الجمعة 10 يونيو/حزيران 2022 أصدرت محكمة ساوثوارك كراون حكماً مع وقف التنفيذ على حارسين سابقين في السفارة الإماراتية لدى المملكة المتحدة لاتهامهما بسرقة وثائق سرية وأموال ومستندات من خزائن المبنى الدبلوماسي، وبالرغم من خطورة الحادثه إلا أن الحكم جاء مخففاً.
القضية أُثيرت علناً في وسائل الإعلام البريطانية في النصف الأول من العام الجاري، حين نشرت صحيفة التايمز البريطانية اعترافات دين مانيستر -51 عامًا، عمل كرئيس للأمن في السفارة الإماراتية منذ عام 2015، وشريكه لي هورفورد -49 عامًا، الضابط السابق في مشاة البحرية الملكية البريطانية، وعمل كحارس شخصي للسفير الاماراتي السابق في بريطانيا سليمان المزروعي، قبل أن يتم فصله بعد اكتشاف جريمته.
خلفية
النيابة العامة وجهت لمانيستر وهورفورد، تهم سرقة أموال ووثائق سرية من خزائن السفارة، بالإضافة إلى التخطيط لابتزاز “مسؤولين كبار” بالسفارة مقابل الحصول على ثلاثة ملايين جنيه إسترليني، لكن القضاء قرر استكمال المحاكمة بعد إسقاط تهمة الابتزاز التي نفاها المتهمان، فيما قال المدعي تايرون سيلكوت أمام المحكمة، إن مانيستر لم يشارك شخصيا في السرقات، لكنه استخدم المعلومات والتفاصيل الأمنية التي حصل عليها بصفته رئيسا للأمن لمساعدة هوفورد في تنفيذ لجريمة، أي أنه كان العقل المدبر والمحرض الرئيسي.
أمضى مانيستر، من مدينة كولشيستر في مقطعة إسيكس، سبعة أعوام بمنصب رئيس الأمن بمركز للنقد تابع لبنك إنجلترا، وعمل مساعدا لنائب رئيس الأمن بـ” JPMorgan Chase “، البنك الاستثماري والشركة القابضة للخدمات المالية، كما انضم إلى شركة الأمن “FSI” بمنصب مستشار عام 2019 بعد 15 شهرا من عمله بسفارة دولة الإمارات.
بحسب ما جاء في جلسات المحاكمة، فإن المسروقات تحتوي على وثائق وخطط تمس الأمن في بريطانيا ومظاريف مكتوب عليها “أموال جناح أغسطس لكبار الشخصيات”، ومظروف يحتوي على أوراق مكتوب عليها “سمو الشيخ محمد الشرقي”.
كما جاء في اعترافات هورفورد أنه سرق “أوراق عمل” تخص شخص يُدعى “كيث روبرت تشارلز”، وبطاقة هوية تخص شخص يُدعى “عبد العظيم محمد”، لكن لم يتم الإفصاح عن علاقة الرجلين بالسفارة.
قام رئيس الأمن (مانيستر ) بتركيب خزائن جديدة قبل فترة وجيزة من استقالته في أغسطس/آب 2018، بعد خضوعه لتحقيق في سوء السلوك، وقام بالترتيب لهورفورد للعمل في نوبة الأمن الليلية في 14 سبتمبر/أيلول من ذلك العام، وبسبب عطلة رأس السنة الهجرية، لم يتواجد سوى هورفورد داخل مبنى السفارة المبنى، حينها تمكن من فتح خزنتين، كما دخل مكتب السفير، لكن لم يأخذ شيئاً من مكتبه.
اعترافات هورفورد لم تقتصر فقط على سرد تفاصيل الجريمة ومحتويات الخزائن التي سرقها، لكنه تحدث بشكل مستفيض عن الدور الذي كانت تقوم به دولة الإمارات العربية المتحدة -عبر سفارتها- من أجل “تضليل” الرأي العام البريطاني فيما يتعلق الشؤون الدولية المهمة، وذلك عبر “التأثير” على عدد من الوزراء البريطانيين من أجل تشويه خصوم الإمارات.
