يستعرض الباحث سيباستيان بوسويس، مؤلف كتاب “داعش، تتمة”، قدرة تنظيم داعش على البقاء رغم وفاة قائدها، ذلك الرجل المطلوب في العالم لم يعد له وجود بعد عامين من سقوط الرقة، إذ قُتل أبو بكر البغدادي في عملية عسكرية أمريكية بداية الأسبوع الماضي في شمال غرب سوريا وأعلن دونالد ترامب يوم الأحد (27 أكتوبر) عن مقتل زعيم داعش حيث يعتبره انتصارًا كبيرًا في حربه ضد الإرهاب.
ومع ذلك، يرى الباحث، أنه حتى بدون “الخليفة”، تظل المنظمة الجهادية نشطة من إندونيسيا إلى شمال نيجيريا، ولا تزال لديها القدرة على تنظيم هجمات في جميع أنحاء الغرب. سيباستيان بوسويس هو باحث في العلوم السياسية متخصص في شئون الشرق الأوسط ومدرس بجامعة بروكسل الحرة وجامعة مونتريال، ونشر في 5 سبتمبر الماضي كتابه “داعش، تتمة”، حيث يشرح في المقابلة التي أجرتها معه صحيفة “لوبوان” لماذا تستطيع منظمة الدولة الإسلامية البقاء على قيد الحياة بعد وفاة زعيمها.
هل وفاة أبو بكر البغدادي ضربة قاضية لداعش؟
من الواضح أن القضاء على أبي بكر البغدادي، إذا تم تأكيده، يمثل النهاية الثانية للخلافة الإسلامية في داعش، التي أصدرها زعيمها وتجسدها، بعد سقوط الرقة، “عاصمة” الدولة الإسلامية، في أكتوبر 2017، لكن الآن، ما زالت أيديولوجية داعش حاضرة اليوم في رؤوس الآلاف من الأفراد، الذين سيتابعون “عمل” البغدادي، كما أن مقتله لن يحدث تغييرات جذرية في هذا المشروع الجهادي.
هل تستطيع هالة البغدادي النجاة من وفاته؟
في رأيي، موت أبو بكر البغدادي أهم بكثير من بقائه على قيد الحياة، وسينضم إلى قائمة الأساطير الإسلامية باعتباره واحد من الشخصيات العظيمة في “إحياء” الجهاديين، فلا يزال الرجل الذي تمكن بطريقة ما من إعادة الخلافة، التي لم تحدث منذ نهاية الإمبراطورية العثمانية في عام 1923، كما أنه أول رجل منذ ذلك التاريخ يريد إعادة توحيد العاصمتين العربيتين التاريخيتين بغداد ودمشق.
في نظر الجهاديين، سيصبح بطلًا في الكفاح من أجل تجسيد هذه الأرض، فمن خلال رسالته، نجح في إلهام الآلاف من الشباب الذين غادروا بلادهم ومعالمها للانضمام إلى “الخلافة”.إن هذه بالتأكيد ليست صورة الرجل الذي طارده دونالد ترامب، لكن الكثيرين يؤمنون بها.
أين هي الحركة الجهادية اليوم؟
ليس لأننا قطعنا رأس الحركة الجهادية، فهذا سيعني أننا قضينا عليها نهائيًا، فبينما تركزت جهود العالم في القضاء على البغدادي، تمكن الرؤساء الآخرون من اظهار امتيازات داعش الأخرى، فبعيدًا عن “الخليفة”، فإن الحركات التي تعهدت بالولاء لداعش موجودة محليًا في أربعين دولة، وتنتشر بطريقة غير ممنهجة.
