضارة عريقة”.
وأصرّ الوزير على إقحام السعودية في الأمر عند الحديث عن الإجراءات التي يقودها ولي العهد بكلمات تضمنت اتهامات ضمنية لابن سلمان بالانفراد بالقرار والديكتاتورية، حيث قال: “لدي احترام وتقدير كبيرين لصاحب السمو الأمير محمد بن سلمان لكننا نختلف تماما.. نحن دولة لها دستور والطريقة التي تتعامل فيها بالنظام الدستوري والبرلمان أصعب بكثير من اتخاذ قرار من قبل الحكومة وتفعل ما تشاء فرديا دون الرجوع للبرلمان”.
اللافت أن تلك الأزمة جاءت بعد أقل من شهرين على أزمة أخرى كادت تتطور دبلوماسيا بسبب تغريدة للمستشار في الديوان الملكي السعودي ورئيس هيئة الشباب والرياضة السابق ورئيس هيئة الترفيه حاليا “تركي آل الشيخ”، اتهم فيها وزير التجارة والصناعة والدولة للشباب الكويتي خالد الروضان بـ”المرتزق” بعد أن عبر الوزير الكويتي عن تقديره لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لما قدمه من أجل رفع الإيقاف عن الرياضة الكويتية خلال زيارة رسمية قاد فيها وفدا كويتيا إلى الدوحة.
وقبل عام من الآن زار وزير الدفاع الكويتي الدوحة والتقى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بعد أيام من استقبال الكويت نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة لشؤون الدفاع القطري خالد بن محمد العطية على رأس وفد رفيع.
وفي نوفمبر، افتتح رئيس أركان القوات المسلحة القطرية، الفريق الركن طيار غانم بن شاهين الغانم، ملحقية عسكرية لبلاده في الكويت.
وفي أواخر أكتوبر، نشر حساب “العهد الجديد” على تويتر، ما قال إنها تفاصيل ما جرى بين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد خلال زيارة الأخير إلى الرياض، منتصف الشهر ذاته لبحث تداعيات الأزمة الخليجية.
وقال الحساب الذي يعرف نفسه بأنه قريب من مراكز صنع القرار في السعودية، إن أمير الكويت “شعر بأنه لا يوجد حل للأزمة المتواصلة منذ شهور، وأن الدور قادم على الكويت”.
الملك سلمان اتهم الكويت صراحة بعدم الحياد وبأنها تتخذ موقفًا محابيًا لقطر، رغم أنها تقود جهود الوساطة بين رباعي الحصار وقطر منذ اندلاع الأزمة في يونيو الماضي، وبحسب التغريدات، قال الملك للأمير: إحنا نعرف موقفكم مع قطر وليس محايد، فرد عليه: يا طويل العمر، ما شفت كلمتي في المؤتمر الصحفي مع ترامب، قال: شفتها، وهي مع قطر.
وأشار حساب “العهد الجديد” إلى أنه عقب محادثاتهما، جلس أمير الكويت على مأدبة الغداء وهو ضيق الصدر ولم يأكل، ليوصل إلى السعوديين رسالة احتجاج.
وفي هذا السياق لا يمكن نسيان الأزمة التي سببتها تصريحات أمير الكويت، بنجاح بلاده في منع عمل عسكري ضد قطر من جانب دول الحصار.
اضف تعليقا