قبل أقل من شهر من الانتخابات الرئاسية في الجزائر، يحتشد الصحفيون الجزائريون من جميع الأطراف للتنديد بالانتهاكات التي يتعرضون لها، في مشهد لم يحدث منذ فترة طويلة، حيث يتبادل الصحفيون العناق والمصافحات الدافئة، إلا أن ذلك لم يمح العيون المتعبة، وسنوات المعاناة من الألم والضغط والإذلال والتحرش.
في 14 نوفمبر 2019، التقى حوالي خمسين صحفيًا جزائريًا، للمرة الثانية خلال أسبوع للتنديد بالعقبات التي تعترض مهنتهم، إذ يشعر النساء والرجال والعاملون في الصحف الحكومية والخاصة بالحاجة الملحة للتعامل مع التدهور الحاد في الحريات والحق في التعبير الذي هزته احتجاجات 22 فبراير وقال أحد المبادرين في الحملة، “هذه ليست حركة حزبية أو معارضة، إنها قبل كل شيء مبادرة لإيجاد إطار عملي للصحفيين”.
300 صحفي يوقعون بيان ضد القمع
يأتي اجتماع 14 نوفمبر في الجزائر في أعقاب الاجتماع الأول الذي بادرت إليه مجموعة من الصحفيين في 9 نوفمبر، مما أدى إلى نداء وقعه منذ ذلك الوقت ما يزيد قليلا عن 300 صحفي، تحت عنوان “صرخة الصحافيين ضد القمع والتعسف ومن أجل الحريات”.
يدين نص البيان الاعتقالات التي تعرض لها سفيان ميراكشي وعبد المنجي خلادي وعادل عزب الشيخ، إضافة إلى الاستثمارات الخاضعة للإشراف القضائي وحظر الخروج المفروض على سعيد بودور وعدلان ملاح، كما أدان البيان حظر تغطية الأحداث المهمة التي تحدث في البلاد في بعض الوسائط والضغوط والقيود المفروضة على المؤسسات الإعلامية التي تمنع الصحفيين من أداء واجباتهم المهنية وتقديم الخدمة العامة.
وقال نص البيان “نحن ندعو المهنيين في القطاعين العام والخاص للوقوف معا للدفاع عن حريتهم ومهنتهم النبيلة، حتى لا يكونوا عرضة للانتهاكات الصارخة مرة أخرى، شعارنا كان ولا يزال يمثل حرية الصحافة، ولكن في نفس الوقت خدمة وطنية تضمن حق المواطن في الحصول على معلومات موضوعية “، كما لاحظ الموقعون على الدعوة وجود دعم من الرأي العام الجزائري من خلال العديد من التعليقات والرسائل على الشبكات الاجتماعية.
لا نريد أن نغش الجزائريين
يقول أحد الداعين لهذه المبادرة، إن “الحاجة الملحة هي التعبئة لتحرير الصحفيين من السجن، ثم ننطلق للكثير من المشاريع، بدءًا بتطبيع علاقتنا مع السلطات العامة، فنحن نطالب بأن يكون القانون وحده هو الذي يحكم قطاعنا، وليس الإملاء من جانب العميل”.
وأضاف، “نطالب بتطبيق الإطار التنظيمي في وسائل الإعلام العامة، إذ أننا لسنا في خدمة السلطات، نحن في خدمة المجتمع، وهذه هي الخدمة العامة، كما أن الصحفي من وسائل الإعلام السمعية والبصرية المملوكة للدولة يعاني، مثل زملائه، ضغوط لا تطاق داخل مكاتب التحرير”.
عند اندلاع حركة 22 فبراير التي سحبت البساط من الرئيس بوتفليقة، أثرت موجة من التمرد أيضًا على وسائل الإعلام في القطاع العام، إلا أنه تم سحقها بقبضة السلطة السياسية المسيطرة على زمام الأمور اليوم، وعلى الرغم من التهديدات والضغوط، فإن الصحفيين وغيرهم من موظفي التلفزة العامة أو الإذاعة قد نظموا اعتصامًا للتنديد بإجراءات الرقابة والتضليل، وعقب أحد العاملين في التلفزيون الجزائري، “نحاول فقط أن نؤدي عملنا ولا نريد أن نغش الجزائريين في فترة سياسية حاسمة”.
مشهد إعلامي محفوف بالمخاطر
في مايو الماضي، تلقى خمسة صحفيون وفني من التلفزيون العام عقوبات إدارية صارمة تتراوح بين الإيقاف والنقل، وفي ذلك الوقت، أدانت مؤسسة “مراسلون بلا حدود”، ما وصفته بـ “التدابير التعسفية” ودعت إلى “رفعها الفوري”، كما شجبت في أوائل نوفمبر، إلغاء البرنامج السياسي على راديو “Actuel” دون أي إشعار، كما أن هناك أمثلة كثيرة لتراجع الحريات في القطاع العام لها صدى كبير عند زملائهم المراسلين الإعلاميين في القطاع الخاص و الأجانب.
مواقع الإنترنت هي الأخرى تخضع للرقابة، إذ أن أجهزة التلفاز الخاصة والصحف لم تعد تغطي المظاهرات بسبب التعرض للتهديدات المالية أو الإدارية، كما أن الصحفيين الميدانيين يتعرضون للمضايقة من قبل السلطات والمصورين مُنعوا من العمل أثناء المظاهرات، مما يجعل المشهد الإعلامي محفوف بالمخاطر بالنسبة لغالبية النساء والرجال في وسائل الإعلام، وهو ما يضاعف عددًا من الضحايا للسلطات وبعض الزعماء.
بارقة أمل
حول الطاولة الكبيرة لاجتماع الصحفيين، تنقسم القضايا، حيث أعطى الصحفيون الخمسون في الرابع عشر من نوفمبر انطباعًا عن اليأس والإحباط في مواجهة الأوضاع القاسية، في ظل الصراع مع السلطة لانتزاع حقوقهم، وبين المجتمع الذي يعبر أحيانًا عن خيبة أمله من وسائل الإعلام، متهماً إياهم بالتخلي عن نضالاته، وقال أحد الأشخاص الحاضرين في الاجتماع فيما يتعلق بمقترحات العمل، “نحتاج إلى إعادة بناء الخدمة العامة وشرح للجزائريين أننا نقاتل من أجلهم أيضًا، حتى نكون قادرين على إبلاغهم بموضوعية، دون ضغط من أي طرف”.
من أبرز الاقتراحات التي شملها الاجتماع، إنشاء موقع على الويب لتجميع المحتوى الخاضع للرقابة، وتطوير أدلة عملية لمعرفة كيفية التصرف أثناء الاستجواب، وإطلاق حملة تضامن مع صحفيين الإعلام العام، وتقديم تغطية إعلامية جماعية لمظاهرة الجمعة مع شارة القيادة التي تحمل “الصحفي المستقل” بإبلاغ الرأي العام بانتظام بالضغوط التي يتعرض لها موظفو التحرير في القطاعين العام والخاص، وتوفير الحماية القانونية للصحفيين الذين يتعرضون للمضايقة والترهيب.
ينتهي الاجتماع والصحفيون محملون بالحماس والأمل، حيث قال أحد الصحفيين الحاضرين، “من الضروري أن نرى بعضنا البعض، وأن نتحدث مع بعضنا البعض بالفعل، وأن نواجه عقباتنا وآمالنا، وهذا هو السبب في أننا سنعيد النظام الإعلامي الجديد الذي يستحق ما تمر به الجزائر”.
اضف تعليقا