إعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية والعراق أنعش بغداد اقتصادياً وسمح للرياض بتقويض نفوذ إيران

العلاقات بين العراق والمملكة العربية السعودية شابها الكثير من الأزمات والاضطرابات في العقدين الأخيرين، خاصة بعد الغزو العراقي على الكويت عام 1990 في عهد صدام حسين، والذي بدوره أدى إلى فرض عقوبات دولية على العراق، ما ساهم بصورة كبيرة في تدهور العلاقات بصورة كبيرة بين البلدين.

المملكة العربية السعودية، وبعد عقدين من الاضطرابات والتوترات، سعت إلى إحياء العلاقات العراقية السعودية من جديد، وتشجيع التجارة والاستثمار بين البلدين.

في 17 أبريل/نيسان الماضي، التقى رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الرياض، وأعلنا توقيع 13 اتفاقية تضمنت بنودًا لتبادل المعلومات الأمنية، وتعزيز التجارة الثنائية، وتعزيز التعاون السياسي بين البلدين.

هذه الزيارة كانت تتويجاً للخطوة التي اتخذتها السعودية لإنهاء المقاطعة الدبلوماسية بعد إعادة فتح القنصلية السعودية في العاصمة العراقية بغداد عام 2015 بعد انقطاع دام 25 عامًا، وقد رافق الافتتاح إعلان السعودية عن تقديم حزمة مساعدات بقيمة مليار دولار للعراق.

الرياض أعلنت في أكثر من مناسبة أن هدفها من إحياء العلاقات مع العراق مرة أخرى هو التركيز على “روابط الدم والتاريخ والمصير المشترك بين البلدين” بقصد تقديم بديل للنفوذ الإيراني في العراق، حيث صرح إبراهيم النحاس، عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى السعودي، في مقابلة أجريت معه في أوائل شهر مايو/أيار الماضي “نريد أن نساعد العراق على أن يكون دولة قوية”، مؤكداً أن التقارب السعودي مع العراق “سيقلل من نفوذ إيران داخل العراق بل والمنطقة بأسرها”.

 

 خطوة نحو سلطة دينية جديدة

يعتبر الدين الإسلامي هو دين الأغلبية في كل من السعودية والعراق وإيران، والذي ينقسم إلى مذهبين رئيسيين، المذهب السني والمذهب الشيعي.

في إيران، يتبع غالبية المسلمين المذهب الشيعي، بينما يتبع معظم المسلمين في السعودية المذهب السني الوهابي، وهو من أكثر التيارات السنية تشدداً، ويعارض المذهب الشيعي بصورة كبيرة، تؤدي في كثير من الأحيان إلى صراعات طائفية بين معتنقي المذهبين، خاصة بعد الغزو الأمريكي للعراق حيث ازدادت وتيرة الصراعات الطائفية في المنطقة.

خلال انتفاضة القطيف عام 1979 في السعودية، أدت المظاهرات المستوحاة من الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 إلى عنف طائفي بين الأقلية الشيعية والأغلبية السنية هنا، ومنذ ذلك الحين، اعتبرت المملكة العربية السعودية سكانها الشيعة متعاطفين مع إيران وموالين لها.

بعد القرار السعودي بالتقارب مع العراق، يمكن القول إن المملكة خففت من حدة موقفها المعارض للمذهب الشيعي والرافض له، كوسيلة للتواصل مع العراق، والتي تضم أكبر عدد من المسلمين الشيعة في الوطن العربي، ليصبح الخطاب السعودي موجهاً ضد إيران ومؤكداً أن مشكلة السعودية ليست مع الشيعة وإنما مع إيران التي تعتبرها المملكة عدو متطفل يتدخل منذ فترة طويلة في الشؤون العربية.

الخطوة الأبرز على طريق تغيير الموقف السعودي من الشيعة كان في 2017، عندما زار جدة رجل الدين الشيعي العراقي الأبرز مقتدى الصدر، والذي يشكل مؤيدوه أكبر كتلة في البرلمان العراقي، واعتبرت هذه الزيارة دليل على تعاون سكان العراق الشيعة  مع السعودية، كما لعبت دوراً كبيراً في تحسين العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

تخطط الرياض أيضاً لافتتاح قنصلية في مدينة النجف العراقية، وهي مدينة مقدسة ومركز روحاني للمذهب الشيعي، تقع على بُعد حوالي 100 ميل جنوب بغداد، وقد تؤدي هذه الخطوة إلى توجيه السكان السعوديين الشيعة إلى اعتبار النجف مهداً للسلطة الدينية الشيعية، بدلاً من إيران.

من جانبهم، التزم كثير رجال الدين المدعومين من الحكومة السعودية الصمت تجاه هذه الخطوات، على الرغم من كونهم معروف عنهم كره الشيعة واعتبارهم زنادقة خارجين عن الدين، في حين تراجع البعض الآخر عن مواقفه السابقة الرافضة للتواجد الشيعي.