وبحسب ملف الدعوى، فإن بعض السياسيين المحافظين الذي اشترتهم الدولة الخليجية هم: بن والاس وجافين ويليامسون- وزيرا الدفاع الحالي، وليو دوشيرتي- وزير المحاربين القدامى، وأليستير بيرت- الوزير السابق لشؤون الشرق الأوسط.
واعترف هورفورد أيضاً أنه اطلع شخصياً على “جهود لتشويه سمعة قناة الجزيرة”، كما تحدث عن محاولات الإمارات لإخفاء تمويلها لمسجد في غرب لندن، وأن الإمارات كانت تحاول “تقويض حملة الحرية للأميرة لطيفة” وأنه تلقى “تعليمات بمراقبة الاحتجاجات التي تمت من قبل اعضاء هذه المبادرة خارج السفارة”.
كما اعترف أن الإمارات قامت بالدفع لشركة من أجل مراقبة جيريمي كوربين، زعيم المعارضة آنذاك، وقد جاء تجسس الإمارات على كوربين، بالتزامن مع حملة شرسة شنها ضده اللوبي الصهيوني.
بعد عدة جلسات، حكم القاضي مارتن غريفيث بالسجن لمدة 21 شهرًا وعلى مانيستر بالسجن لمدة عامين، مع تعليق عقوبة السجن لمدة عامين، وأخبر المتهمين أنه يجب عليهم أداء 200 ساعة من العمل غير مدفوع الأجر.
القاضي اعتبر أن مانيستر يتحمل المسؤولية الأكبر لأنه “مكن السيد هورفورد من التواجد في الغرف وزوده بمفاتيح الخزائن، مما مكنه من تجاوز الرمز السري.”
خيبة أمل
الحكم جاء مخففا مما تتسبب بخيبة أمل لدى الاماراتيين ومع تسرب الخبر للصحف، وما تحويه الوثائق المسروقة من معلومات حساسة عينت الامارات شركة علاقات عامه أصدرت بيانا حاول تشويه سمعة الحارسين باعتبارهما مجرمين.
يشير الحكم المخفف والصفقة التي عقدها الادعاء العام مع الحارسين الى ان المدعي العام والقاضي أخذا بعين الاعتبار خطورة ما تحويه الوثائق من معلومات حساسة وتأثيرها على الامن القومي البريطاني وما يؤكد ذلك ان الحكم لم يرافقه منع من نشر الوثائق.
تاريخ طويل من التجسس
القضية هذه المرة تكشف الوجه الخبيث للإمارات بصورة أوضح، جريمة مركبة، لم تظهر فقط فساد السفارات الإماراتية حول العالم وكيف أنها مستنقعاً للفاسدين من الدبلوماسيين والسياسيين، لكنها أيضاً تلقي بالضوء على سعي الإمارات الدؤوب للحفاظ على موضع قدم لها في السياسة الخارجية والداخلية للمملكة المتحدة عبر لوبي قذر تحركه المادة وتجمعه المصلحة، ولا هم له سوى خدمة الصكوك النقدية دون اعتبار لأي مبدأ أو قيمة إنسانية.
الجدير بالذكر أن الادعاءات الواردة في بيان دفاع هورفورد ظهرت بعد أيام فقط من اتهام الإمارات بالوقوف وراء برامج تجسس أصابت الهواتف في داونينج ستريت (مقر رئاسة الوزراء) ووزارة الخارجية في عامي 2020 و 2021.
اتصل مركز Citizen Lab ، وهو مركز بحثي في جامعة تورنتو/كندا، بالحكومة البريطانية لتحذيرها من اكتشاف حالات متعددة مشتبه في إصابتها ببرنامج التجسس- Pegasus وهو برنامج مراقبة إسرائيلي يمكن تضمينه سراً في الهواتف للوصول إلى البيانات والكاميرا والميكروفون.
وقال المركز البحثي الكندي إن مشغلين مرتبطين بالإمارات قاموا بزرع برنامج Pegasus على هواتف مسؤولين في رئاسة الوزراء والخارجية البريطانية.
لا تعد هذه الحالة الأولى التي تتورط فيها الإمارات في التجسس على شخصيات رفيعة المستوى، في العام الماضي، وجد قاض بريطاني أن الشيخ محمد بن راشد -حاكم دبي- أمر باستخدام Pegasus لاختراق هواتف زوجته السابقة، الأميرة هيا، وفريقها القانوني البريطاني، خلال نظر قضية طلاقهما أمام المحكمة البريطانية.
يقول فريق هورفورد القانوني إنه بينما كان يعمل ضابط الحماية الشخصية حتى عام 2018 “سمع محادثات في الاجتماعات وشاهد المراسلات التي شكلت لديه عددًا من المخاوف بشأن سلوك الإمارات العربية المتحدة”، كما يزعم.
وبحسب الوثائق التي اطلعت عليها عدد من وكالات الأنباء العالمية مثل رويترز وتليغراف “كانت حكومة الإمارات العربية المتحدة تسعى للتأثير على السياسيين البريطانيين بمن فيهم بن والاس، وليو دوشيرتي، وجافين ويليامسون، وأليستير بيرت (من بين آخرين) بطريقة يخشى المدعى عليه أنها قد تؤدي إلى تضليل الرأي العام البريطاني بشأن قضايا دولية مهمة.”
عاصمة الفساد- مستنقع الفضائح
أما من الناحية الدبلوماسية، فإن سفارات الإمارات في الخارج تمتلك سلسلة طويلة من الفضائح التي تلقي بظلال الشك على سلوك العاملين فيها، حيث تلاحق الدبلوماسيين الإماراتيين شبهات فساد مالي وأخلاقي، حتى أنها تحولت إلى السمة الأبرز لمعظمهم، في إشارة عن المستوى المنحدر الذي سقط إليه النظام الإماراتي الذي لا يجد سوى الساقطين أخلاقيا لتمثيله والتحدث باسمه.
نصيب الأسد من تلك الفضائح من نصيب سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة الأمريكية يوسف العتيبة، الذي ارتبط مرارا اسمه بملفات فساد وفضائح أخلاقية مثيرة للجدل، فضلاً عن قيادته للوبي إماراتي في واشنطن، شغله الشاغل تلميع صورة النظام الإماراتي المهترئة والتغطية على جرائمه.
السفير الإماراتي السابق في القاهرة حمد الشامسي، له العديد من الفضائح أيضاً، مالية وأخلاقية، منها أنه تم ضبطه في حالة سكر شديد مردداً شتائم ضد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وقيادات أمنيّة بارزة، ولعل هذا هو السبب وراء طرده من البلاد، كما ضُبط الشامسي بتهريب آثار مصر وبيعها لأفراد ومزادات عالمية في أوروبا.
وثائق أخري تم تسريبها كشفت عن فضيحة مالية السفير الإماراتي في تونس راشد محمد المنصوري تتعلق بسرقة مكافآت مالية مخصصة لموظفي السفارة على مدار أكثر من عامين.
الصيف الماضي ضجت الأوساط الصحفية والقضائية الهندية بفضيحة أخرى للدبلوماسيين الإماراتيين، بعد العثور على 30 كجم ذهب في حقائب دبلوماسية مرسلة من الإمارات إلى قنصليتها في ولاية كيرلا الواقعة جنوبي الهند.
وأفادت وسائل إعلام هندية بأن السلطات فتحت تحقيقا مع مسئولين في كيرلا بينهم رئيس الجمعية التشريعية سريرام كريشنان، وتشتبه السلطات في أن سريرام كريشنان نسق عملية تسلم الذهب المهرب مع مسؤول في قنصلية الإمارات الذي تواطؤ بدوره في عملية التهريب.
هذه الفضائح المتكررة حول الفساد المالي والإداري ليست غريبة على الإمارات التي أصبحت عاصمة الفساد وغسيل الأموال حول العالم، الغريب أن هناك دولاً تدعي احترام حقوق الإنسان، والالتزام بالقيم والمبادئ الأخلاقية التي تحفظ للشعوب كرامتها وحريتها، ومع ذلك لا تزال تتعامل مع هذا النظام الذي يقود محور الشر في العالم من أجل نهب ثرواته والقضاء على أي ملمح ديموقراطي فيه.
اضف تعليقا