هل أعطى الهجوم التركي الأخير في سوريا والانسحاب الأمريكي الذي صاحبه قتل زعيم داعش؟
في الواقع، لقد تسبب الهجوم التركي في سوريا بالفعل في هروب مئات الجهاديين، لكن حتى قبل ذلك، قدر تقرير لمجلس الأمن الدولي في سبتمبر أن ما بين 20 إلى 30 ألف من أعضاء داعش ما زالوا على قيد الحياة، وعلى استعداد للقتال في أراضي الجهاد الأخرى، وتقيم الموارد المالية المتاحة للمنظمة اليوم من 50 إلى 300 مليون دولار، إلا أنه لضمان استدامة الحركة، لم يقاتل عدد من كبار الجهاديين حتى النهاية في سوريا، وغادروا البلاد لأراضي الجهاد الأخرى، حيث كان الهدف هو إعادة تشغيل الحركة في أول فرصة تتاح لها.
هل هناك خطر يتعلق بالجهاديين الذين استولى عليهم النظام السوري؟
لديّ معلومات من أجهزة المخابرات الأمريكية، والتي أكدها مصدر موثوق، أن بشار الأسد يمكنه استخدام الجهاديين الذين استعادت قواتهم في سوريا ضد أوروبا. في هذه الحالة، سيكون على الرئيس السوري التفاوض مع المقاتلين الإسلاميين لحماية الأراضي السورية من التهديد الإرهابي، ثم تسليم الأسلحة لهم لضرب أوروبا، وهكذا، فإن بشار الأسد سوف ينتقم من الغربيين الذين تركوا العديد من الجهاديين الشباب في سوريا. من الضروري أيضًا أن نتذكر أن بشار الأسد قد استخدم بالفعل الجهاديين الأجانب بعد سقوط صدام حسين عام 2003 لمهاجمة القوات الأمريكية التي تحتل العراق.
هل ينوي بشار الأسد استخدام هؤلاء الجهاديين كورقة مساومة لتحقيق تطبيع علاقاته مع فرنسا؟
يمكن أن تكون البطاقة الجهادية بمثابة ورقة مساومة بشكل فعال بحيث يتم إعادة دمج بشار الأسد في المجتمع الدولي، ولكن هذا في الواقع ما يحدث الآن، حيث أدرك الغربيون أن بشار الأسد أصبح أقوى من أي وقت مضى في سوريا وأنه سيطبع علاقاته معه عاجلًا أم آجلًا.
في ظل هذه الظروف، هل يجب على فرنسا استعادة الجهاديين الفرنسيين الذين قاتلوا في بلاد الشام؟
أعتقد أنه ينبغي استعادة الجهاديين بدلًا من تركهم على الحدود أو في أيدي القضاء العراقي، حيث إن الأمر يتعلق بأمننا. تذكر، مع ذلك، أن جميع مسؤولي داعش التقوا في سجن معسكر بوكا، العراق، حيث سجنت القوات الأمريكية أبو بكر البغدادي في عام 2004.
هل يعززه مقتل أبو بكر البغدادي من تزايد الهجمات في فرنسا ؟
لا يزال خطر الهجمات قائمًا ولا أرى كيف يمكن أن نكون أكثر يقظة، إذ أن إرهاب داعش يعني أن المنظمة يمكنها أن تحدث الكثير من الضرر بهجوم من شخص واحد، ومع ذلك، إننا لا نواجه اليوم تهديدًا جماعيًا، لكن أعمالًا رمزية تسبب المزيد من الضرر في النفس الجماعية.
في رأيي، لسنا في وضع يكون فيه التهديد المباشر يتمثل في تهديد الجهاديين الذين يمكنهم اختراق فرنسا عبر الانفجارات، ولكن في حالة الشباب الفرنسي، الضرر يكون عبر اتباع أيديولوجية داعش، الذين يمكنهم إلهام الشباب الفرنسي على الشبكات الاجتماعية عبر دعم مشاعر التطرف والرغبة في الانتقام وإشباعها. أجد أن المنظمة الجهادية تمكنت من إثارة الحروب الأهلية الصغيرة في مجتمعاتنا.
نتج على سبيل المثال، عن النقاش الدائر حول عودة الجهاديين في فرنسا تجدد النقاش الذي لا ينتهي حول الحجاب، والذي يستقطب بلدنا، ويمكن أن يغرق المسلمون في شعور بعدم الارتياح تجاه الجمهورية. بكل تأكيد فرنسا أرض خصبة لداعش.
اضف تعليقا