بعض الآراء السياسية خرجت مؤيدة لهذا التنسيق، معتبرة إياه مهم لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث يتصاعد العنف الطائفي في العراق وسوريا واليمن.

حاولت المملكة الحصول على دعم العراق من خلال التغاضي عن الانقسامات الطائفية، والتركيز على الهوية العربية المشتركة، على الرغم من أن العراق لا زال يفضل أن يحتفظ بعلاقة طيبة مع الجانبين، السعودي والإيراني.

 

كبح نفوذ إيران في المنطقة

بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، زادت شعبية إيران في العراق بشكل مطرد في العقد الذي تلا ذلك بفضل نفوذها السياسي والاقتصادي الواسع في البلاد، واستخدمت في ذلك استراتيجية متعددة الجوانب، كما لعبت على التوترات الطائفية في المنطقة، وفي الوقت الذي هاجم فيه تنظيم القاعدة السكان الشيعة، الذين يشكلون غالبية مسلمي العراق، دعمت إيران الجماعات المسلحة الشيعية، ونصبت نفسها حامية على مصالح الشيعة.

سمح هذا لطهران بدفع حلفائها ووكلائها في العراق للمشاركة في الانتخابات المحلية للسيطرة على مؤسسات الدولة، وقد تم تعزيز هذه المكاسب بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق عام 2011، ليزداد بعد ذلك وبصورة تدريجية نفوذ إيران السياسي داخل العراق، خاصة عندما حصل تحالف فتح (المكون الرئيسي لقوات التعبئة الشعبية المدعومة من إيران) على ثاني أعلى عدد من المقاعد في مجلس النواب العراقي في العراق عام 2018.

وأخيراً، لعبت الميليشيات الإيرانية دورا هاما في طرد داعش من المنطقة.

يحرص قادة العراق على الحفاظ على علاقات وثيقة مع إيران، بسبب اعتمادهم اقتصادياً عليها بصورة رئيسية، وعليه، وخلال زيارة دولة الرئيس الإيراني حسن روحاني التي استمرت ثلاثة أيام لبغداد في مارس/آذار الماضي، وقع البلدان اتفاقات في مجالات التجارة والنقل، والتي من المتوقع أن ترفع قيمة الاستثمارات في التجارة الثنائية بين البلدين من 12 مليار دولار إلى 20 مليار دولار في غضون العامين المقبلين.

معبراً عن آماله في تحقيق هذه الخطط في غضون بضع سنوات، صرح روحاني خلال زيارته المُشار إليها “أشعر أنني في بلدي حين أكون في العراق، فالعلاقة بيننا لا يمكن إضعافها، ونحن حريصون دائماً على جعلها أقوى “.

من جانبها انتقدت واشنطن هذه الاتفاقيات التجارية معتبرة إياها تقويضاً للسيادة العراقية، حيث اتهم وزير الخارجية مايك بومبيو إيران بتحويل العراق إلى” دولة فاسدة”.

يعتمد العراق اعتمادًا كبيرًا على واردات الطاقة من إيران ويعتزم مواصلة شراء الطاقة من طهران، على الرغم من أن انتهاء تنازل واشنطن لا يسمح لبغداد بالتعامل مع إيران بشأن شراء الطاقة، حيث فرضت الولايات المتحدة عقوبات على صادرات النفط الإيراني في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بعد أن انسحب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي لعام 2015 بين إيران والست دول، وهذا الانسحاب منح العراق فترة مدتها ستة أشهر فقط لمواصلة استيراد الخام بكميات منخفضة من إيران.

العقوبات الأمريكية على إيران أتت في توقيت مثالي بالنسبة للسعودية، والتي كانت تبحث عن طريقة لتنويع التجارة في مجال الطاقة في العراق بعيداً عن إيران.

العراق من جهته لا يفكر إلى في طريقة ينعش بها اقتصاده الذي مزقته الحرب ويعيده إلى مجده السابق ويصبح ثالث أكبر منتج للنفط الخام بحلول عام 2030.

من ناحية أخرى، يمثل العراق سوقاً غير مستغل للاستثمار السعودي، وعليه عرضت المملكة بيع الكهرباء إلى بغداد بأسعار أقل من التي كانت توفرها إيران، وهو عرض مهم بالنسبة للعراق لأن إيران قطعت الطاقة الكهربائية عن العراق عام 2018 بسبب فشلها في سداد ملياري دولار مستحقة لواردات الطاقة من إيران، وهي خطوة استغلتها السعودية جيداً لتمكن العراق من الابتعاد عن إيران وعدم الاعتماد عليها فيما يخص مجال الطاقة.

إن زيارة رئيس الوزراء العراقي عبد المهدي للمملكة واستثمارات السعودية المتعهد بها في العراق قد حسنت من علاقات البلدين، وعلى الرغم من أن التوترات بين إيران والسعودية مستمرة، إلا أن قانون الموازنة في العراق هو أفضل خيار له في الوقت الحالي ، وربما مع الوقت يصبح العراق وسيطاً إقليمياً في المستقبل.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا