العدسة – أحمد عبد العزيز

يجلس اللبنانيون في منازلهم الآن، في انتظار سماع ما سيقوله رئيس الوزراء سعد الحريري، ليجيب لهم على مئات الأسئلة التي تدور بخلد سكان بيروت، حول حقيقية ما حدث خلال الأيام الماضية، والذي شكل أزمة غريبة الأطوار لم تشهد لبنان مثلها، بالرغم من تاريخها الطويل المليء بالتقلبات السياسية.

فبعدما طار الرجل قبل أسبوعين، وبشكل مفاجئ إلى الرياض بناء على طلب من ولي العهد محمد بن سلمان، فجئ اللبنانيون بالحريري يظهر على شاشات التليفزيون السعودي، ويعلن من الرياض تقديم استقالته من منصبه، اعتراضا على ممارسات حزب الله المدعوم من قبل إيران.

ومن فرط غرابة الموقف، رفض الرئيس اللبناني ميشيل عون قبول الاستقالة مشترطا أن يتسلمها من الحريري بشكل شخصي حتى يناقشه فيها، وبعد أيام، اعتبر “عون” أن السلطات السعودية تضع الحريري تحت الإقامة، وأن تقديمه لاستقالته كان “جبرا” وليس اختيارا.

“ميشال عون” و “سعد الحريري”

الأزمة انتهت –تقريبا- بوساطة فرنسية من الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي دعا الحريري إلى زيارة باريس، حيث توجه الحريري وأسرته إلى العاصمة الفرنسية، ومن ثم إلى القاهرة ثم إلى قبرص، وأخيرا عاد صباح الأربعاء 22 فبراير 2017 إلى بلده لبنان، وسط احتفالات من قبل أنصار تيار المستقبل.

الأسئلة الحائرة

وهنا ترى “بي بي سي” في تقرير لها، أن على الحريري أن يجيب على الأسئلة الشائكة التي ظلت عالقة في أذهان اللبنانيين طوال أيام دون إجابات واضحة.

أول هذه الأسئلة: لماذا أقدم الحريري على تقديم استقالته بهذا الشكل المفاجئ أثناء وجوده في الرياض وليس في العاصمة بيروت؟

وهو السؤال الأخطر الذي قد تفسر الإجابة عليه باقي خيوط الأزمة.

فهل كان الحريري مجبرا على تقديم استقالته؟ ولماذا رضخ إلى هذه الضغوط؟ وهل كانت السلطات السعودية لها أهداف أخرى غير الضغط على إيران وحزب الله من وراء هذه الاستقالة؟ وهل تعرض للإهانة حتى يستجيب لتقديم الاستقالة؟ وهل حقا كان تحت الإقامة الجبرية في الرياض طوال هذه الفترة؟ وهل ينوي بالفعل التمسك بالاستقالة، أم أنه سيستجيب بالفعل- كما قال- لرغبة ميشيل عون في التريث قبل تقديمها بهدف رأب الصدع، وفتح مجال للحوار والبحث عن مناطق للحوار؟

“بي بي سي” ترى أن خروج الحريري من الرياض، جاء نتيجة الضغوط الكبيرة التي تعرضت لها المملكة العربية السعودية، بعد الخطوة المتهورة التي قام بها محمد بن سلمان، والتي كادت أن تضع السعودية في أزمة دولية كبرى هي في غنى عنها، خاصة بعدما أعلن “عون” أنه ينوي شكوى الرياض إلى مجلس الأمن بدعوى قيامها باحتجاز رئيس الوزراء اللبناني.

بل إن السعودية لم تستجب فقط للضغوط، بل يبدو أنها كذلك عرفت حجم خطئها الفادح من وراء الإقدام على هذه الخطوة، ما دفعها حاليا للبحث عن حلول مناسبة للأزمة، وتسوية الخلافات وإنهاء الموقف بأقل خسائر ممكنة.

” محمد بن سلمان “

 الحريري يتراجع

من جانبه، أظهر سعد الحريري ميلا كبيرا للتراجع عن الاستقالة، بعدما قال فور وصوله إلى بيروت، إنه عرض استقالته على رئيس الجمهورية ميشيل عون، الذي طلب منه التريث لمزيد من التشاور في أسبابها وخلفياتها السياسية.

سهولة وسرعة تراجع الحريري عن الاستقالة تكشف أنه لم يقدمها عن اقتناع، وتؤكد كل ما أثير أثناء وجوده في السعودية، عن أنه أجبر على تقديمها، وأنه كان تحت الإقامة الجبرية بالفعل وليس حرا في قراره.

وأضاف الحريري في كلمة متلفزة “لقد أبديت تجاوبي مع هذا التمني وآمل أن يشكل ذلك مدخلا جديا لحوار مسؤول يجدد التمسك باتفاق الطائف ومنطلقات الوفاق الوطني”، معربا عن استعداده للتعاون مع كل الأطراف لإعادة بناء الدولة.

خطاب الحريري داخل لبنان، يختلف بشكل كبير وجذري عن خطابه داخل الرياض، سواء في الاستقالة التي تقدم بها من هناك، أو خطابه في الحلقة التي ظهر فيها من الرياض مع تليفزيون المستقبل، حيث كان أكثر حدة في اتهام الآخرين بتوريط لبنان في مستنقع الأزمات والهجوم على الكل، وهو ما يكشف أن السلطات السعودية كانت تملي عليه وجهة نظرها للمواقف داخل الأراضي اللبنانية.

ونقلت “بي بي سي” عن خبير القانون الدستوري اللبناني “إدمون رزق”، قوله إن الدستور يلزم الرئيس ميشيل عون بقبول استقالة رئيس الوزراء، مهما كانت طريقة تقديمها، وهو ما يعني أنه كان من المفترض أن تصبح الحكومة مستقيلة بعد استقالة الحريري التي أعلنت من الرياض.

ويضيف “رزق” أنه كان على رئيس الجمهورية الدخول في مشاورات لاختيار رئيس وزراء جديد لتشكيل حكومة جديدة، لافتا إلى أنه لو أصر الحريري على استقالته سيكون أمام “عون” خياران، إما إعادة تكليفه برئاسة الوزراء، أو اختيار شخصية سنية بارزة لتشكيل حكومة جديدة.